Author

مستقبل الشركات التجارية بين جيلين

|
يوشك أن ينقرض جيل المؤسسين للشركات العائلية، وقليلة تلك العائلات التي استطاعت أن توفق أوضاعها في ظل غياب الرواد الذين تبنوا فكرة المشروع التجاري وبذلوا الكثير لضمان استمراره وتطوير أدواته وزيادة عملائه، واليوم هناك مشكلة تواجهها الشركات العائلية، فالجيل الجديد يبدو بعيداً عن روح العمل التجاري الجماعي الذي يخدم المنشأة ويوفر لها البقاء ضمن منشآتنا الاقتصادية، حيث ظهرت إلى السطح خلافات حادة بين الورثة حول الحقوق والمنافع، وانعكس ذلك على سير النشاط الاستثماري، ورغم الجهود التي بذلت من أجل تفادي اللجوء إلى المحاكم، إلا أن النزعة نحو التقاضي لم تجد من يسلط الضوء على مخاطرها. لقد أعقب وفاة بعض جيل الرواد في الأعمال التجارية تفتت في المراكز المالية للشركات أو المؤسسات التي أنشأوها، وأسهم ذلك الخلاف التقليدي الذي يدب بين الورثة في اختفاء بعضها بعد تحول المشروع التجاري إلى ميراث مطلوب اقتسامه، مع أن القسمة مطلب شرعي، لكن الإشكالية هي في الاستقلالية بالمال وعدم الرغبة في الاستمرار في شراكة عقدية أو مشاعة، رغم الحلول والأطر الشرعية والقانونية التي يمكن أن تضمن أسهما لكل شريك تعادل حصته في التركة مع المحافظة على الكيان التجاري الذي تم تأسيسه. إن وجود قضايا شركات عائلية في المحاكم ليس مشكلة في حد ذاته، ولكن هذا العدد غير القليل من القضايا العائلية وما يصاحبها من تنافر في النفوس ومواجهات قانونية تحت سقف المحاكم جعلت من هذه القضية مثار بحث عن أسبابها، بل فتحت الباب لمن يريد الشماتة في أحوال أخرى، وأدت إلى كشف أسرار عائلية في بعض الأحيان على الملأ ما بين محاسبين قانونيين ومحامين ومستشارين وغيرهم ممن يتداخلون في مثل هذه النزاعات ويجدون لهم قضايا عائلية بين أفراد أسرة واحدة بالأمس، وهم اليوم في مرحلة اصطفاف ضد بعضهم بعضا. ولعل من الملائم الإشارة إلى أن القيم التجارية اختلفت بين جيلين ولم تسهم ثقافة المال في وضع حد للصدامات، كما أن الصدق يفرض القول إن بعضا من الرواد تنبأ بحصول خلاف بين الورثة قبل وفاته فتفاداه قدر الإمكان، فهناك مَن قسم المال في حياته، وهناك مَن أسس شركة بين الورثة جعل ميزان القسمة فيها الفريضة الشرعية، أما الصورة الأسوأ فهي وجود عوامل للاختلاف دون استباقها بحلول عملية تمنع من الانزلاق في خلافات لا يستطيع إنهاءها سوى المحاكم. إن الأهمية في قضايا الشركات العائلية والخلافات الناتجة منها أنها تؤدي فعليا إلى توقف في أعمال تجارية لشركات قائمة بالفعل، وإذا لم يكن هناك مناص من اللجوء إلى المحاكم في معظم هذه الحالات، فإن على القضاء أن يبادر بالإفصاح للورثة عن الوقت والجهد اللذين تتطلبهما قضيتهم؛ فالحكم فيها يحتاج غالبا إلى محاسبين وأحيانا إلى مصفين، فضلا عن الخبراء في تقييم العقار وغيره من الأموال المنقولة، وربما يتطلب الأمر البيع في المزاد لبعض الموجودات؛ ولذا فإن دور القضاء في الإصلاح بين الورثة وحث الأطراف عليه، بل توجيههم نحوه يجب أن يكون خطوة أولية ومبادرة شخصية من كل محكمة وكل قاض. وإن من المستغرب عدم وجود دور للغرف التجارية الصناعية في لمّ شمل بعض الورثة في العائلات التجارية بين أعضاء سابقين فيها، مع أن لهذه الغرف دورا مؤثرا لو تحركت في قضايا تستطيع أن تسهم في حلها من خلال التوفيق والإصلاح ولو بمبادرات شخصية من تجار ورجال أعمال عرفوا أسرار البيوت التجارية، ولهم تأثيرهم في القرار الشخصي لمن يتبنون مواقف تهدم ما بناه جيل الرواد.
إنشرها