Author

الرسوم على الأراضي البيضاء ليست حلا!

|
المجتمع السعودي بكل أطيافه يرقب التحركات المتوقعة لسوق العقار، فتجار العقار يأملون في الرواج الكمي والسعري للعقارات بجميع أنواعها لأنها تعني مزيدا من الثروة والنفوذ لهم، والمواطنون يأملون في مساكن في متناول اليد من حيث السعر لتحويل الحلم بالمسكن إلى حقيقة واقعة، ومؤسسات التمويل أيضاً تترقب لما للتمويل العقاري من تأثير كبير في اقتصاديات البنوك، خاصة ما يتعلق بتملك المساكن، ناهيك عن مصنعي وموردي وتجار مواد البناء، والجميع يترقب حدثين مهمين يتوقع أن يغيرا الخريطة العقارية في المملكة؛ الأول منظومة التمويل العقاري وهي ما اصطلح التعارف عليها بالرهن العقاري، الآخر خطط وزارة الإسكان لتنفيذ الـ 250 ألف وحدة سكنية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين - وفقه الله. يتفق الجميع على أن أسعار الأراضي الصالحة للسكن في المملكة تجاوزت الحد المعقول سعرياً، ولم تعد في متناول المواطنين متوسطي الدخل، والأسباب لهذا الارتفاع متعددة، فهناك ندرة الأراضي المعدة للسكن، والمضاربات العقارية، إضافة إلى عامل التضخم الذي تضاعف في السنوات الأخيرة، طبعاً الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني أحد العوامل الرئيسية في هذا الارتفاع وإن كانت ليست سبباً، لكنها نتيجة للمنح الضخمة التي كانت العامل الأبرز في إيجاد مشكلتي ندرة الأراضي السكنية وارتفاع الأسعار. وسط مطالبات وتأييد وتحفظات وانتقادات صدر قرار مجلس الشورى الأخير، الذي طالب المجلس من خلاله وزارة الشؤون البلدية والقروية بإعداد لائحة تنظم الضوابط والآلية اللازمة لفرض رسوم سنوية على الأراضي البيضاء التي تقع ضمن النطاق العمراني، واستكمال الإجراءات المطلوبة. المطالب بالرسوم على الأراضي البيضاء أخيرا، التي توجت بقرار مجلس الشورى الأخير، قامت على اعتبار أن هذه الرسوم هي الحل المرتقب الذي سيحد من الزيادة الجنونية في أسعار الأراضي، وبالتالي سيقود أسعار العقار للتصحيح، والمقصود بالتصحيح العودة إلى المعدلات السعرية المعقولة التي كانت في متناول المواطنين، وهي غالباً تقل عن الأسعار الحالية بما يعادل 30 إلى 50 في المائة، أو على الأقل سيوقف هذا التصحيح التصاعد الجنوني لأسعار الأراضي. لا أشك في أن وجود الأراضي البيضاء مشكلة تعانيها مدن المملكة، وبالتأكيد هي أحد أسباب ارتفاع أسعار العقارات، لكن هل تأخر البناء على هذه الأراضي سببه الملاك أم جهات أخرى مثل الأمانات في المدن الرئيسة أم جهات أعلى مثل الهيئات العليا لتطوير المدن؟ ولا صحة لما يقال إن أصحاب الأراضي أحرار في ممتلكاتهم من حيث البناء أو تركها بيضاء! فقد خططت هذه الأراضي وأعطيت الخدمات اللازمة كي تستخدم وليس للشمس والهواء! حيث إنها تحجّم الموارد المتاحة للأحياء بحيث يستفيد القلة من موارد متاحة ليستفيد منها الجميع، وبالتالي فهذه الأرض البيضاء تزيد قيمتها في الأحياء المعمورة بقدر ما تقل الأراضي البيضاء فيها، وهذه القيمة الإضافية التي يحققها أصحاب الأراضي البيضاء إنما تتحقق على حساب موارد المجتمع الكلية. كما يجب التفرقة بين الأراضي التي لا يتم البناء عليها نتيجة لمزاجية الملاك ورغبتهم في عدم البناء، والأراضي التي لا يتم البناء عليها نتيجة الانتظار لقرض من صندوق التنمية العقاري، أو نتيجة لمعاملة في وزارة