تعداد سكاني للعوانس

تعداد سكاني للعوانس

في حوار لي مع عدد من الأشخاص حول الموضوع الاجتماعي الأول في بلادنا؛ ألا وهو العنوسة. قال لي أحدهم : الآن ضع في حساباتك أن في كل بيت عانس. فكررت المقولة في دماغي عليِّ أجد لها مخرجا. في كل بيت عانس أم عانس لكل بيت ... لا فرق. تذكرت حينها حقيقة ومفاجأة ذكرها أحد الإخوة الذين شاركوا في عملية التعداد السكاني حيث يقول : أثناء عملية التعداد ذهبنا إلى بيوت كثيرة، وجدنا في بعض هذه البيوت غرائب وأعاجيب. امرأة في الثلاثين، وأخرى في الأربعين، وثالثة في الستين، وكلهن من غير زواج؛ وأيضاً يقول : ذهبنا إلى بيت فوجدت فيه خمس عوانس، أعمارهن من الثلاثين إلى الخامسة والأربعين. يا الله حقاً إنها مشكلة مخفية لا تكشفها جدران البيوت، التي لو كانت لها ألسن لصرخت وقالت : يا مسلم يا عبد الله، خلفي عانس تعال وأنقذها. ويا ليت أن عندنا إحصائيات دقيقة كالدقيقة حول عدد العوانس في المملكة أو غيرها من الدول العربية والإسلامية، فليس عيباً الاعتراف بالمشكلة؛ إنما العيب كل العيب في السكوت عنها وتجاهلها كورم خبيث يكبر ويكبر إلى أن يهلك الجسد ليس جسد إنسان وإنما جسد الأمة ... نعم جسد الأمة بناتها ... نعم جسد الأمة فتياتها ... نعم جسد الأمة شاباتها ... نعم .. أما لماذا؟ فلأن العنوسة لا تعني كلمة من خمسة حروف؛ بل صفعة من خمسة أصابع على الجبين ليس مرة واحدة في العمر بل؛ واحدة مع كل شهيق يدخل، وزفير يخرج. العنوسة حرمان لأم وطفل من حضن يجمعهما. العنوسة مفتاح صغير لسجن كبير يعزل عن السعادة التي تجمع بين المريخ والزهرة على كوكب الأرض. يقول شيخ كبير تجاوز السبعين، وعمله تأجير البيوت: "دخلنا بيوتاً فيها نساء كبار، في الستين والسبعين، يشتمن المجتمع والأقارب ويلعن من كان السبب في بقائهن عوانس إلى هذا السن، فهن لا يجدن من يقدم لهن الطعام والشراب، لا يجدن من يقدم لهن الدواء، لا يستطعن قضاء حوائجهن بسهولة ويسر، الآباء غير موجودين، وإن وجدوا فهم كبار، وكذلك الأمهات والأخوة مشغولون بأنفسهم، كل واحد بزوجته وأبنائه، والأخوات مشغولات بأزواجهن وبناتهن". هذه هي العنوسة يا رجال، وهذه هي العنوسة يا نساء، وهذه هي القضية يا مجتمع. طالبنا سابقاً بجمعية للعوانس، والآن تعداد سكاني وحصر لهن، وبين هذا وذاك طالبنا بالزوجة الثانية كحل مسكن، وأوصينا بخفض المهور، ونصحنا بأن لا تهرول الفتاة خلف الدراسة لتصل إلى نقطة لا تجد في محيطها أي زوج. إلا أن الموضوع لم يكن موضوعاً يمكن حله بمقال. ولا بحث ينتهي بحثه في نقاش. ولا حتى قضية يسحب قضائها إلى جلسة شورى. بل؛ هي عملية اغتيال لحلم وسعادة وفطرة جعلت جميع الأنبياء والمرسلين يوصون بها .. ألم يقل محمد صلى الله عليه وسلم : (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب). هل اكتفى أبونا آدم بالجنة .. جنة الخلد!! أم خلق الله له حواء ومن ضلعٍ أعوج فيه؟ الزواج يا كرام ويا كريمات يظل حلم لكل فتاة لا يحتاج إلى تعبير؛ غنية كانت أو فقيرة، أميةً كانت أو متعلمة؛ تظل ويظل الروح معلقاً بفارس يصعد به إلى سلالم السعادة، ليريه ضوء البدر، وأشكال النجوم. أما الروح التي فقدت ذاك المكان النفيس، في البيت السعيد، فتظل كروح في جثة محبوسة لا تستطيع الخروج لأن؛ في القلب نبضات ما زالت تخفق بخوف وقلق وحرمان، وبرجفان يتبعها دعوات سمعناها وما زلنا نسمعها .. مث : خذوا مني كل شهاداتي ... أو : أعطوني ولو نصف زوج ... أو : حرمك الله الجنة كما حرمتني من الزواج. وتظل الحكاية تروى، كمسرحية متعددة الوجوه، وكسنة متعددة الفصول، وكغيث يجدب وينهمر ... وما زال الفيلم يدور فالأوطان تغني، والبيوت تبكي، والصحف تكتب، والناس لا تقرأ، والمصيبة تقع ولا من متعظ.
إنشرها

أضف تعليق