Author

الرياض المدينة التي تشيخ في ريعان الشباب

|
ما معنى أن تشيخ مدينة في عز شبابها مثل مدينة الرياض؟ المقصود هنا أن عاصمتنا ''الرياض'' أصبحت تعاني الأمراض الموجعة، منها ما هو قابل للعلاج ومنها المستعصي، وفيها الأمراض الناتجة عن طبيعة المدينة والتطور السريع فيها، كما أن فيها ما نتج عن مشكلات وسلبيات التخطيط، ومن هذه الأمراض ما يمكن إصلاحه بعزائم الرجال، ومنها ما لا يمكن إصلاحه نتيجة التكلفة الباهظة التي يتطلبها الإصلاح، وما أتمناه حقيقة أن تكون هذه أعراضاً وليست أمراضاً. من أبرز المدن العجائز حولنا في عالمنا العربي القاهرة، ومن أبرز عواجيز آسيا جاكرتا وبانكوك، أما أبرز عواجيز أوروبا فهي أثينا، لكن ما مواصفات المدينة العجوز؟ لست متخصصاً في التخطيط الحضري، ولست مهندساً، لكني أحد الناس الشغوفين بالرياض والسكن فيها، ولذلك أجد الحديث عنها هماً نعايشه يومياً، وتراودني الكتابة عنها كل حين، وكل يوم أعاني فيه ازدحام شوارع الرياض أمني نفسي بالرحيل عنها بعد التقاعد، للعيش في مدينة مباركة مثل المدينة المنورة، أو في بلدة صغيرة من بلدان الوشم. لذلك عندما أستعرض مواصفات المدينة العجوز؛ فأنا أتحدث عن مقاييسي الشخصية ــ وليست العلمية ـــ التي أرى أن أهمها: زيادة عدد سكانها على الطاقة الاستيعابية لها، عدم وجود أنظمة للنقل العام (الحافلات والقطارات)، غياب التخطيط العام للمدينة بشكل عام والأحياء بشكل تفصيلي، كراهية السكان الخروج من منازلهم بسبب الازدحام الشديد في شوارعها، غياب الخدمات الأساسية (مثل الصرف الصحي) في كثير من أحيائها، حفر الشوارع لأكثر من مرة وإعادة السفلتة المرة تلو الأخرى، صعوبة إيجاد موقف لسيارتك في أي مكان عام تذهب إليه، وجود قاعدة جوية وسط المدينة، وتكدس الإدارات الحكومية فيها. يعيش في الرياض ما يقارب ستة ملايين شخص، وتعاني أعراض الشيخوخة التي ذكرت أبرزها، كما تعاني أمراضا أخرى أبرزها الثقافة المرورية لدى سكانها، ضعف وندرة الترفيه العائلي والشبابي فيها، الأراضي البيضاء الشاسعة داخل المدينة، الازدحام الشديد في الطرقات بحيث تعجز عن إيجاد طرق بديلة، حتى الطرق الدائرية فيها تتوقف عن السير في معظم أوقات النهار وكثير من ساعات الليل، وينطبق ذلك على معظم الطرق الشريانية في هذه المدينة الفتية العجوز، المساحات المكتبية يوجد فيها فائض كبير وتعاني الإغراق ومع ذلك أسعارها في تزايد مستمر، الحاجة الماسة إلى الوحدات السكنية في الوقت نفسه الذي لا يستطيع فيه طالبو السكن شراء مسكن. سأركز في مقالي هذا عن السؤال الأهم حول كيفية التخفيف من التكدس السكاني والازدحام المروري في مدينة الرياض. ولعلي أقترح هنا بعض الاقتراحات التي قد تسهم في إجراء بعض عمليات التجميل لعاصمتنا الغالية؛ وأول هذه الاقتراحات أن يتم نقل بعض المصالح الحكومية التي لا أرى سبباً لوجودها في الرياض أصلاً فضلاً عن وجودها داخل المدينة، فمثلاً المؤسسة العامة للموانئ لماذا توجد أصلاً في الرياض فمكانها الطبيعي في جدة أو الدمام أو ينبع، أي في أي مدينة ساحلية خلاف مدينة الرياض، ووزارة الحج موقعها الطبيعي في مدينة مكة المكرمة حيث الخدمات التي يجب أن تشرف عليها، وينطبق ذلك على البحرية السعودية، التي يجب أن تكون قريبة من السواحل ولا