Author

رؤى لتنمية مستدامة

|
إن العنصر الأساسي في التنمية هم المواطنون الذين يقومون بتنفيذ الأعمال في المنشآت الخاصة والعامة على صعيد الوطن، كما أن التنمية تكمن في دفع لعجلتها بطريقة نوعية بتنشيط الحراك الثقافي والتعليمي والاهتمام بتطوير الفرد وتهيئته إلى العمل والكسب، تزامنا مع سلسلة من التخطيط السليم للبنى التحتية والنهوض بالقطاع الصحي وتنويع قاعدة الناتج الوطني (بدعم الصناعات الوطنية) ورفع كفاءة الفكر التجاري وتسهيل الإجراءات والتحول إلى التعاملات الإلكترونية، ودعم البحث العلمي، ولا يمكن تحقيق ذلك بطريقة التفكير العشوائي أو التنظيم الفردي ولا على مستوى قطاع معين من القطاعات العامة المنوط بها رسم السياسات العامة دون تفاعل وتزامن القطاعات الأخرى معها، إن الحاجة ماسة إلى وضع الخطط الاستراتيجية المتكاملة الشاملة التي توصل إلى أهداف التنمية من خلال تقييم أدائنا في القطاعين، والقيام بدراسات قابلة للتنفيذ والانتقال من العام إلى التفصيل لمعرفة كيفية وضع خطط منسجمة مع الاستراتيجية العامة للدولة، وتفعيل القدرات القيادية والمهارية بمشاركة الجميع في تنفيذها وتكريس مفهوم الرؤية والرسالة، بالإضافة إلى حشد الموارد المالية والمعرفية والثقافية لتحقيق الأهداف المرجوة من كل قطاع، وأن نضع معايير دقيقة تقيس عناصر النمو المطلوبة وتبرز مكان الخلل والتقصير حتى يتم تقويمه من الجهات الرقابية المنوط بها الإشراف على المسيرة التنموية وتلافيه في المستجد من الأنشطة. إن نجاح الخطط الإستراتيجية يكمن في دعم الإدارة العليا، وترابطها، وتكاملها مع مختلف القطاعات التنموية، والتركيز على استمراريتها لخدمة المواطن والوطن وتحديث هذه الخطط حسب المتغيرات والتعديل عليها، سواء كانت طويلة الأجل على مدى 20 عاما أو خططا تكتيكية قصيرة ذات الرتم السريع والتي تقضي المصلحة العامة بوضعها لاستمرار التنمية بمنظار حضاري مواكب لتصبح رافدا في الخطط الطويلة وتعدل تعديل غير مربك فلا تضر في سيرها لتحقيق أهدافها المرجوة على المدى الطويل والتمحور حول تنمية المواطن تحت ظل العدالة الاجتماعية للرقي بالفرد واستشفاف حاجة البلاد إلى لأنشطة والأعمال المطلوبة لتحقيق التنمية ورسم الطرق الهادفة والمنتجة والتي تخدم المجتمع ليتمكن من زيادة القيمة المضافة إلى ناتج الوطن وليسهم إسهاما حقيقيا في البناء ورفاه الفرد الذي هو أحد لبناته. إن المتابع للاقتصاد العالمي يجد أن بلادنا الحبيبة تحظى باقتصاد جاذب ارتفع فيها الدخل الوطني لارتفاع النفط ونتج من ذلك ازدياد الإنفاق على المشاريع العامة والبنية التحتية على وجه الخصوص، ترتب عليه وجود فرص وظيفية قيّمة إلا أن انعدام الرؤية الواضحة وانعدام الرتابة في توجيه كوادرنا الوطنية إلى شغل الوظائف في تلك المشاريع. وامتدادا لهذا الاتجاه، فإن كثيرا من الخطط التدريبية في الحياة العملية لا تكون من حظ المواطن الذي يبحث عن عمل على باب المنشآت العامة والخاصة عن وظيفة كريمة تكفل له ولأسرته سبل الحياة الهانئة التي هي أبسط حق من حقوقه، فنجد في بعض القطاعات داخل القطاع العام أن هذه الأعمال مكتفية بالأجانب الذين قد نجدهم غير مدربين ويتلقون التدريبات على رأس العمل في بعض الأحيان دون النظر من المسؤول إلى من سيقوم بهذه الإعمال بعد خروج هذه الشركات. ونظرا لأهمية التدريب، فإن الدول المتقدمة تخصص المبالغ الكافية وتدفع بالموظفين بمختلف مناصبهم الإدارية لكسب هذه المهارات سواء كانت فنية أو إدارية لسد فراغ الحاجة الملحة للرفع من مستوى العنصر البشري في أداء أعمالهم، فالتدريب ليس هبة من صاحب العمل كما نراه في بعض القطاعات وكما يظنه البعض، وإنما هي ضرورة ملحة وحق كل موظف لتطوير نفسه لمواكبة ما تقتضيه حاجة العمل وفق رصد دقيق للأعمال المطلوب شغلها في وقت معين ومهارة محددة وبعدد من الكوادر محسوب لاستمرارية العمل. إن إعادة تشكيل القطاع التنفيذي وترتيب الأوضاع