FINANCIAL TIMES

الكتب الإلكترونية تعيد كتابة صناعة النشر

الكتب الإلكترونية تعيد كتابة صناعة النشر

إذا كان أحد الأهداف التي ترمي إليها المعارض التجارية يتمثل في خلق ضجة، لم يكن بإمكان منظمي معرض أمريكا للكتاب أن يطلبوا مقدمة أكثر ضجيجاً لحدث الأسبوع الماضي. فقبل بدء فعاليات معرض مانهاتن، أعلن موقع أمازون دوت كوم أن مبيعاته من كتاب كندل الإلكتروني فاقت مبيعاته من نسخ الكتاب ذات الأغلفة الورقية وذات الأغلفة المقواة في الولايات المتحدة، وتقدمت شركة ليبرتي ميديا بعرض مفاجئ لشراء حصة أغلبية في سلسلة متاجر بارنز آند نوبل الأمريكية لبيع الكتب، وفي المملكة المتحدة، وافق ملياردير روسي على شراء سلسلة متاجر ووترستون لبيع الكتب. نمت إيرادات الكتب الإلكترونية الأمريكية بمعدل 146 في المائة في شهر آذار (مارس)، مقارنة بالشهر نفسه من عام 2010، حسب اتحاد الناشرين الأمريكيين. بالنسبة لبعض المعلقين، يعتبر هذا نهاية الزمن. ولكن في معرض حديثه في منتدى أقيم في لندن في الأسبوع الماضي لإطلاق جائزة كتاب العام في مجال الأعمال برعاية ''فاينانشيال تايمز'' وبنك جولدمان ساكس، قال نايجل نيوتون، مؤسس دار بلومزبيري للنشر ورئيسها التنفيذي: ''ينبغي أن نتأمل في كم نحن محظوظون لأننا نكسب هذه الحرب ولأن الناس تتقبل أنهم ينبغي أن يدفعوا شيئاً ثمناً للكتب الإلكترونية. وإذا نظرتم إلى مدى الضرر الذي لحق بالصناعات الأخرى، جراء التحديات الرقمية، فإنني أعتقد أننا في وضع جيد نسبياً''. وسواء أخذت دور النشر بوجهة النظر الرؤيوية أو الوجدانية، فإنها تعلم أنه لا يسعها أن تقف مكتوفة الأيدي. إن ظهور الوسائل الرقمية يعيد كتابة أنموذج عملها. وقامت كل من ''بارنز أند نوبل'' وشركة كوبو لبيع الكتب الإلكترونية بالتجزئة بطرح شاشات جديدة تعمل باللمس في معرض الكتاب الذي أقيم في الأسبوع الماضي ، ما زاد من شدة المنافسة مع ''كندل''- قارئ إلكتروني من ''أمازون''- وجهاز آيباد اللوحي من ''أبل'' وغيرها من الأجهزة. وتجد دور النشر نفسها مضطرة للبحث عن طرق مختلفة للربط بين المؤلف، والمحرر، وبائع التجزئة والقارئ. وفي منتدى ''فاينانشيال تايمز''، تم حث متاجر بيع الكتب لكي تصبح ''مستشارين'' ''وأمناء'' لمحررين وجهات تعمل حسب طلب دور النشر. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أخبر ماركوس دوهلي، رئيس مجلس إدارة ''راندوم هاوس'' ورئيسها التنفيذي، الموظفين أن الاستحواذ على وكالة سماشينج آيدياز للإعلام الرقمي سيسمح لدار النشر التي تعتبر جزءاً من مجموعة بيرتلزمان ''بتطوير منتجات تفاعلية عالية الجودة تستفيد من إعادة تصور صيغة المحتوى الرقمي''. وقد استخدمت مذكرته كلمة ''كتاب'' مرتين فقط. تعتبر صفقة ''راندوم هاوس'' دلالة واحدة على أن دور النشر تبحث عن فرص كما أنها تعمل كرد فعل على التهديدات . إن خفض تكاليف