Author

الخلاف الفقهي .. هل سيحدّ من التوسع في إصدار الصكوك؟

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
الصكوك الإسلامية واحدة من الأدوات التي تعتبر متوافقة مع الشريعة، ونمت بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، حتى أصبح الاهتمام بها لا يقتصر على الأفراد والمؤسسات والشركات، بل وصل إلى دول العالم الإسلامية وغير الإسلامية، ورغم عمرها القصير إلا أن الاهتمام بها أصبح حديث الأوساط المالية في العالم، كما أن بعض دول العالم بدأت فعليا في إصدار هذه الصكوك وطرحها للأفراد. ولعل السر في الاهتمام بالصكوك هو الاهتمام اليوم بالتنوع في مصادر التمويل، خصوصا بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، التي لا تزال آثارها قائمة اليوم في كثير من دول العالم، حيث انعكس ذلك على فرص التمويل بالوسائل التقليدية من خلال البنوك أو حتى إصدار السندات، أما بالنسبة للعالم الإسلامي، فالمسألة ترتبط بقيمة سامية وهي الالتزام بأحكام الشريعة في المعاملات، وتجنب المعاملات المحرمة التي تُصنف القروض بفائدة على أنها شكل منها؛ لذلك تجد كثيرا من المسلمين لا يُقبِل على المعاملات التي تشتمل على قرض بفائدة، كما أن الأزمة المالية العالمية جعلت كثيرا من المستثمرين أقل اطمئنانا إلى الاستثمار في الديون من خلال أدوات مثل السندات، لذلك قد يفضل البعض الاستثمار في الصكوك، نظرا لاعتمادها على الأصول، التي تعتبر ضمانة في حال تكبدت المؤسسة المدينة خسائر لا تتمكن معها من الوفاء بديونها، فالمخاطر التي تترتب على التذبذب في أسعار الأصول في الصكوك ليست أسوأ من حالة المخاطرة عند إفلاس المؤسسات المدينة، وهذا ما جعل بعض المستثمرين يطمئن أكثر بعد الأزمة المالية العالمية إلى الصكوك. وكما هي العادة في مؤتمر اليوروموني السنوي في الفترة بين 17 و18 أيار (مايو) 2011، الذي ركز على التنوع في مصادر التمويل - لم يخل الحديث عن التمويل الإسلامي، خصوصا مسألة الصكوك. ولعل من أبرز القضايا المتعلقة بالصكوك النقاش حول خلاف العلماء في هذه المسألة، الذي جعل بعض الشركات تنصرف عنها وتفضل السندات. حيث إن أحد كبار المسؤولين في إحدى الشركات الكبرى في المملكة، أشار إلى أنه كان لدى الشركة رغبة في إصدار صكوك، لكن نظرا لخلاف الفقهاء في المسألة، الذي لم يأخذ في الاعتبار طبيعة عمل المؤسسات والشركات التي تتطلب السرعة في القرارات، أدى بهم إلى صرف النظر عن فكرة إصدار الصكوك إلى إصدار السندات، وفي تصوّري أن الصكوك على أسوأ أحوالها قد تكون خيارا شرعيا أفضل من السندات في كل أحوالها. ومع ما سبق فإنه لا بد من النظر إلى احتياجات المؤسسات المالية والشركات بجدية أكبر، وذلك فيما يتعلق بالمنتجات والخدمات الإسلامية المتوافقة مع الشريعة؛ إذ إن الجدل والخلاف في قضايا ومسائل التمويل الإسلامي لا بد ألا ينعكس بشكل سلبي على نشاطها وعملها، بل لا بد أن يكون له دور في المزيد من الدراسة والبحث والاجتهاد لإيجاد نماذج تكتسب قبولا فقهيا بشكل عام، وإن لم تكن تكتسب إجماعا أو اتفاقا من السواد الأعظم من العلماء. ويبقى السؤال الذي يقلق المهتمين بالتمويل الإسلامي هو: هل استمرار هذا الخلاف بين العلماء في القضايا المتعلقة بالتمويل الإسلامي، سيؤدي إلى انصراف كثير من المؤسسات والشركات عن التمويل الإسلامي، والعودة مجددا إلى التمويل التقليدي؟ الحقيقة أن الموضوع فعلا لا يمكن الاستهانة به، وعدم إعطائه الجدية الكافية، فبعد الأزمة المالية العالمية تحدث الناس كثيرا عن التمويل الإسلامي، على أساس أنه من الممكن أن يقدم حلولا مالية للعالم، أو على الأقل أن يوجد تنوعا في الطرق والأساليب المالية بحيث تقدم حلولا جديدة للنظام المالي العالمي، إلا أنه وبعد أكثر من ثلاث سنوات على الأزمة لم نجد تجمعا وعملا منظما لتبني تشريعات ومعايير للتمويل الإسلامي بحيث يتم تبنيها من خلال منظمات عالمية، مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، إضافة إلى معايير بازل 3، علما بأن هذه المنظمات من المؤكد أنها تتطلع إلى وجود تمثيل للمؤسسات المالية الإسلامية، لطرح منهج ومعايير واضحة للتمويل الإسلامي، وبالتالي تؤخذ في الاعتبار في تشريعات وأنظمة هذه المؤسسات، كي تتيح مرونة أكثر للمؤسسات المالية الإسلامية للتعاطي مع المنظومة الاقتصادية والمالية العالمية. كما أنه من الملاحظ أنه مع وجود هذا النقاش الكبير في مثل هذه القضايا، والخلاف الواسع، إلا أن البحوث والدراسات التي تمثل انعكاسا لهذه الخلافات والآراء قليلة جدا، وغير متكاملة؛ إذ إنها قد لا تكون متكاملة العناصر من جهة مشاركة جميع الخبراء ذوي العلاقة بالمسألة، فقد تكون مستوفاة من الناحية الشرعية، لكن ضعيفة في الجوانب القانونية أو الاقتصادية أو المالية أو المحاسبية، وهكذا، وهذا يعكس حجم الضعف في الآلية التي تتم بها البحوث المتعلقة بالتمويل الإسلامي. كما أن هذه البحوث تجدها تركز على حالة معينة، ومع التحولات والمتغيرات التي يشهدها عالم المال، وصيغ التمويل الإسلامي، تجد أن هذا البحث والدراسة قد يفقد قيمته إذا لم يتبين إبراز قواعد ومعايير واضحة لتلك المعاملات ليستفاد منها في تطبيقات لمعاملات أخرى. كما أنه من المهم أن تستثمر الشركات والمؤسسات المالية في الدراسات والبحوث المتعلقة بالتمويل الإسلامي، خصوصا في قضايا محددة، ترتبط مباشرة باحتياج تلك المؤسسات، خصوصا أن ذلك قد يحقق نتائج إيجابية لتلك المؤسسات والمجتمع. الخلاصة أن التمويل الإسلامي في هذه المرحلة وبعد الانفتاح على الشركات الكبرى والدول في حاجة أكبر من أي وقت مضى إلى صياغة تشريعاته، ووضع قواعد ومعايير تشريعية وتنظيمية ومهنية، وإلا سنجد تفاوتا في التطبيق، وعزلة عن النظام المالي العالمي، وقد يؤدي إلى أن تحقق المؤسسات المالية الإسلامية تزايدا في أعدادها وأصولها، لكن دون تحقيق القيم والمبادئ والأهداف التي يتطلع إليها المجتمع المسلم من الاقتصاد الإسلامي، كما أن المؤسسات المالية والشركات والدول ينبغي ألا تتوقع الحصول على وصفات جاهزة للمنتجات والخدمات المتوافقة مع الشريعة، بل لا بد أن تستثمر في تحقيقها.
إنشرها