Author

الإرادة الطويلة.. سر النجاح

|
من الأمور الملاحظة في الجيل الذي نعايشه اللامبالاة الحياتية وضعف الهمة وموت العزيمة، ولا يكاد الواحد منهم يستفيق من سباته إلا بعد فوات الأوان فيجد زملاءه الذين نشأ معهم في ظروف معيشية غالبا متقاربة قد نجحوا في حياتهم العملية والاجتماعية وبرزوا في المجالات التعليمية، وأصبح لهم دور وأثر بارز في المجتمع وهو لا يزال على نمط عيشه السابق في تفكيره ومعلوماته، بل قد تشوبه شائبة الإحباط والتحسر على تقدم أقرانه وضياع الفرص.. ومن أكبر الأسباب في ذلك ضعف الإرادة وانعدام الهمة والخداع النفسي والتعذر بعدم الاستطاعة، وتجدهم كثيرا ما يكررون عبارة (لا أستطيع) في كل صغيرة وكبيرة دون محاولة الكرّة أو إعادة التجربة، وهذا يعتبر انعكاسا لهزيمة داخلية للتخلص من المسؤولية أو مصاعب تبعات علو الهمة. إن قوة الإرادة تحقق العجائب، فمن كافح ليكون ترتيبه الأول، يحزن إذا كان الثاني، ومن كان همه دخول الدور الثاني، يفرح إذا لم يرسب إلا في نصف المقررات والمواد، وصدق الشاعر عندما قال: إذا كــانت النفــوس كبــارا تعبت في مرادها الأجسام من يهن يسهل الهوان عليه مــا لجــرح بميــت إيلام ورحم الله ابن القيم الجوزية عندما قال: لو أن رجلا وقف أمام جبل وعزم على إزالته، لأزاله.. إن التخلص من العجز الذهني وقصور العقل الباطن ووهن القوى العقلية بات ملحا لتوافر كثير من أسباب النجاح، لكن ضعف الإرادة حال بينهم، وأعظم من ذلك الاعتقاد بأن النجاح الباهر لا يحققه إلا الأذكياء، لقد أثبتت الدراسات أن عددا من عظماء التاريخ كانوا أناسا عاديين، بل إن بعضهم كان قد فشل في كثير من المجالات كالدراسة مثلا، لكنهم نجحوا في مجالات أخرى، ولا شك أن الأغبياء لا يصنعون التاريخ، لكن الذكاء أمر نسبي، يختلف فيه الناس ويتفاوتون، وحكم الناس غالبا على الذكاء الظاهر، بينما هناك قدرات خفية خارقة لا يراها الناس، بل قد لا يدركها صاحبها إلا مصادفة، أو عندما يصر على تحقيق هدف ما، فسرعان ما تتفجر تلك المواهب، مُخلّفة وراءها أعظم الانتصارات والأمجاد. إن كل الناس يعيشون أحلام اليقظة، لكن الفرق بين العظماء وغيرهم: أن أولئك العظماء لديهم القدرة وقوة الإرادة والتصميم على تحويل تلك الأحلام إلى واقع ملموس، وحقيقة قائمة، وإبراز ما في العقل الباطن إلى شيء يراه الناس ويتفيأون في ظلاله؛ ولذلك كان بيل جيتس مؤسس البرمجيات وأثرى أثرياء العالم يحلم بطريقة مختلفة عن أقرانه، فعندما تم إرساله إلى مدرسة ليك ساير الإعدادية عام 1968 قررت المدرسة شراء جهاز كمبيوتر لبعض زملائه وهو ما كان نقطة تحول في حياة جيتس البالغ من العمر حينها 13 عاما فكانت إرادته تسبق زمانه وتمثلت الإرادة في تأسيس شركة البرمجيات العالمية وعمل البرمجيات على نطاق واسع بينما كانت إرادة أحد زملائه المقرب له أن يكون مهندسا في البرمجيات، وبعد مرور الزمن والإرادة الطويلة تحقق لكل منهما ما أراد، إلا أن المفارقة العجيبة أن زميل جيتس كان يعمل مهندسا في شركة مايكروسوفت العالمية لدى الملياردير بيل جيتس، إنها الإرادة فمن كانت إرادته عالية فلن يرضى بأقل من العلو ومن كان دون ذلك فكيفما أراد. ومن المهم أن تكون هناك بيئة محفزة؛ لأن البيئة شديدة التأثير في أفرادها، حيث تصوغهم ولا يصوغونها (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ) الزخرف: من الآية 23؛ ولذلك فهي من أهم الركائز في التقدم أو التخلف، والرجال الذين ملكوا ناصية القيادة والريادة لم يستسلموا للبيئة الفاسدة أو المحطمة، ولم تمنعهم من نقل تلك البيئة إلى مجتمع يتسم بالمجد، الرقي، والتقدم. إن تقدم الأمم لا يكون إلا بتقدم أفرادها، ولن يكون هناك تقدم ما لم تصاحب ذلك إرادة صلبة تتكسر عليها أحداث الليل والنهار والمشكلات اليومية التي تعوق الطموحات الكبيرة والبعيدة. ومن الأمور المهمة أن يسعى الإنسان في حياته اليومية بالأمور التي تصله بالهدف المنشود وفق تناسق وتناغم بين متطلبات الروح والجسد حتى تكون الإرادة مشبعة بالمعاني النفسية والمادية، وهذا الذي يجعلها بعد الله تدوم بنفس طويل لا يعوقها أي عارض نفسي. رزقنا الله وإياكم السعادة في الدنيا والآخرة وحقق لنا ولكم أطيب الأماني.
إنشرها