طباعة الكتب، وشحنها وتخزينها يوفر أموالاً يمكن أن تستثمر في مجالات أخرى – برغم أن هذه الأنشطة تمثل 10 في المائة فقط من سعر بيع الكتاب بالتجزئة، وذلك حسب إحدى دور النشر – لكن التوزيع الرقمي يفتح أيضاً أسواقاً جديدة ويعطي دور النشر المترسخة مزيداً من البيانات حول من يقرأ ماذا. نعم، يقول ستيفان مكارث، مدير عام مطبعة ''بنجوين''- وهي جزء من ''بيرسون''، مثل ''فاينانشيال تايمز''- إن الكثير من الكتب الإلكترونية شبيهة بالأفلام القديمة – تقدم للجمهور بواسطة كاميرا ثابتة – قبل ''أن يدرك الناس تدريجياً ما الذي يمكن أن يعملوه للاستفادة من هذه الوسيلة''. وكانت دور النشر الأكاديمية هي الجهات الرائدة. فقد أدركت منذ سنوات أن الباحثين، والطلبة والمهنيين على استعداد لأن يدفعوا ثمناً لتنزيل أجزاء من الكتب والصحف التي كانوا يستخدمونها. وتتوقع دار سبرينجر للمنشورات العلمية والفنية أن تجني 40 في المائة من إيرادات الكتب و 70 في المائة من إيرادات الصحف من المصادر الإلكترونية في العام الحالي. وتقوم دور نشر كتب الأطفال أيضاً باستغلال الإمكانات التي تنطوي عليها التطبيقات الرقمية واستثمارها. ويعتبر أحد أوجه التعاون بين ''راندوم هاوس'' و''سما شنج ميديا'' – تقريباً – تطبيقاً للهاتف الجوال لكتاب ''بات ذا بوني'' الأصلي الذي يعمل على مبدأ اللمس والإحساس، والذي نشر للمرة الأولى في عام 1940. وتتوقع مجموعة إندرز أناليسيز لبحوث الإعلام والتقنية أن تكون عملية الانتقال مدفوعة بالتصميم ، حيث ستكون كتب السفر والأعمال ناضجة لتحويلها إلى الشكل الحاسوبي . فقد قامت دار كوجان بيج المستقلة للنشر التي يوجد مقرها في المملكة المتحدة، في الآونة الأخيرة بطرح كتاب ''بولد''، وهو عبارة عن تحليل لدراسات حالة تتعلق بالعلامات التجارية من تأليف شوان سميث وأندي ميليجان على شكل كتاب مطبوع وكتاب إلكتروني إضافة إلى تطبيق مكمل مجاني على جهاز الآيباد. وأحد الأسئلة التي تطرح على هذا الصعيد هو ما إذا كانت لدى دور النشر المهارات الصحيحة للقيام بعمليات الربط هذه بالسرعة اللازمة. ففي إحدى جلسات منتدى ويستمنستر الإعلامي حول الكتب الإلكترونية الذي أقيم الأسبوع الماضي، أشار هوف لوك، المدير غير التنفيذي لمركز التدريب على النشر، إلى وجود ثغرات في قدرة الشركات على إدارة التغيير، والمشاريع والشراكات، وبخاصة في تقنية المعلومات. وقال لوك في هذا الصدد: ''التعامل مع عباقرة الكمبيوتر يعتبر مشكلة بالنسبة لكثير من العاملين في مجال النشر – وهو ليس بالشيء الذي يتوجب عليهم القيام به''. وتختلف بعض دور النشر مع هذا الرأي. ذلك أن دور النشر الكبرى تستطيع أن تشتري المهارات التي تفتقر إليها . وتشير هيلين كوجان، المديرة العامة لدار كوجان بيج، إلى أن الشركات المستقلة معتادة أصلاً على إقامة الشراكات – كعلاقتها مع ''سبيسبار