Author

الرقابة ودورها في إصلاح الإدارة السعودية!

|
يجب أن يعرف العاملون في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والعاملون في ديوان المراقبة العامة أنهم هم المسؤولون عن أداء المؤسسات الحكومية، هم المسؤولون عن تنفيذ أو عدم تنفيذ مشاريع الدولة، لأن الرقابة القوية تزيد الإنتاج وتفرز الجودة في العمل، والرقابة الضعيفة المفتقرة إلى الفاعلية هي التي تفرز التخلف وانتشار الفساد، ولذلك على كل العاملين في الرقابة واجب وطني وديني، لكن حتى يقوم المراقب بعمله على الوجه الأكمل، فإن من واجبه أن يرفع كفاءته ويزيد من إنتاجيته ويبذل الغالي والنفيس حتى يبرئ ذمته أمام خالقه - سبحانه وتعالى - قبل أي مسؤول آخر. نحن نشكو من الفساد مثلنا مثل أي دولة عربية تئن من الفساد والمفسدين، ونزعم أن أولى خطوات خنق حلقات الفساد هي دعم مؤسسات الرقابة، ونقول إنه إذا كانت مشاريع الدولة تعاني تقاعس المقاولين عن تنفيذ مشاريع التنمية، فإن المتسبب هي المؤسسات الرقابية التي وقفت أمام مذبحة المشاريع تتفرج على اغتيال المشاريع وكأن الأمر لا يعنيها. وفي تاريخ الرقابة الإدارية والمالية في المملكة يبرز ديوان المراقبة العامة الذي تجاوز عمره 60 خريفاً، لكن - مع الأسف - في بحر الـ 60 خريفاً أعطى الديوان نفسه إجازة مفتوحة ولم يمارس دوره في الرقابة ومحاربة الفساد، ولذلك لم يسجل ديوان المراقبة العامة لنفسه أي دور في زيادة كفاءة الإدارة السعودية، ودعونا نقول بصراحة إن أجهزة الرقابة لم تقم بوظيفة الرقابة كما يجب، بل تركت الحبل على الغارب حتى استشاط الموظفون في الفساد واستمرأ المقاولون عدم تنفيذ المشاريع المرساة عليهم. طبعاً الحكومة أحست بالدور المتقاعس للأجهزة الرقابية فأصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أمراً بإعطاء الديوان أكثر من 60 وظيفة رقابية مضافة إلى ميزانية هذا العام، والهدف توفير الكفاءات للارتقاء بأداء ديوان المراقبة العامة. لكن يبدو أن الجرعة التي أخذها الديوان لم تكن كافية لتحقيق النهوض في أداء الديوان، لأن هذا الديوان بلغ مرحلة الشيخوخة والترهل ولا تفيد معه عمليات الترقيع، لذلك أصدر خادم الحرمين الشريفين أمراً بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وربط الهيئة بالمليك مباشرة، ولعل أهم وظيفة كلفت بها الهيئة هي إعلان الحرب على الفساد والمفسدين الذين بددوا أموال الدولة وتقاعسوا عن تنفيذ برامج ومشاريع التنمية. في الأسبوع الماضي نشرت الصحف قائمة بالمشاريع المتعثرة وقائمة بالمشاريع التي تم تنفيذها في منطقة مكة المكرمة، وفي خضم إحصاء المشاريع المتعثرة قال الدكتور باداود مدير الشؤون الصحية في محافظة جدة إن المشاريع المتعثرة لوزارة الصحة في محافظة جدة أكثر من المشاريع المتعثرة لأمانة جدة. تصوروا، هكذا أصبحت المؤسسات الحكومية تتبارى بالمشاريع المتعثرة ولا تتباهى بالمشاريع المنفذة، لكن الذي قام بهذه المسؤولية هي إمارة منطقة مكة المكرمة المنزعجة جداً من تراجع تنفيذ مشاريع المنطقة، وبالتحديد كنا نتمنى أن يكون لديوان المراقبة العامة دور أصيل في هذا الموضوع، نريد من ديوان المراقبة العامة أن يكون بعبعاً لكل المؤسسات لا مطبطباً لها، ولا بد هنا من تطبيق مبادئ الحوكمة بحرفية عالية. يجب أن نوظف الشفافية توظيفاً جيداً في كل عمليات صنع القرار، ويجب أن يكون الإفصاح والمساءلة والنزاهة هي المعايير التي نقوم من خلالها بتقييم الأعمال وتنفيذها. الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لن تكون كما هو عليه ديوان المراقبة العامة، بل ستنتهج الهيئة منهجاً في العمل مخالفا تماماً عن ديوان المراقبة العامة وأبرز ما في هذا البرنامج إلزام الجهات الحكومية بالرد على استفسارات الهيئة خلال 30 يوماً فقط وإلاّ فإن العقوبة جاهزة التنفيذ، ونحن نتوقع أن تجند الهيئة رجالاً ذوي كفاءات عالية وتجارب ثرية للقيام بالوظيفة الرقابية. نتمنى من الهيئة أن يكون ملف الصرف الصحي في مدينة جدة من أوائل الملفات التي تفحصها، ويكفي الهيئة أن تسأل وزارة المياه والكهرباء: لماذا لم ينفذ مشروع المجاري في مدينة جدة رغم أن الدولة بدأت في التنفيذ منذ ما ينوف على 55 عاماً؟ ولقد أعجبني معالي رئيس الهيئة محمد الشريف حينما تحدث عن الضوابط الجديدة التي وضعتها الهيئة لإلزام بعض فئات العاملين في الدولة بتقديم إفصاحات بالذمة المالية عند بداية توليهم العمل، وكذلك عند الخروج من الخدمة، وإذا ظهر عليهم ثراء فاحش فإن الموظف سيكون عرضة للمساءلة حتى نقف على القنوات التي جاء منها هذا الفُحْش في المال. والأعمق من هذا فإن اختصاصات الهيئة تشمل التحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في عقود الأشغال العامة وعقود التشغيل والصيانة وغيرها من العقود المتعلقة بالشأن العام، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة في شأن أي عقد يتبين أنه ينطوي على شبهة فساد أو أنه أبرم أو يجري تنفيذه مخالفاً لأحكام الأنظمة واللوائح النافذة، أيضاً ستتولى الهيئة جمع المعلومات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بالفساد وتصنيفها وتحليلها وبناء قواعد بيانات وأنظمة معلومات خاصة بها، كما أن من مسؤوليات الهيئة نشر الوعي بمفهوم الفساد وبيان أخطاره وآثاره السلبية في المجتمع، وبأهمية حماية النزاهة وتعزيز الرقابة الذاتية ونشر ثقافة عدم التسامح مع الفساد، وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام على التعاون والإسهام في هذا الشأن، كما تقوم الهيئة بتمثيل المملكة في المؤتمرات والمحافل الدولية المتعلقة بالشفافية وحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وبذل قصارى الجهد للتعاون مع الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية العاملة في هذا المجال، وتنظيم المؤتمرات والندوات والدورات التدريبية التي تتناول مسائل الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد. إننا نرجو أن تكون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نقطة تحول في أداء الأجهزة الرقابية في المملكة، كما نرجو أن تستفيد الإدارة السعودية من رقابة الهيئة وتسعى إلى تطوير نفسها بهدف تسريع تنفيذ مشاريع التنمية التي عانت الفساد والبيروقراطية طوال ما يزيد على قرن من الزمان.
إنشرها