أخبار اقتصادية

اقتصاديون: أضرار جانبية تنتظر الريال على وقع مخاطر إعلان أمريكا «إفلاسا جزئيا»

اقتصاديون: أضرار جانبية تنتظر الريال على وقع مخاطر إعلان أمريكا «إفلاسا جزئيا»

رجح اقتصاديون سعوديون وأجانب أن يواجه الريال السعودي في النصف الثاني من 2011 ضغوطا أكبر على وقع ما تواجهه عملة الربط (الدولار الأمريكي)، بفعل المخاطر التي تحيط بالولايات المتحدة من عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه ديونها (إفلاس جزئي)، إذا لم يتم رفع سقف الدين كما حذرت أمس وكالة التصنيف الائتماني ''موديز''. وقال الاقتصاديون إن الأضرار التي ستنتج عن دولار ضعيف على الاقتصاد السعودي، لن تكون قوية إلا أنها قد تكون مؤثرة، وتتمثل في زيادة ضعف القوة الشرائية للريال والتأثير في حجم الاحتياطيات الأجنبية بالدولار، إلى جانب رفع تكلفة الاقتراض والاستيراد، وبالتالي زيادة الضغوط التضخمية. وهنا قال الدكتور عبد الوهاب أبو داهش، اقتصادي سعودي، إن الدولار يعاني ضعفا شديدا نتيجة العجز الذي أصاب ويصيب الموازنة الأمريكية منذ نحو خمس سنوات وأكثر، ولكن أن يصل السقف الأعلى للدين إلى هذه المستويات التي بلغها اليوم، فإن ذلك مؤشر خطير على الدولار والعملات المرتبطة به من حول العالم ومن ضمنها الريال السعودي. وبين أبو داهش أن أبرز المخاطر التي قد تطول الريال هي الإمعان في إضعاف قيمته التي لا تعكس أبدا حجم الاقتصاد السعودي. وأضاف ''علينا أن نفكر جديا في تحريك وتجنيب الريال هذه المخاطر، من خلال رفع قيمة الريال''. وأوضح أبو داهش أن الحديث اليوم في أمريكا حول الدين ومسألة التصنيف سياسي أكثر منه اقتصاديا، إذ يسعى الكونجرس للضغط على أوباما لخفض الإنفاق، مبينا أن وضع الدولار بلغ مرحلة من الضعف بات فيه اليورو الذي يعاني أزمات متعددة أفضل حالا منه - وهو الذي لا يعاني إلا من مشكلة الديون. وتابع ''المخاطر حول الريال واضحة ولا تحتاج إلى رصد، وهناك فرصة لتخفيف تلك المخاطر برفع القمة كما قلنا سابقا، والشروع الفوري في تغيير طريقة استثمار الاحتياطيات النقدية عبر نقلها من أسواق الأوراق المالية فقط إلى الاستثمار المباشر في السوق الأمريكية''. ويضيف ''هناك فرص واعدة ومخاطر أقل في استثمار الاحتياطيات النقدية السعودية في الشركات الأمريكية الضخمة والنوعية كجنرال موتورز أو سيتي جروب أو شركات الأدوية والبنوك الكبيرة''. من ناحيته اعتبر الدكتور محمد السقا أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت، أن الضرر الذي سيطول الاقتصاد السعودي جراء وضع الدولار الضعيف هو ضرر مزدوج، بسبب كون الدولار عملة ربط أولا وعملة احتياط ثانيا. وأضاف ''دول العالم التي لديها احتياطيات ضخمة بالدولار الأمريكي ليس لديها اختيار آخر سوى استثمار هذه الاحتياطيات في الدين الأمريكي (من خلال شراء السندات الأمريكية)، وهذا الشيء تفعله كل دول العالم التي تحقق فائضا تجاريا كبيرا مع الولايات المتحدة مثل الصين واليابان وبعض الدول الأوروبية، وكذلك السعودية.. مشكلتنا في المملكة أننا لسنا فقط نحتفظ باحتياطيات ضخمة من الدولار، ولكن أيضا عملتنا الريال