إنترأكتيف''، مطورة تطبيق ''بولد''. ويتمثل تحد آخر في ''القدرة على الاستكشاف'': إذ سيترتب على دور النشر أن تنفق مزيداً من الأموال على التسويق للحيلولة دون غرق الكتب الإلكترونية تحت محيط من التطبيقات وخدمات الإنترنت. وتأتي أكبر التهديدات للصناعة التقليدية من التسعير العدواني وما يتعلق به من خطر القرصنة. وتحذر كارولين مايكل، الرئيسة التنفيذية لوكالة بي إف دي للأعمال الأدبية من أنه إذا أخطأنا في تحديد السعر، فسنواجه المشكلات التي واجهتها صناعتا الموسيقى والفيديو''. وتقول مجموعة إندرز إن المحك هو ''إيجاد النطاق الصحيح والتكلفة الصحيحة للتغلب على المشكلات'' عندما يبح القراء عملاءهم المباشرين. وتتمثل إحدى المشكلات في افتقار الكتب الإلكترونية إلى ما يدعوه ريتشارد موليت، الرئيس التنفيذي لاتحاد الناشرين في المملكة المتحدة'' عامل القابلية للانخفاض'' الذي يعني أن المستهلكين لا يأخذون في الاعتبار التكلفة غير الملموسة للمحتوى، سواء في الكتب الرقمية أو المطبوعة. إنها خطوة صغيرة من هذا الموقف تجاه القراء الذين يطالبون بأن تكون الكتب مجانية ويبحثون عن مصادر مشروعة وغير مشروعة. ربما تكون الحجج القائلة إن نشر الكتب أقل عرضة للقرصنة من صناعة التسجيل أوهي مما تبدو عليه. إذ يقال إن القراء لن يحاولوا أن ينسخوا مكتبتهم الحالية لمشاركتها على الانترنت – كما كان يفعل عشاق الموسيقى بالأسطوانات. لكن جورج والكلي، رئيس الدائرة الرقمية في دار هاتشيت للمملكة المتحدة، أخبر منتدى ''فاينانشال تايمز'' أن عدداً مذهلاً من مخالفات حقوق الطبع بدأ مع الأشخاص الذين دأبوا على تصفح الكتب الأصلية. وهو يقول إنه يجب على دور النشر أن تتحرك نحو بيع خدمات إضافية. ''من السهل نسخ المنتج، أما نسخ الخدمة فأكثر صعوبة''. إن قول ذلك أسهل من فعله بالنسبة لناشري الخيال الاستهلاكي. وكما يقول نيوتون: ''إنك لا تريد أن تعدل كتاب الحرب والسلام حسب طلب الزبائن''. بيد أنه واثق من صعوبة تجزئة الأعمال الأساسية التي تقوم بها دور النشر- اختيار الكتب لنشرها، ودفع الأموال مقدماً للمؤلفين، والتحرير، والتسويق، وموضعة عملها. سيكون الأمر'' شبيهاً بتجزئة جراحة القلب – الذهاب إلى موضع لتخديره. وإلى مكان آخر لفتحه''. لكن حدث شيء من هذا القبيل لصناعة التسجيل. إن الموسيقى نفسها لم تمت، لكن بعض شركات التسجيل فقدت كميات كبيرة من الدم. التمييزات الوظيفية في النشر ضبابية أصلاً، مع زيادة مبيعات الإنترنت والمبيعات الرقمية. وكان تعيين أمازون لـ لورانس كيرشبوم المتمرس في صناعة النشر، لرئاسة دمغة شركته العامة الجديدة حديث معرض الكتاب في وقت سابق من الأسبوع الماضي. ويعتبر هذا التعيين دلالة أخرى على انضمام ''أمازون'' إلى المعركة الرقمية لتشكيل صناعة النشر في القرن الواحد والعشرين.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES