Author

ضم الأردن والمغرب .. كثير من السياسة .. قليل من الاقتصاد

|
في الأسبوع قبل الماضي، وفي الحلقة الأولى من هذا المقال، قمنا بتحليل عناصر البيئة الاقتصادية الكلية لدول المجلس الست وكل من الأردن والمغرب، وقد توصلنا إلى أن هناك فوارق جوهرية بين دول المجلس الست، وبين هاتين الدولتين في هذا الجانب، والتي هي على الرغم من أهميتها لإنجاح عملية التكامل الاقتصادي، فإن إهمالها يترتب عليه خلق مشاكل أساسية للتكتل. على سبيل المثال فإن التكامل مع هاتين الدولتين لا بد وأن يشتمل على ضمان حرية انتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال وعنصر العمل، وقد أوضحنا أن هناك فروقا كبيرة في معدل البطالة بين الأردن والمغرب ودول المجلس، ومن المؤكد أنه عندما يتم ضمهما فسيمنح عمال هاتين الدولتين معاملة تفضيلية بالنسبة لفرص التوظيف المتاحة في دول المجلس، مثل تلك التي تمنح لمواطني الدول الأعضاء، ونظرا للفوارق الكبيرة في مستويات الدخول والأجور الحالية بين هاتين الدولتين ودول المجلس كما أوضحنا في الحلقة السابقة، فإنه من المتوقع أن يحدث فيضان هائل من الهجرة إلى دول المجلس؛ استنادا إلى التسهيلات التي تمنحها الاتفاقية الحالية الخاص بحرية التنقل بين دول المجلس، ومما لا شك فيه أن أسواق العمل في دول المجلس ربما لا تكون مستعدة حاليا لاستيعاب هذا العرض الكبير من العمال المهاجرين من هاتين الدولتين، خصوصا وأن بعض دول المجلس قد بدأ بالفعل يعاني ارتفاع معدلات البطالة بين المواطنين من الداخلين الجدد إلى سوق العمل، مثل هذه الفوارق الجوهرية بين دول المجلس وهاتين الدولتين قد تحول دون التوسع الناجح لمجلس التعاون في المجال الاقتصادي. على الجانب التجاري، فإن دول مجلس التعاون تتصف أساسا بضعف مستويات التجارة فيما بينها بشكل عام، ولكننا عندما ندخل هاتين الدولتين في الاعتبار سنجد أن التجارة البينية بينهما وبين دول المجلس الست متواضعة جدا، أو بالأحرى يمكننا القول بأنه لا توجد علاقات تجارية تقريبا على المستوى الكلي. ففي جانب الصادرات يوضح الجدول رقم (1) صادرات دول مجلس التعاون الست لهاتين الدولتين خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ومن الجدول يتضح أن صادرات دول المجلس للأردن والمغرب بالنسبة إلى إجمالي صادراتها تتراوح بين نسبة صفر في المائة كحد أدنى إلى 1.5 في المائة كحد أقصى، وفي المتوسط تبلغ صادرات الدول الخليجية الست إلى هاتين الدولتين 0.39 في المائة من إجمالي الصادرات خلال السنوات الثلاث الماضية، ولو دققنا في التركيبة السلعية لهذه الصادرات سنجد أن معظمها عبارة عن نفط أو منتجات نفطية. قد يقول قائل إن ذلك أمر متوقع؛ لأن دول الخليج ليس لديها ما تصدره غير النفط، فهي دول مستوردة بشكل صاف لمعظم احتياجاتها من الخارج. #2# إذا كان الأمر كذلك يفترض أن الوضع سيكون أفضل على الجانب الآخر عندما نأخذ واردات دول مجلس التعاون من هاتين الدولتين في الاعتبار، ومرة أخرى فإن الجدول رقم (2) يوضح واردات دول مجلس التعاون الست من هاتين الدولتين خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ومن الجدول يتضح أن نسبة واردات الدول الست من الأردن والمغرب إلى إجمالي الواردات تتراوح بين صفر في المائة كحد أدنى إلى 0.79 في المائة (أي أقل من 1 في المائة) كحد أقصى، وفي المتوسط تبلغ نسبة واردات الدول الخليجية الست من هاتين الدولتين 0.33 في المائة، أي أقل من نصف في المائة من إجمالي واردات دول المجلس خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو ما يعكس أيضا حقيقة أن هاتين الدولتين ليس لديهما ما تصدرانه إلى دول المجلس. إن هذا المستوى المتواضع جدا من التجارة البينية يشير إلى أن فرص خلق التجارة بين هاتين الدولتين ومجموعة دول مجلس التعاون الست ستكون محدودة للغاية. من الناحية الفنية يعد الإعلان عن توسع مجلس التعاون في هذا التوقيت بالذات أمرا غير مناسب؛ نظرا للعقبات المختلفة التي يواجهها المجلس حاليا في إطلاق مشاريع التكامل الاقتصادي فيما بين أعضائه الحاليين، خصوصا في السنوات الأخيرة، حيث إن الاتحاد الجمركي، الذي يفترض أنه من أسهل مراحل التكامل الاقتصادي وأسرعها، ما زالت دول المجلس تراوح فيه ولم تتمكن من التغلب على المشاكل المصاحبة لإنشائه كافة حتى اليوم، بينما توجد السوق الخليجية المشتركة على الورق فقط، وليس هناك صدى حقيقي لها على أرض الواقع، فلا المواطن الخليجي ولا رجل الأعمال الخليجي يشعر بأي أثر لها في عالمه، من ناحية ثالثة فقد تعثرت عملية الإطلاق الناجح للعملة الخليجية الموحدة والتي كان من المفترض أن ترى النور في 2010، وتضاءلت فرص تحقيق الاتحاد النقدي الخليجي بعد إعلان عمان بأنها لن تشارك في الاتحاد النقدي الخليجي، وكذلك انسحاب الإمارات منه اعتراضا على اختيار الرياض كمقر للبنك المركزي الخليجي بدلا من أن ينشأ على أراضيها، وبمعنى آخر فإن دول مجلس التعاون، على الرغم من التشابه الشديد بينها في الخصائص السياسية والاقتصادية، لم تتمكن حتى الآن من إطلاق تكتل اقتصادي متكامل، فكيف سيكون الحال عند إضافة دولتين تختلفان بصورة جوهرية عن باقي الدول الأعضاء؟ قد يقول قائل وما الضير في ذلك؟ فأوروبا الموحدة تتسع بشكل مستمر من خلال ضم دول جديدة إليها، والاتحاد النقدي الأوروبي يتسع أيضا من خلال ضم دول جديدة. هذا صحيح، ولكن عملية الضم لا تتم بين يوم وليلة، وتستغرق وقتا طويلا جدا من الزمن يتم تهيئة الدول الجديدة خلاله لكي تستعد للانضمام دون أن تحدث مشكلات جوهرية للتكتل، بصفة خاصة من خلال تعديل النظم والتشريعات وقواعد التجارة ونظم الضرائب الجمركية والضرائب الأخرى ... إلخ لكي تتأكد دول الاتحاد الأوروبي من سهولة انخراطها في الاتحاد، وبأن ضمها للاتحاد سيكون سلسا. على الصعيد القانوني، يلاحظ أن الهياكل القانونية في الدولتين ليست متوافقة مع تلك التي تتبعها دول المجلس، خصوصا في مجال الأعمال، على سبيل المثال فإن الأردن والمغرب دولتان تفرضان ضرائب على الدخول، بينما تعد دول مجلس التعاون بمثابة جنة للضرائب Tax heaven، كذلك فإن الأردن والمغرب تفرضان ضرائب جمركية مرتفعة على الواردات من الخارج، حيث تمثل الضرائب الجمركية نسبة لا بأس بها من إيرادات الدولة، وربما تكونان غير مستعدتين لتخفيض هذه الضرائب بدخولهما الاتحاد الجمركي الخليجي إلى 5 في المائة كحد أقصى، قبل أن يتطلب الأمر الاتفاق على آلية ما لتعويض هاتين الدولتين عن خسائر إيراداتهما من الضرائب، هذا بالطبع إضافة إلى تنسيق قوانين العمل وقوانين الشركات وغيرها. في ضوء ما تمت الإشارة إليه اليوم وفي المقال السابق، من المؤكد أنه لو تم طرح فكرة ضم الأردن والمغرب فيما سبق على دول المجلس لكان نصيب الفكرة الرفض بشكل مباشر، ومن الواضح أن الاعتبارات السياسية هي التي تلعب الدور الأساسي في مثل هذا التوسع، فالجميع يتحدث اليوم عن أن الترحيب بانضمام كل من المملكة الهاشمية الأردنية والمملكة المغربية هو مشروع سياسي في الدرجة الأولى، ويرتكز أساسا على التشابه في النظم السياسية المتبعة في دول المجلس وفي هاتين الدولتين، وحيث ينظر إلى تجمع النظم الملكية بأنه يعطي دول المجلس، بعد التوسع، قوة أكبر في مواجهة موجات المد الثوري التي تنتشر حولها وما قد يترتب عليها من قلاقل. إذا كان التوسع يستند إلى هذه الأسس، فربما يكون توسعا في الاتجاه الخطأ واستباقا لأحداث لا يستطيع أحد أن يجزم بمستقبلها في المنطقة، أو طبيعة القوى السياسية التي يمكن أن تنشأ في المحيط العربي. صحيح أن الثورات تنتشر في الدول العربية ذات النظم الرئاسية، وهو ما قد يعزز مخاوف دول المجلس من طبيعة التغيير القادم، بصفة خاصة من أن تفرز الثورات العربية نظما سياسية ثورية مثل نظام عبد الناصر، الذي تسبب في الكثير من المشكلات لبعض دول المنطقة، غير أن الثورات التي تتم حاليا في الدول العربية لا تقوم حول شخص محدد لتصنع منه زعيما، أو أنها ثورات تهدف إلى إنشاء نظم سياسية راديكالية، وإنما تعكس في الدرجة الأولى رغبة تلك الشعوب العربية في أن تتخلص من نظم الحكم الفردي بمساوئه، والتحول إلى دول تمارس الحرية والديمقراطية على نحو سليم، ومثل هذه الثورات من المؤكد أنها ستفرز نظما سياسية غير معادية للنظم السياسية القائمة حاليا في دول المجلس. الخلاصة، هي أن تشابه نظم الحكم لا يضمن الإطلاق الناجح للتكتل من الجانب الاقتصادي، وأنه على الرغم من أهمية العوامل السياسية في إنشاء أي تكتل أو توسيع نطاقه، إلا أن إهمال توافق العوامل الاقتصادية لا شك قد يهدد كيان التكتل ذاته. في الأسبوع القادم - إن شاء الله - سأتناول موضوع اقتصاديات البلطجة.
إنشرها