السعودي مربوطة بالدولار، وهو ما يعني أن أي تراجع في قيمة الدولار يكون له تأثير مزدوج على اقتصاد المملكة، أي على القوة الشرائية لصادراتها ومن ثم على قيمة عملتها، وكذلك على قيمة احتياطياتها''. وبين السقا أنه وبالرغم من هذه الأضرار إلا أن تراجع الدولار لن يؤدي إلى حدوث تأثيرات جوهرية على اقتصاد المملكة سواء بالنسبة لمعدل النمو أو على وضعها المالي، فالاحتياطيات الضخمة التي تملكها المملكة تؤمن لها بسهولة رصد ميزانيات ضخمة للإنفاق بما يضمن استمرار اتجاه معدلات النمو المحلي في الارتفاع، وذلك دون أي اضطراب ينجم عن تراجع قيمة الريال، وبالتالي فإنه على المستوى الكلي ليس هناك مجال لمخاوف جوهرية تؤثر في مسار الاقتصاد السعودي من تراجع الدولار. وأضاف ''بالطبع سوف تتراجع القيمة الحقيقية للصادرات النفطية السعودية، ولكن حجم الإنتاج الضخم والمستويات المرتفعة جدا للأسعار حاليا تجعل هذا الأثر ضئيلا''. ولكن أستاذ الاقتصاد طرح تأثيرا جوهريا آخر غير متوقع من وجهة نظره، وهو أن تتزايد الضغوط التضخمية في المملكة باعتبارها اقتصادا مفتوحا يتعرض للضغوط التضخمية المستوردة من الخارج مع ارتفاع أسعار السلع التي يتم استيرادها من خارج الولايات المتحدة الناتج عن تراجع الدولار (وبالطبع الريال)، إلا أنه أكد أن الوضع المالي المريح جدا للمملكة يمكنها من التعامل مع هذه الآثار التضخمية بكفاءة وبشكل مباشر. وقال السقا إن الدولار الأمريكي يتعرض منذ انطلاق الأزمة المالية العالمية لضغوط قاسية كعملة تسوية دولية وكذلك كعملة احتياط عالمية، بصفة خاصة أمام اليورو، مشيرا إلى أنه مع ذلك ليس هناك دلائل قوية حتى الآن، أو على الأقل هكذا تثبت الإحصاءات التي ينشرها بنك التسويات الدولية، وكذلك صندوق النقد الدولي على حدوث تدهور كبير أو تراجع في الوضع الدولي للدولار بالصورة التي تهدد استمراره أو بقاءه كعملة للعالم في الأجل المنظور. وزاد ''أما بالنسبة لخفض التصنيف الائتماني للدين الأمريكي، إن تم، فلا أعتقد أنه سوف يكون له تأثيرات كبيرة على الدولار، فالدين الأمريكي على الرغم من قيمته الكبيرة جدا، وكذلك ارتفاع نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، إلا أنه يختلف عن أي دين سيادي آخر في أن هذا الدين مقوم أساسا بالعملة المحلية للدولة المصدرة له، وهذه هي الوضعية الفريدة التي تتمتع بها الولايات المتحدة الأمريكية كونها الدولة التي تصدر عملة العالم، حيث يمكنها إصدار ديون خارجية بعملتها المحلية''. ويضيف ''ومن ثم فمهما بلغ حجم الدين الأمريكي فإن ذلك لا يهدد قدرة الولايات المتحدة بالتوقف عن خدمة دينها أو إعلان الإفلاس، لأنها الدولة الوحيدة التي يمكنها اللجوء إلى سداد دينها الخارجي من خلال طباعة عملتها المحلية، على عكس معظم دول العالم الأخرى''. وانتهى السقا إلى التأكيد أنه من الواضح أن هناك جهودا تبذلها الإدارة الأمريكية حاليا للسيطرة على عجز الميزانية أو تخفيضه بصورة ملموسة، وذلك للتحكم في معدل نمو الدين العام الأمريكي''. ويتفق المصرفي والاقتصادي براد بورلاند كبير الاقتصاديين في شركة جدوى للاستثمار، مع أن التأثير