التربية لبناء مدرسة على أرض فضاء أو مرفق تعليمي ... إلخ. ردود الفعل المتوقعة عند فرض الرسوم على الأراضي البيضاء لا تخرج عن ثلاث فئات، الفئة الأولى وهم العامة الذين سيسلمون بالقرار وينصاعون لتطبيقه ويستجيبون لتبعاته، وهؤلاء هم القلة، الفئة الثانية وهم المختصون والتجار المستجيبون للقرار، لكن بالتأكيد سيقومون بتحميل جميع الرسوم على قيمة الأرض، وبالتالي سيتحمل المشتري الجديد الرسوم المدفوعة وربما أضعافها، الفئة الثالثة (وأتمنى أن تكون فئة محدودة) ستتلاعب بالقرار وستجد عشرات الطرق للالتفاف عليه وبآليات قانونية الشكل ونظامية الصياغة، المؤكد - في وجهة نظري - أن الرسوم الجديدة سيتحملها المستخدم النهائي للأرض، بل قد يتحمل أضعاف الرسوم المفروضة، كما حدث في زيادات أخرى حدثت في سلع مثل الرز والبنزين ... إلخ. أعتقد أن حلول مشكلة الأراضي البيضاء يجب أن تنطلق وفق آليات مختلفة بحيث تركز على حوافز إيجابية للأراضي تزيد من قيمتها نتيجة البناء المبكر عليها، ومن جهة أخرى تطبق حوافز سلبية تخفض قيمة الأراضي التي لا يتم بناؤها، وهذا ما لا تقوم به آلية الرسوم على الأراضي البيضاء. أقترح في هذا الصدد أن يتم إعطاء حوافز للأراضي التي يتم البناء عليها خلال الثلاث سنوات الأولى من تطبيق القرار، مثل أن يتم البناء لأكثر من دورين أو السماح ببناء السطح كاملاً أو بناء مساحة أكبر على الأرض ... إلخ، أما السنوات الخمس التالية (من السنة الرابعة حتى الثامنة) فيتم تطبيق نظام البناء الحالي بدون حوافز سلبية أو إيجابية، أما السنوات الخمس التي تليها (من السنة التاسعة حتى الثالثة عشرة) فيتم تطبيق عقوبات على الأراض مثل أن يكتفى بإعطاء فسوحات البناء لدور واحد فقط أو تقتصر مساحة البناء على ٤٠ في المائة من مساحة الأرض فقط ... إلخ، أما السنوات التي تليها (بعد السنوات الـ 13) فتطبق عقوبات أكبر مثل أن يحدد استخدام هذه الأراضي للاستخدام كمرافق حكومية فقط أو أن تبنى فقط كمساكن لوزارة الإسكان أو غيرها ... إلخ، وبالتالي وفقاً لهذه الآلية فإن الأراضي التي سيتم بناؤها ستحافظ على قيمتها إن لم ترتفع، أما الأراضي التي ستطبق عليها الحوافز السلبية ستنخفض قيمتها مع الوقت، وبالتالي سيضطر أصحابها إلى البناء عليها أو بيعها، وبالتالي سيتحقق البناء ومن ثم زيادة المعروض من المساكن، أو سيتحقق البيع هرباً من الحوافز السلبية التي ستخفض قيمة الأرض، وبالتالي على المدى الطويل ستنخفض قيمة الأراضي البيضاء التي تعاني الحوافز السلبية، وهذه المقاصد مجتمعة هي مشكلة الأراضي البيضاء الحقيقية. هذا المقترح يفترض أن يتم بموجبه تقسيم كل مدينة إلى مناطق عمرانية محددة، وبالتالي يحدد ترتيب الحوافز لكل منطقة، كما يفترض أن يمسك سجل واضح لكل أرض ويحدد فيها الحوافز بشكل لا يقبل الجدل لارتباط ذلك مباشرة بقيمة الأرض، كما يفترض الصرامة في التطبيق وعدم وجود الاستثناءات لأي كائن من كان، حتى لا يطبق النظام على الضعفاء وينجو منه أصحاب النفوذ. الطريف في الأمر ، هل ناقش مجلس الشورى عند طرحه الموضوع وضع شوارعنا لو تم بناء جميع الأراضي البيضاء داخل المدن، فكم سيزيد عدد سكان الأحياء؟ وما تأثير ذلك في حركة المرور واستيعاب الطرقات؟ إذا كانت طرقنا تئن من الازدحام حالياً فكيف سيكون الوضع مستقبلاً؟ لا شك أننا سننافس آنذاك القاهرة وجاكرتا ومومباي!
إنشرها