Author

أجمل قصة عن اللغة (1 من 2)

|
إليكس ببغاء رماديّ من الجابون قامت سيدة أمريكية بتربيته ولقنته ما يناهز الـ 40 كلمة، ومن خلال هذه الكلمات تعلم الببغاء طلب ما يريد، وفي حالة فشلتم في تلبية طلباته سيستمر في ذلك حتى يتحقق الطلب الذي يردده! إضافة لكلماته يعرف سبعة ألوان وتمكن من العدّ حتى الرقم ستة. ولكن مع الأسف إلكيس لا يمتلك الخصائص اللغوية البشرية التي تتطلب درجة عالية من الدقة. قصة إليكس وغيرها من القصص الغرائبية والمشوقة تقع في الكتاب الذي أهدته لنا المنظمة العربية للترجمة، "أجمل قصة عن اللغة" هو حصيلة حوارات بين ثلاثة باحثين يروون أجمل قصص البشرية على الإطلاق. يطرح الباحثون الأسئلة ويحاولون الإجابة عنها من خلال عرض الحالات الفردية والدراسات التي عرفها البشر حول ملكة اللغة والتي تنظم أفكارنا وتسهّل علينا مشاركة الآخرين أحلامنا وتصوراتنا وحججنا. والسبيل للتوصل للإجابات هو الاطلاع على مباحث عدة، من بينها الجهاز العصبيّ وعلم النفس وعلم الوراثة. ما يميز هذا الكتاب هو استخدامه للغة بسيطة (حتى بعد الترجمة)، بل إن بعضها يقترب إلى السذاجة! في سبيل إيصال الفكرة للمتلقي العادي، الذي لا يملك الوقت للغوص في أكداس الكتب والبحوث التي درست اللغة منذ انطلاقتها الأولى وحتى يومنا هذا. في القسم الأول من الكتاب يناقش الباحثون لغة تواصل الكائنات الحية بلا استثناء، وإن أمكنكم تجاهل النقطة السلبية العظيمة في هذا الكتاب ألا وهي اعتماد الباحثين في بعض المداخل على نظرية النشوء والارتقاء لداروين والتي تتناقض بشدة مع ما نعرفه ونؤمن به. عدا ذلك وجدت في الكتاب معلومات مدهشة عن اللغة لدى الشمبانزي - مثلا - ففصيلة القرود هذه تتمتع بملكة التواصل بالإيماءات؛ لذلك نجد أن وجوهها لا يكسوها الشّعر! إذ يعي كلّ قرد وضعه الانفعالي من إيماءات وجهه. ولذلك سيدهشكم إذا علمتم بأن قرد الشمبانزي إذا أصابه الكرب يعمد إلى إخفاء وجهه كي لا يتنبه الآخرون لحالته. قرد آخر أتقن ممارسة الكذب والخداع على بقية رفاقه، ففي حديقة حيوانات في تنزانيا أجرى العلماء اختبارا بسيطا بوضع الموز في مخبأ يتعرف عليه هذا القرد كلّ مرة بسبب ما يتمتع به من ذكاء وبقية القرود يتبعونه حيث اكتشافه. في المرة التالية عمدوا إلى إضافة مكان آخر للطعام ولكن بمؤونة أكبر، فما كان منه إلا أن أرشد الفريق حيث المؤونة الأقل وبينما هم مشغولون بالاقتتال عليها تسلل إلى حيث وضعت الكمية الأكبر من الموز! في الكتاب أيضا إشارة إلى محاولات العلماء تلقين وتعليم القرود والحيوانات عموما كيفية استخدام اللغة بالرمز والنطق، وكيف أنها قتلت في المهد في بعض الأحيان أو تمت متابعتها والبحث باستفاضة فيها. ومن الاكتشافات المدهشة في ذلك السياق توصل العلماء لاكتشاف مهارات الشمبانزي في تعاطي السياسة وإقامة التحالفات بل وإطاحة الحكم واستلام السلطة! إذاً نشترك مع الحيوانات في عناصر كثيرة من اللغة؟ في قصة اللغة هذه يأتي الحديث عن الوظائف الرئيسة للغة بحسب تصنيف العالم الألسني رومان جاكوبسون وهي ستّة: وظيفة مرجعية تقضي بتزويد المعلومات والوظيفة الثانية ترجمة الانفعالات، وقد لا تكون كلامية في كثير من الأحيان والثالثة إقامة الاتصال والرابعة الندائية. وهذه الأربعة الأولى نشترك فيها مع الحيوانات، ونختصّ بالخامسة وهي الشعريّة والسادسة الاستعارية. قد تكون هذه المعلومات معروفة مسبقا لديكم، وقد تكون فعلا أمامنا ولكننا لم يسبق لنا رؤيتها. على أية حال الكتاب يركّز على جملة مفادها: "لا نعثر إلا على ما نكون مهيئين لرؤيته".
إنشرها