سيطول الريال السعودي، إلا أنه استبعد أن يحدث ذلك قبل عام على الأقل، مشيرا أيضا إلى احتمالية أن تنجح الولايات المتحدة في تجاوز مشكلة رفع سقف الدين العام قبل آب (أغسطس)، المقبل. وأضاف بورلاند ''يمكن أن يحدث تأثير أيضا في وضع الدولار كعملة احتياط، من جراء هذه الضغط من قبل شركات ووكالات التصنيف الائتماني، لكن ذلك لن يتضح قبل عام من الآن''. واعتبر كبير الاقتصاديين في شركة جدوى للاستثمار، أن المرحلة المقبلة من عمر الدولار هي من أصعب المراحل، إلا أنه أكد أن الاقتصاد الأمريكي دائما ما يثبت أنه قوي وقادر على المواجهة. ووفقاً لدراسة أجرتها شركة ''ماكينزي'' الاستشارية عام 2009، فإن أي إجراء لخفض التصنيف الائتماني الأمريكي يمكن أن ينعكس دراماتيكيا على الدولار، مشيرة إلى أنه سيتضرر إلى حد بعيد ''كعملة احتياط''، مشيرة إلى أن الدولار قد لا يستمر العملة المرجعية العالمية، إذا ما تم ذلك. وقال التقرير حينها إن الولايات المتحدة تجني 40 إلى 70 مليار دولار سنوياً من وضع الدولار هذا، الذي يندد به البعض لاعتباره ''امتيازاً باهظ الثمن''. وتأتي تحذيرات الاقتصاديين السعوديين بعد أن حذرت وكالة التصنيف الائتماني ''موديز'' أمس من أنها قد تخفض تصنيف الولايات المتحدة المميز عند AAA إذا فشل الكونجرس في زيادة الحد الأقصى لديونها خلال الأسابيع القليلة المقبلة. كما حذرت من عملية ''ترسيخ'' سياسة عدم رفع سقف الدين، في الوقت الذي رفض فيه الجمهوريون يوم الأربعاء الماضي مشروع قانون خاص بهذا الشأن، وطالبوا الديمقراطيين أولا بالاتفاق على خفض الإنفاق. وتواجه الولايات المتحدة مخاطر بعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه ديونها إذا لم يتم رفع سقف الدين حتى يوم الثاني من آب (أغسطس) المقبل، وهو الموعد النهائي لاتخاذ القرار. حيث سيكون من شأن خفض التصنيف الائتماني في حال حدوثه، زيادة تكاليف الاقتراض، ومن ثم تقويض الانتعاش الاقتصادي، في الوقت الذي تواجه فيه حكومتها عجزا متفاقما بقيمة 1.5 تريليون دولار. هذا وتشعر ''موديز'' بقلق من عملية سير المفاوضات بين الجمهوريين والديمقراطيين، حيث ترى أن كلا الطرفين يحاول إنجار أي شيء قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2012، عن طريق السيطرة على أكبر عدد من الأصوات في الكونجرس. لكن في النهاية تبقى القاعدة قائمة عند الجمهوريين سواء في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ بأن أي اتفاق لرفع سقف الديون عند 14.3 تريليون دولار يجب أن يشمل خفضا في الإنفاق، في الوقت الذي يختلف فيه الطرفان في النهاية على طبيعة ونطاق هذا الخفض. وقد أشار جون بونر رئيس مجلس النواب إلى أن إعلان ''موديز'' يعزز وجهة نظر الجمهوريين بضرورة الحاجة إلى تخفيضات أكبر في الإنفاق جنبا إلى جنب مع رفع سقف الدين، في حين أن وزارة الخزانة ترى أن تقرير ''موديز'' وتهديدها يؤكد الحاجة إلى رفع سقف الدين واتخاذ قرار سريع بهذا الشأن من الكونجرس. تحذير ''موديز'' يتوافق مع تحذيرات أطلقتها في نيسان (أبريل) الماضي، وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني حذرت