Author

القوتان العظميان أم القوتان الأعظم؟

|
مجلة العربي التي تأسست عام 1958م، وتصدر عن وزارة الإعلام الكويتية، كانت في زمن مضى من أشهر المجلات الثقافية في عالمنا العربي، وكانت تتميز بتنوع مادتها، وجمعها بين الأصالة والمعاصرة، فمن دراسات في اللغة العربية والتاريخ والأدب إلى استطلاعات مصورة ضمن زاوية ''اعرف وطنك أيها العربي''، ومن نصوص أدبية حديثة، إلى دراسات علمية جادة تحت عنوان ''في سبيل موسوعة علمية''. موضوع هذا المقال ليس مجلة العربي، ولكن أردت أن أسوق أنموذجاً لما كان يجري على صفحات المجلة من حوارات، حيث أتذكر ذلك الحوار الذي جرى بين عدد من أساطين اللغة العربية حول أيهما الأصح، أن يقال القوتان العظميان، أم القوتان الأعظم، في إشارة إلى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، اللتين كانتا تتنازعان السيطرة على العالم، في عز الحرب الباردة بينهما. بين طرح ذلك الجدال اللغوي على صفحات مجلة العربي، وما نشهده في عالمنا اليوم سنوات ليست بالقصيرة، انهار خلالها الاتحاد السوفيتي، فتسيدت الولايات المتحدة العالم كقطب وحيد، ثم رأينا الصين تفرض نفسها كقوة عظمى، تلا ذلك نهوض روسيا كوريث للقوة السوفيتية لتكون قطباً ثالثا، وبدأت قوى أخرى مثل الهند تسعى لتأخذ مكانتها في هذا العالم الجديد، وبرزت عدة قوى اقتصادية واعدة تفرض نفسها في هذا الصراع، أما عالمنا العربي فحاله في معظم أجزائه في تراجع، وانتكاسات متتالية، وهزائم متعاقبة، وتراجع اقتصادي، وتفكك اجتماعي، وهوان على العالم، جعل كل قوة تريد أن تنهش في هذا الجسد الذي أصابت الأمراض معظم أجزائه. العالم العربي الآن، يتسيد شاشات القنوات الفضائية غربيها وشرقيها، ليس لما حققه من إنجازات، وإنما لتنقل فضائحه وفظائعه وانتكاساته، حتى أصبح عالمنا العربي فرجة للجميع، ومطمعا لقوى لم تكن إلى زمن قريب تحلم بأن تطأ أرضا عربية، وهي الآن تبسط نفوذها على أجزاء منه، وتتصارع مع غيرها على هذه الأرض التي هانت على أصحابها، فهانوا على الناس جميعا. الشيء الوحيد الثابت في عالمنا العربي، والذي لم يتغير، هو الجدل العقيم بين أطياف المجتمع حول قضايا تجاوزتها الشعوب، وأصبح الحديث عنها وفيها مضيعة للوقت، في عالم لا يرحم من يركن إلى الجمود، فكيف بمن يتراجع إلى الخلف. إن من يتابع أوضاع عالمنا العربي، يدرك أية أزمة نعيشها، وأي خلل نعاني منه، وهو وضع صنعناه نحن بأيدينا، ولن يصلح إلا إذا صلحنا، ودون ذلك سنظل نتراجع، ويتقدم غيرُنا حتى نصبح في آخر الركب، وإن كانت دولٌ عديدة من عالمنا العربي قد وصلت إلى هذه المرحلة، بل وتجاوزتها إلى ممارسة عملية انتحار جماعي نشهده الآن.
إنشرها