Author

الجامعة التي نريد!

|
دعونا من كل التصنيفات والاعتمادات المحلية والعالمية على أهميتها! دعونا من معايير ومواصفات الجودة المحلية والدولية على ضرورتها! دعونا من ذلك كله ولنتأمل معاً منظومة تعليمنا العالي المتمثل في جامعاتنا القديرة في بلدنا الغالي.. ولنحدد ماذا نريد فعلياً منها؟ وماذا نتوقع من مخرجاتها ونتائجها؟ إن مخرجات الجامعات هي ركيزة مستقبل بلادنا الغالية ومحط طموحات المسؤولين وأولياء الأمور، والمجتمع، والأطراف المعنية بهذا الشأن.. أليس سيكون من تلك المخرجات الوزراء.. أليس سيكون منهم العلماء..أليس سيكون منهم الأساتذة والمعلمين المربين والموجهين.. أليس سيكون منهم الكتاب والمؤلفون والباحثون.. أليس منهم الموظفون والمهندسون والأطباء ورجال الأمن والدفاع.. أوليس هم الذين تنفق الدولة - رعاها الله - فيهم وعليهم أكبر مخصصات الميزانيات. فما الجامعة التي ستقوم وتحمل على عاتقها هذه المهمة العظيمة في حجمها وتأثيرها.. وتضمن نتائجها ومخرجاتها؟ وما الجامعة التي تعمل وتواصل الجهد بالجهد حتى توفي ما يطلب ويتوقع ويظن منها؟ أحسب أن الجميع يدرك أن رسالة الجامعة تتكون من ثلاث مهام رئيسة محورية لا تنازل عنها البتة ويجب أن تنفذها بصوره تكاملية وبفاعلية عالية.. وبالتالي ستنجح لا محالة في تحقيق أهدافها ومخرجاتها المرجوة، من خلال ما يلي: المهمة الأولى: وهي المهمة الكبرى التعليم.. وهي من أهم الوظائف التي ارتبطت بالتعليم الجامعي منذ نشأته. ولا يمكن أن تقوم أي جامعة بتعليم متميز إلا عندما تحقق وتطبق ما يلي: - أن يتولى مهمة التعليم أساتذة وأعضاء هيئة تدريس ذوي جدارات وكفاءات عالية من المعرفة والأداء، واطلاع واسع على أحدث النظريات والتطبيقات في مجال تخصصاتهم، ولديهم حس وطني ووازع ديني وأخلاقي، يدركون احتياجات الطلاب إدراكاً كاملاً، وينتظمون في العملية التعليمية بجودة، ويتم تطويرهم باستمرار ذاتياً أو من قبل الجامعة نفسها. - يتصف الخريجون بخصائص معرفية ومهارية وسلوكية متميزة تعينهم على الحياة الاجتماعية والعملية ليسهموا بفاعلية في مجتمعهم وبلادهم، ويمتلكون الأدوات والمهارات اللازمة لذلك من علم ولغة وتطبيق. - وجود أنظمة تعليمية واضحة، وموثقة ومتجددة ومتطورة، يفهمها المسؤول والموظف المختص ليوصلها لكل من يحتاج إليها بسهولة ويسر في كل مراحل ومتطلبات العمليات التعليمية المختلفة، لتسهم في خلق بيئة علمية يستمتع بها العالم والمتعلم، والأستاذ والطالب. - وجود تخصصات علمية نافعة متطورة متوافقة لاحتياجات العمل، ذات مناهج علمية محدثة وتتواكب مع تطور العلوم واحتياجاته، مع استخدام وسائل تعليمية متطورة وفاعلة. - طاقم من الموارد البشرية المتعلمة والمهيأة للقيام بخدمة العملية التعليمية مع أهمية تدريبهم وتطويرهم بصورة مستمرة. المهمة الثانية: البحث العلمي.. حيث إن البحث العلمي يعد الأداة الرئيسة لإيجاد المعرفة وتطويرها وتطبيقها في المجتمع، فالجامعة هي أكبر محضن للبحث العلمي والتطوير في العلوم والمجالات المختلفة من خلال قيامها بتهيئة وتعزيز بيئة بحثية محفزة للباحثين من الأساتذة والطلاب من خلال ما يلي: - بناء البيئة والمناخ العلمي المحفزين على الإنتاج والإبداع من توفير المختبرات والأجهزة العلمية الحديثة اللازمة لإجراء البحوث، وعقد المؤتمرات العلمية، والندوات التخصصية، ودعم المشاريع البحثية في مجالات العلم الحديث للإسهام بفاعلية في تطوير العلوم الإنسانية والتقنية باسم مملكتنا الغالية. - تشجيع أعضاء هيئة التدريس والتشديد على إنتاجيتهم السنوية بحد أدنى من الأبحاث العلمية المحكمة في المجلات المحلية والعالمية، مع الاحتفاء والاحتفال بالمنجزات وتكريم أصحاب النجاحات، وفي المقابل مساءلة أصحاب التقصير ولو بالخصم والتحذير. - الاهتمام بأبحاث الطلاب وخاصة