فيها الولايات المتحدة من تغييرات جذرية في الاقتصاد العالمي، إذ طرحت للمرة الأولى بجدية إمكان أن تخسر البلاد علامتها كأفضل مقترض في العالم. وكانت الوكالة قد خفضت توقعاتها لتصنيف دين الولايات المتحدة من ''ثابت'' إلى ''سلبي''، معتبرة أن ''ثمّة احتمالاً واحداً من أصل ثلاثة بأن تخسر الدولة الفيدرالية علامتها القصوى AAA، خلال السنتين المقبلتين. وتعني هذه العلامة ''ثقة مطلقة في أسواق القروض''، وفي وسع الدول والشركات التي تحصل عليها الاقتراض بمعدلات فائدة ممتازة، خلافاً لسواها. وأثار إعلان وكالة التصنيف ذهولاً، خصوصاً في الأسواق المالية، بعدما كانت مسألة خفض علامة الولايات المتحدة أمرا لا يخطر في بال أحد. وحذّر ستيفن ريكيوتو الخبير الاقتصادي في شركة ميزوهو سيكيوريتيز من ''احتمال خفض الوكالة تصنيف البلاد لن يبقى بنسبة واحد من ثلاثة إذا لم يتم القيام بشيء خلال سنتين، ولم نجمع 2500 مليار دولار من الديون الإضافية''، ملمحاً إلى القوى السياسية في واشنطن التي تخوض صراعاً محتدماً حول سبل خفض العجز الهائل في الموازنة الأمريكية. وتابع ريكيوتو أن ''ذلك سيضر إلى حد بعيد بوضع الدولار كعملة احتياط''، مشيراً إلى أن الدولار قد لا يستمر العملة المرجعية العالمية. وتجني الولايات المتحدة 40 إلى 70 مليار دولار سنوياً من وضع الدولار هذا، الذي يندد به البعض لاعتباره ''امتيازاً باهظ الثمن''، وفقاً لدراسة أجرتها شركة ماكينزي الاستشارية عام 2009. وتجتذب الأصول الأمريكية المستثمرين الأجانب لأنها تصدر بعملة ثابتة ومطلوبة من الجميع. ونتيجة هذا الطلب القوي على الدولار، تقدم تسهيلات في منح قروض، سواء للحكومة الأمريكية أو للشركات، وحتى الأسر. وبالنسبة إلى الأسر، سيؤدي خفض العلامة إلى ارتفاع معدلات الفائدة على الديون لقاء الحصول على رهن، ما سيزيد من حدّة الأزمة في سوق عقارية أمريكية تعاني الانكماش، وفقاً للينا موفتيفا الخبيرة في مصرف ناتيكسيس، التي رأت أن الشركات ''ستشهد زيادة في تكلفة التمويل، ما سينعكس على استثماراتها المنتجة''. وقد تتبدل علاقة الولايات المتحدة مع دائنيها الكبار، كالصين واليابان وأوروبا. وخسارة العلامة AAA قد تزيد من صعوبة خفض العجز في الموازنة الأمريكية، لأنها تهدد بزيادة كبيرة في معدلات الفائدة على قروض الدولة، وهو ما أثبتته الأزمتان في إيرلندا والبرتغال. ويأمل البعض أن يحض تحذير ''ستاندرد آند بورز'' إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما والمعارضة الجمهورية على التوصل إلى توافق حول سبل خفض العجز في الموازنة. وقال ألان راسكين الخبير الاقتصادي في مصرف ''دويتشه بنك'': ''هذا تحذير جدّي للسياسيين من الطرفين، ويبرز ضرورة التوافق قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة''، غير أن هذا الاستحقاق الانتخابي قد يدفع الديمقراطيين والجمهوريين إلى التمسك بمواقفهم. وأوضح ديفيد ريسلر وايشي أميميا من مصرف نومورا أن ''كلاً من طرفي الخلاف قد يستخدم هذا التحذير لتبرير نهجه المختلف إلى حد بعيد عن نهج الطرف الآخر''.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية