جهات غربية تسعى إلى هدم نموذج المصرفية الإسلامية.. والتقليد الأعمى مربك لهذه الصناعة

جهات غربية تسعى إلى هدم نموذج المصرفية الإسلامية.. والتقليد الأعمى مربك لهذه الصناعة

أكد لـ «الاقتصادية» لاحم الناصر الخبير في المصرفية الإسلامية، أن سعي صناعة الصيرفة الإسلامية النهم إلى تقليد المنتجات الغربية في كل شيء حتى في السيئ منها كالمشتقات وبيع الديون، سيربك صناعة المصرفية الإسلامية، وهو ما سيوقف نموها، وأضاف الناصر: أعتقد أن المصرفية الإسلامية قامت من أجل هدف معين، وهو تحقيق مقاصد الإسلام بتحكيم شريعته، فإذا أحس الناس في يوم من الأيام بأنه لا فرق بين المصرفية الإسلامية والتقليدية ستفقد المصرفية الإسلامية سبب وجودها.. فإلى تفاصيل الحوار: هناك حديث يدور في أروقة المصرفية الإسلامية حول أسلمة المنتجات التقليدية، ولا يوجد حديث عن منتجات جديدة ومستقلة. دعني أؤكد لك حقيقة أنه ليست هناك منتجات إسلامية مستقلة، لكن أغلبها مستنسخة من المنتجات التقليدية، وهي أسلمة للمنتج التقليدي، يأخذ المنتج التقليدي ويبحث عن العناصر المحرمة فيه، ويحاول إزالتها بتكييفه في عقد شرعي يصلح ليكون بديلا عن المنتج التقليدي، فالشخص يأتي إلى البنك ويأخذ قرضا بفائدة، هذه آلية القرض العادي الربوي المحرم في الإسلام، أما البنك الإسلامي فيقول يمكن أن نمنحك السيولة التي يوفرها لك القرض، لكن بعقد شرعي، وهو هنا التورق، حيث نشتري سلعة من السوق الدولية ثم نبيعها إليك بالمرابحة ثم توكلنا فنبيعها لك في السوق الدولية وفي النهاية تأخذ السيولة، أي أن الغاية النهائية واحدة، وهي تقديم السيولة وأخذ الربحية. لكن هل لدى البنوك الإسلامية منتجات هي من صميم المصرفية الإسلامية القائمة على المشاركة وإدارة المخاطر والغنم والغرم ودعم الإنتاجية وتوفير الوظائف والبحث عن الفرص النوعية التي تقدم خدمات للمجتمع وتحقق مبدأ الاستخلاف في الأرض الذي دعا إليه الله ـــ سبحانه وتعالى؟ أعتقد لا، وهذا ليس عيبا في المصرفية الإسلامية لو كان الأمر مرحليا؛ لأنني سأعُدُّها مرحلة من مراحل التدرج التي نصل فيها بعد فترة إلى استقلالية الصناعة ـــ إن شاء الله ـــ لكن أن نتوقف عند هذه المرحلة، فهذه هي المشكلة، وهو ما تعانيه المصرفية الإسلامية اليوم. إن كثيرا من المخلصين والمحبين للإسلام يؤلمهم وضع المصرفية الإسلامية اليوم؛ لأن المصرفية الإسلامية بدلا من أن تتقدم نجدها تتأخر، وبدلا من أن يزداد الفارق بينها وبين المصرفية التقليدية نجد أنها تقترب أكثر فأكثر من المصرفية التقليدية، ومن ثم هذا هو ما يؤلمنا رغم أن الوضع الذي نعيشه حاليا حقق إنجازات تتمثل في نقل الناس من الحرام إلى الحلال، وهذا أحد الأهداف التي يسعى إليها الإسلام، لكن هناك أهدافا كبيرة لم تتحقق بعد، فالنظرية المالية الإسلامية لا تزال بعيدة المنال. إن ما تم حاليا هو إلباس النظرية الرأسمالية ثوبا إسلاميا، ومن ثم فنحن نحتاج إلى عملية ولادة جديدة لصناعة الصيرفة الإسلامية عبر نبذ الرأسمالية، وتبني النظرية المالية الإسلامية. إن من الخطأ التوقف عند هذه المرحلة واعتبارها الإنجاز الذي نسعى إلى تحقيقه. هل تتوقع أن يؤدي ذلك إلى إيقاف حركة نمو صناعة المصرفية الإسلامية؟ أعتقد جازما أن سعي صناعة الصيرفة الإسلامية النهم إلى تقليد المنتجات الغربية في كل شيء حتى في السيئ منها كالمشتقات وبيع الديون سيربك صناعة المصرفية الإسلامية، وهو ما سيوقف نموها؛ لأنني أعتقد أن المصرفية الإسلامية قامت من أجل هدف معين، وهو تحقيق مقاصد الإسلام بتحكيم شريعته، فإذا أحس الناس في يوم من الأيام بأنه لا فرق بين المصرفية الإسلامية والتقليدية ستفقد المصرفية الإسلامية سبب وجودها؛ لأننا يجب أن نتذكر دائما وأبدا أن المصرفية الإسلامية عندما بدأت لم تقم بدعم من الدول أو الحكومات، إنما كانت بدافع القوة الذاتية لدى المجتمعات المسلمة ورغبتها في تحكيم شرع الله في حياتها ومعاملاتها. إن هذا الاقتراب من الصيرفة التقليدية سببه ـــ من وجهة نظري ـــ القائمون على المصرفية الإسلامية، فهم داء المصرفية الإسلامية؛ لأن القائمين عليها كلهم تقليديون، فهم لا يؤمنون أصلا بفكر المصرفية الإسلامية، إنما هم يعملون بهذه المصارف لتحقيق الأرباح، ووجدوا أن هذه الأداة التي تسمى المصرفية الإسلامية هي التي تحقق الأرباح، وهي المطلوبة من العملاء فساروا مع الركب، والقليلون جدا منهم لديهم إدراك وفهم لأصول صناعة الصيرفة الإسلامية وأخلاقياتها، ومن ثم أستطيع القول إنه ليس لدى القيادات المصرفية الفاعلة أو التي بيدها زمام الأمور في البنوك الإسلامية قناعة بالصيرفة الإسلامية، حتى لا أكون ظالما جلها ليس لديها أي قناعة بالمصرفية الإسلامية، وليس في أجندتها الوصول بهذه الصناعة إلى مرحلة تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية. حديثك يؤكد أن ثمة جهات ساعية إلى إرباك خطة عمل المصرفية الإسلامية وهدم نموذجها؟ الحقيقة؛ لدي قناعة اليوم بأن هناك من يسعى، وبالذات من المؤسسات المالية الغربية، إلى هدم نموذج صناعة الصيرفة الإسلامية؛ لأن هذه الصناعة اليوم لها زخم كبير جدا، ونحن نعلم أن صناعة الصيرفة المالية الإسلامية ليست صناعة مالية فقط، لكن هي نمط حياة وثقافة وفكر ومعتقد، ومن ثم فإن انتشارها في العالم الغربي بقوة حرض الكثيرين في الغرب للتصدي لها بوصفها إحدى أدوات المسلمين للتبشير بدينهم، خصوصا الجهات اليهودية والمؤسسات التنصيرية في الغرب، وقد ظهرت في أمريكا حركات تسعى بقوة إلى إيقاف هذا الزحف نحو الدين الإسلامي، ومن ضمنه المصرفية الإسلامية، كما أننا نجد ـــ ويا للأسف ـــ من هم ليسوا مسلمين ولا يتكلمون اللغة العربية هم أكثر من يطورون منتجات إسلامية، فكيف سينتج لي منتجا إسلاميا خالصا وهو لا يتكلم اللغة العربية، ولا يعرف معنى الإسلام وجوهره؟ ونحن نعرف أن المنتج المالي الإسلامي ينطلق من رحم الكتاب والسنة، والكتاب والسنة باللغة العربية، لذلك لا يستطيع من لا يتكلم العربية أن يستخلص منهما شيئا؛ لأنه لا يتحدث العربية، ومن ثم يخرج المنتج الإسلامي هجينا مشوها، وهو ما يحقق الغرض لدى بعض من يريد هدم هذه الصناعة من الداخل. لكن ما مصير المؤسسات المالية؟ وهل سيأتي الوقت لتنكشف الأمور، ويدرك الناس أن المصرفية الإسلامية لم تقدم شيئا؟ يجب التأكيد أولا على أن الفرق بين الحلال والحرام موجود وواضح من حيث الآلية التي تعمل بها كلتا الصناعتين الإسلامية والتقليدية، لكن لا يوجد فرق من حيث الغاية أو الهدف أي المقاصد، حتى نكون واضحين ولا يأتي إنسان ويقول لنا أنت قلت إن الصيرفة الإسلامية حرام.. فيجب التوضيح أن الحلال هو الغالب في الصيرفة الإسلامية والحرام هو الغالب في الصيرفة التقليدية، لكنني أقول إنه في النهاية لا فرق في الغايات والمقاصد التي تحققها كلتا المؤسستين الإسلامية والتقليدية. لذلك بالنسبة للنظرية الاقتصادية الإسلامية فهي حاليا غير موجودة، وتحقيق مقاصد الشرع غير موجود، وليس هدفا في أجندة هذه المؤسسات. ونتيجة لذلك؛ نجد أن المجتمعات المسلمة تتحدث عن المصرفية الإسلامية، وتقول إن المصرفية الإسلامية لم تقدم لها شيئا، فلم تقدم لها ما كانت نظرياتها تبشر به، من أنها قائمة على الربح والخسارة، وأنها تؤدي إلى توفير الوظائف..إلخ، لكن هذه نظريات، فالتطبيق الواقعي حاليا يقول إن المصرفية الإسلامية مصرفية رأسمالية بثوب إسلامي، فهي لا تقدم خدماتها إلا للأثرياء والمؤهلين، وتقدم خدماتها بأسعار تتقارب أو أعلى من الموجودة في السوق. ومن ثم لم تقدم شيئا يذكر للمجتمعات المسلمة، فلم نجد المصرفية الإسلامية مثلا أنشأت بنوكا للفقراء أو بنوكا لدعم الشركات المتوسطة والصغيرة أو شركات رأس المال المخاطر، وهو مجال تنشط فيه المصرفية التقليدية، ففي أمريكا ثلاثة أرباع قطاع الأعمال قائم على التمويل البنكي، سواء الشركات المتوسطة أو الصغيرة أو الكبيرة، وسواء المهنيين والحرفيين، لكن في المنطقة العربية نجد أن البنوك تخصصت في خدمة الأثرياء من أصحاب رؤوس الأموال، فأصبح المال دولة بين الأغنياء في حين قال تعالى ''... كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم''، فهذا مخالف تماما للنص، والمصارف الإسلامية تخالف هذا النص، فأين تحكيم شرع الله، أم أن التحكيم لشرع الله جزئي وانتقائي؟! هناك انتقادات توجه إلى أعضاء الهيئات الشرعية، خاصة ممن يشغلون عديدا منها، هل لديهم فعلا الوقت الكافي للقيام بمهامهم على هذا النحو، ناهيك عن الالتزامات الأخرى؟ وأين الجيل الجديد من المشايخ والعلماء؟ دعني أؤكد لك أن إحدى أهم المعضلات التي تواجهها المصرفية الإسلامية اليوم أنه أصبح لدينا في الهيئات الشرعية نجوم، كما هو الحال في مجال كرة القدم، تستقطبهم المؤسسات المالية كما تستقطب الأندية الرياضية هؤلاء النجوم، لا بل يجري التنافس عليهم، ولأن المؤسسة المالية مؤسسة باحثة عن الربح أولا وأخيرا، فإن اختيارها أعضاء الهيئة الشرعية يكون قائما على أساس هذا الدافع، وهو تحقيق أعلى ربح ممكن من وجود هذه الهيئة، فالمؤسسة المالية تتعامل مع الهيئة الشرعية كأداة لتسويق منتجاتها وتحقيق الربح المنشود، وهذا لا يتحقق في نظر المؤسسة المالية إلا بوجود أحد هؤلاء المشايخ المشاهير في هيئتها الشرعية. لذا نجد تركز هؤلاء المشايخ المشاهير، إما أن يكون تركزا محليا بحيث تحرص المؤسسة المالية على استقطاب أشهر المشايخ محليا إذا كانت المؤسسة المالية محلية، وإما تركزا عالميا إذا كانت المؤسسة المالية عالمية، حيث تسعى المؤسسة إلى استقطاب أشهر الأسماء العالمية في هذا المجال، فهي تأخذ من كل قطر تعمل فيه أشهر المشايخ في ذاك القطر. وعليه فإن اللوم لا يقع على المؤسسة المالية؛ لأنها كما أسلفنا مؤسسة ربحية تسعى إلى تسويق منتجاتها، لكن الملام في وجود هذه الظاهرة هم هؤلاء المشايخ المشاهير الذين يقبلون تعدد عضوياتهم بهذه الصورة ما بين شركات تأمين وبنوك ومؤشرات مالية وصناديق استثمار وشركات استثمار وشركات عالمية ومحلية ومؤسسات تنظيمية مثل هيئة المحاسبة والمجامع الفقهية وغيرهما، بحيث أحصي لأحدهم أكثر من 100 عضوية، فبالله عليك أين يجد مثل هذا العضو ـــ وهم كثر ـــ الوقت الكافي لدراسة ما يعرض عليه من حالات، خصوصا أننا نعلم أن القطاع المالي المعاصر معقد جدا، فدراسة حالة واحدة في الصكوك أو بعض المنتجات في قطاع الشركات تحتاج إلى أسابيع أو شهور.
إنشرها

أضف تعليق