الإدارية وتوافر الفكر الإداري الفاعل والمميز في القطاعين العام والخاص هو العامل الرئيس في البناء، حيث إنه يسعى إلى إيجاد بيئة العمل الجيدة والمحفزات المالية والمعنوية والتوجه إلى تكثيف التدريب المنصب لخدمة توظيف الكوادر الوطنية ونقصد به التدريب النوعي الذي يضفي المعارف على المتلقي ويسهل ويسرع في قيامه بالأعمال لتوطين حرفية أو مهارة ما، حيث إن التدريب هو المحرك الأساسي والمكمل لنقص المعارف في المستجد بسلك العمل الوظيفي، وتوجيهه للإنجاز والتطوير والأداء المميز وهو المسرح الحقيقي لتطوير المواطن للوصول للأهداف المرجوة، فمتى كان الموظف سعيدا في عمله وممكن من القيام بأعماله أوجد الإبداع، وأنتج خلية دائبة بالعمل المثمر تحت مظلة العدل الوظيفي الكفيل بحفظ حق الموظف ومراعاة مصالحه، فالولاء الوظيفي لا يأتي من كتب نقرأها أو من خلال الصحف وإنما من الإحساس بالمسؤولية فردا ومجتمعا لهذا البلد المعطاء، وإن رضا الفرد والمجتمع ينعكس على تفكيره ورصده لما هو جيد وإيجابي لدفع وتحقيق التنمية المستدامة في ظل وضوح الرؤى والتوجهات وتوطيد ثقافة للبناء والتغيير الإيجابي المدروس ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتحفيز الرقابة والمتابعة الجادة من قبل كفاءات وطنية مخلصة وبخلفية معرفية تسبر الخلل وتوقف النزف وتعيد عربات القطار إلى الطريق السليم. لقد اتفق الشرق والغرب في المجتمعات المتحضرة ممن هم سبقونا بالتنمية بأهمية التقنية وتوطين المعارف فنتج من ذلك تنافس محموم بتقديم ما هو أفضل لاحتياجات الأعمال من البرامج التقنية المطورة والتي تكون عادة تربط جميع أقسام وإدارة المنشأة علاوة على ربط الجهات ذات العلاقة لتعطى الباحثين وصاحب القرار المعارف والمعلومات لصنع القرار عن طريق استخراج الإحصاءات الدقيقة والخطوط العريضة والتفصيلية بمختلف أشكالها لتكون مدخلا معتمدا ودقيقا للخطط الوطنية والاستثمارات الداخلية أو الخارجية، وذلك يكون بعيدا عن الاجتهادات والتضخيم في الإعلام بالمخرجات التي لا ترقى ولا تتناسب مع ما تم صرفه عليها. إن توظيف التقنية لخدمة سوق العمل يكمن في تبني وتسهيل استخدامات البرمجيات وتبني النظم المفتوحة المصدر والربط بين الأطراف المطورة للبرمجيات والجهات الأكاديمية والحكومية والقطاع الصناعي وتقنية المعلومات على غرار المركز الوطني للبرامج المفتوحة المصدر في الهند والذي يتم تمويله من الحكومة الهندية، وأن يعطى حيز في الخطة الوطنية الثانية لتقنية المعلومات، ليس فقط من أجل قلة تكلفتها، ولكن من أجل المساهمة في بناء مشاركات وطنية ورصيد حضاري يضاف إلى الناتج القومي العلمي والعملي، إضافة إلى أن أخذ هذا المسلك ينقذنا من احتكار برامج الشركات غير مفتوحة المصدر (مثل ميكروسوفت) والاستفادة من صرف هذه المبالغ الباهظة في دعم المواطن وتفعيل دور النساء والرجال على حد سواء في المشاركة بالقيام بأعمال أساسية أو إضافية وقد يكون من منازلهم لخدمة المجتمع، وهذا ما نراه ليس في الغرب فقط، بل في دول مثل ماليزيا أو الهند.. حيث يقومون بتطوير البرمجيات لجهات خارج الهند لدعم الاقتصاد في بلد المنشأ (المطورة للبرمجيات). كما أن دعم الأعمال الصغيرة والمتوسطة أحد روافد التنمية اهتمت به الدول الرائدة في مجال الاقتصاد مثل اليابان، حيث تصب مخرجاتها في تنويع القاعدة الإنتاجية ودعم الاقتصاد الوطني مع مراعاة توافر وتهيئة الكفاءات الوطنية ووضع التنظيمات الموجهة للتنمية من قبل الجهات الحكومية المشرفة على هذا النوع من الأنشطة شريطة أن تكون بفكر مشارك وليس من منطق التحكم والفرض لهذه التنظيمات التي نجدها غير عملية في بعض الأحيان. في الختام إن صرح التنمية المستدامة قوامها الإخلاص والانتماء لهذا البلد الغالي ومواكبة التطور عند وضوح الهدف وبسواعد الكوادر الوطنية المنتجة بشتى شرائحهم واختلاف مسؤولياتهم، بغض النظر عن انتمائهم وتوجهاتهم الشخصية.
إنشرها