طلاب الدراسات العليا ونشر ثقافة البحث العلمي بينهم، كما يجب على الجامعة الإكثار من المسابقات السنوية لأفضل الأبحاث العلمية والاختراعات التقنية بين الطلاب والطالبات وتكريم الفائزين مادياً ومعنوياً. - تحديد أولويات مجالات البحث العلمي الحالية والمستقبلية بدقة سواءً في المنطقة التي تقع فيها الجامعة أو بقية مناطق المملكة وكذلك ارتباطها بحل مشكلات المنشآت الوطنية وتطويرها. - تجهيز المكتبة المركزية وبقية المكتبات الفرعية بكل المعارف من الكتب والمراجع والاشتراك في المجلات العلمية المحلية والعالمية من النسخ الورقية أو الإلكترونية، مع استخدام أنظمة مكتبية متطورة للبحث والحصول على المعلومات والأبحاث السابقة والاستعارة والتصوير وغيرها من الخدمات، لتصبح مكتبة حية بالعلم وطلاب العلم من الأساتذة والطلاب، يرتادوها ليلاً ونهارا، وتهيئة سبل المواصلات، وتوظيف العاملين المناسبين لها والمختصين في مجالها. وأما المهمة الثالثة: فهي خدمة المجتمع بكل ما تحمله الكلمة من معان، فالجامعة لها دور تجاه تحقيق المسؤولية المجتمعية، يجب عليها أن تنفتح على المجتمع وتتفاعل معه ومع قضاياه وتعمل على تنميته وحل مشكلاته من خلال ما يلي: - مد الجسور مع المجتمع وتتواصل مع شرائحه المختلف أفراداً ومنشآت للتعرف على احتياجاته ومتطلباته والتخطيط لتنفيذها وحلها من خلال الأبحاث العلمية الرصينة والمشاريع المدعومة. - نشر العلم والمعرفة من خلال تقديم الدورات والدبلومات المجانية أو ذات المبالغ الرمزية لشتى شرائح المجتمع مسؤولين وعامة، رجالاً ونساء، كبارا وصغارا، لترفع من ثقافة المجتمع وتزوده بالجديد والمفيد وتحصنه من كل ما يضره. - تأسيس الجمعيات الأهلية لخدمة المجتمع والمساهمة في ميزانياتها وبرامجها وتزودها بالرجال وتشملها بالرعاية والمتابعة. - دراسة الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والتقنية المحيطة والمؤثرة والواقعة في المجتمع دراسة علمية تطبيقية لتقوم بحل المشكلات ودعم التوجهات الإيجابية وعلاج الظواهر السلبية. وكل ذلك لا يأتي جزافاً بل يحتاج إلى قيادة متميَّزة تكون على مستوى هذه المهمة العظيمة في دورها وأهدافها ومخرجاتها تعمل على ما يلي: أولاً: تسهم في بناء استراتيجية الجامعة كمؤسسة تعليمية من الأهداف والرسالة والرؤية والقيم وزرعها لتساعد على بناء ثقافة أصيلة، مع التركيز على الجودة ونشر ثقافتها بين العاملين كافة. ثانياً: المشاركة الشخصية من قبل القيادة لضمان وجود نظام إداري متكامل يدعم سياسات الجامعة وعملياتها الرئيسة والمساندة، مع المراجعة الدائمة للسياسات والأنشطة لتطويرها وتحسينها بصورة مستمرة. ثالثا: بناء علاقات فاعلة بين كل من قادة الجامعة من جانب، والمستفيدين والشركاء وممثلي المجتمع من جانب آخر، والتواصل الدائم مع أولياء الأمور والطلاب وتفهم مطالبهم واحتياجاتهم والاستجابة لها، وعقد الاتفاقات والشراكات مع مختلف الجهات، مع الاعتراف بمساهمات الأفراد والمنشآت في تطوير عمل الجامعة لضمان الولاء واستمرارية الدعم. رابعاً: عمل القادة على دعم وتحفيز وتشجيع العاملين والاعتراف بجهودهم من خلال الاتصال بصورة مباشرة وشخصية معهم، واتباع سياسة الباب المفتوح وسياسة الاستماع والاستجابة للآراء والتساؤلات، مع الاعتراف بالجهود الفردية والجماعية في كل المستويات. خامساً: التمثل بالقدوة الحسنة أخلاقاً وقولاً وعملاً، ليؤثر ذلك في جميع شرائح العاملين والقياديين تأثيراُ ايجابياً. عزيزي القارئ.. أنا لا أحلم بجامعة أفلاطونية مثالية! بل بجامعة وطنية متكاملة تحقق أهدافها ومهامها بكل جودة وإتقان فيرفع الوطن والمواطن بها الرأس.. ومن باب الأمانة العلمية فإن لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن نصيبا كبيرا من ذلك يستدعي الفخر بها.
إنشرها