غير، ومثل ذلك ينطبق على وزارة البترول، والهيئة الملكية للجبيل وينبع، وكثير من وحدات وزارة الدفاع والطيران، والمؤسسة العامة لتحلية المياه، التي من المنطقي أن يكون موقعها في أي مكان آخر خارج مدينة الرياض، وذلك ينطبق على بعض الشركات الكبرى مثل ''سابك'' .. وبالتأكيد لو بحثنا سنجد مزيدا من المصالح الحكومية والشركات الكبرى التي لا علاقة لها بمدينة الرياض والتي يجب نقلها خارج العاصمة. ثاني هذا الاقتراحات؛ أن يتم نقل القاعدة الجوية التي تشكل معضلة رئيسة في تخطيط مدينة الرياض، وتعتبر معوقاً حيوياً لتنظيم الطرق، وسبباً مهماً للأزمة المرورية التي تعانيها عاصمة المملكة. ثالث هذه الاقتراحات؛ إقامة كباري على الطرق الرئيسة القائمة، بمعنى أن تكون هذه الطرق دورين، وعلى الأخص الطريق الدائري وطريق الملك فهد وطريقي الخليج وخريص، وهذه هي الطريقة الوحيدة لزيادة استيعاب هذه الطرق بأقل التكاليف والتعقيدات، حيث لن يحتاج الأمر إلى نزع ملكيات، ولن يستدعي ذلك تخطيطا جديدا للطرق إلا بأقل القليل. رابع هذه الاقتراحات؛ أن يتم التعجيل بإقامة قطار المدينة، خاصة للتوصيل إلى مواقع التجمع الرئيسة في الرياض، التي من أبرزها مطار الملك خالد وجامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود وجامعة الأميرة نورة وستاد الملك فهد وستاد الملز والمنطقة الصناعية الثانية، مع الأخذ في الاعتبار أن تؤسس أماكن تجمع في مناطق محددة في الرياض مثل الطرق الدائرية والرئيسة تكون تجمعاً للسيارات وموقعاً لإيقافها فيها، وبالتالي استخدام القطارات للذهاب للوجهات المختلفة التي تصل إليها القطارات والعودة إلى مناطق التجمع القريبة من مساكن المواطنين. خامس هذه الاقتراحات؛ أن يتم التعجيل في إنشاء المراكز الحضارية الفرعية التي بموجبها يتم توزيع مراكز الخدمات الحكومية في أنحاء مدينة الرياض، وبالتالي لا يضطر طالب الخدمة إلى الذهاب مسافات بعيدة للحصول على الخدمة، حيث إن انتشار المراكز الحضارية سيؤدي إلى تقليص المسافات التي يقطعها طالبو الخدمة في شوارع الرياض. سادس هذه الاقتراحات؛ أن يتم إيقاف تأسيس المدن الصناعية في مدينة الرياض، سواء للمصانع الجديدة، أو للصيانة والإصلاح، وبالتالي تضطر المشاريع الصناعية الجديدة إلى الهجرة خارج الرياض للتخفيف من الضغط عليها. سابع الاقتراحات؛ أن تتم إعادة دراسة الأسواق التجارية في مدينة الرياض، وبالتالي إيقاف إنشاء الأسواق الجديدة في المناطق المتكدسة بالأسواق، وإعادة تنظيم الأسواق القائمة وتوزيع تخصصاتها وتبويبها حسب الحاجة الفعلية إليها. الاقتراح الثامن؛ تفعيل أنظمة النقل المدرسي (النقل العام)، حيث إن أحد الأسباب الرئيسة للزحام في مدينة الرياض ينتج عن المسافات البعيدة التي يتكبدها أبناؤنا الطلاب في الذهاب لمدارسهم (البعيدة) صباحاً والعودة منها ظهراً، وتفعيل هذه الثقافة (النقل العام) بدلاً من ثقافة السيارات الخاصة. أخيراً .. ما طرح أعلاه مجرد أفكار ومقترحات، قابلة للزيادة كما هي قابلة للتطبيق أو التطوير أو الرد، لذلك فهي مساهمة متواضعة للقضاء على ظاهرة الازدحام في مدينة الرياض، وللحقيقة فهي كتابة للتنفيس عن الضغط النفسي والإرهاق الجسدي الذي نواجهه يومياً في عاصمتنا الجميلة والساحرة رغم كل شيء.
إنشرها