مذكرات مبتعث 27 : "لماذا ابني يحب المدرسة؟"

مذكرات مبتعث 27 : "لماذا ابني يحب المدرسة؟"

رغم ما سببه لي ارتباطي اليومي بإيصال أولادي للمدرسة – الانجليزية – من إزعاج و لخبطة و تعارض مع محاضراتي وإحراج حين أحضر محاضرة التاسعة متأخرا إلا أنني كنت أشعر بسعادة عارمة في المدرسة الانجليزية التي مازالت من أجمل ذكريات غربتي! سأطلب من أولادي يوما تسجيل ما تعلموه من تلك المدرسة و سأتكفل أنا بإخباركم بشيء يسير مما تعلمته و لن أنساه. يعلم الأهل معاناة إيقاظ أولادهم للمدرسة صباحا و كيف توقظ احدهم لتجد الآخر عاد إلى فراشه و إن كانت زوجتي هي التي تتولى هذه المهمة إلا أني كنت اكتوي بنار تقاعسهم, لكن ذات يوم تفاجآنا بابني سعد يفز من سريره و ينطلق بسرعة للحمام – أجلكم الله – ثم يرتدي ملابسه بسرعة الصاروخ و يسحبني بسرعة قائلا يالله يا بابا ما نبغى نتأخر! كان الآمر مدهشاً للغاية توقعت أن الحصة الأولى رياضة قياسا على الشيء الوحيد الذي كنا نحبه في المدرسة لكنه قال : بابا أنا اليوم السبيشل هلبر "special helper" بلكنته الانجليزية التي لا أجيدها! ذهبنا إلى المدرسة و كنت أعتقد انه سيكون العريف على الفصل لتسجيل المشاغبين – مازلت اجتر الماضي في تفكيري – أوصلته وأخواته و كنت امسك بيده حتى لا تصدمه السيارة فهو في غاية الحماس و الاندفاع و ما أن وصلنا المدرسة حتى انطلق إلى الفصل و أوصلت التوأم إلى فصلهن مع قبلة التوأم ثم ذهبت أتقصى الحقائق فكان الخبر! سعد القرني اليوم هو المساعد الخاص لمدرسة الفصل حسب الجدول المعد لكل الطلاب و عليه اليوم تولي قيادة زملاءه و اختيار مساعديه طوال اليوم لعدة مهام يتولاها هذا اليوم مثل إحضار و إعادة كشف الحضور من الإدارة و الخروج للفسحة و حصة الرياضة و الغداء و العودة من ساحة اللعب إلى الفصل و قد رأيته شبلا – يذكرني بطفولتي – يسير قائدا للفصل مزهوا بنفسه تتحدث معه المدرسة و يحترمه الطلاب ويعرف معنى القيادة و اختيار الأعوان وهو في الصف الثاني الابتدائي! ذات المشهد تكرر مع بنياتي – في التمهيدي – وكل واحدة منهن كانت قائدة لفصلها و تمتعت بقيادة الفريق و اختيار المساعدات في مشهد رائع لا تصفه الكلمات يتخطى بالتلميذ كل المناهج إلى فن صناعة الإنسان و بناء الذات و صقل الشخصية و أتمنى أن تتبنى وزارة التربية و التعليم فكرة المساعد الخاص التي لن تكلف ريالا واحدا لكن أثرها التربوي كبير! كثيرة هي الدروس و المشاهد الرائعة منها ذات مرة رأيت المديرة استوقفت طفلتين كانتا تجريان بين الفصول فاستوقفتهم ثم سألتهم هل من المفترض أن نجري أم نمشي هنا؟ فقالتا : نمشي! قالت هيا و أشارت بيدها! فعادا إلى حيث كانا – وكأني أشاهد حركة إعادة بطيئة للمشهد – ثم أتين ماشيات بهدوء و سكينة و لم أسمع من المديرة صراخا ولم يكن بيدها عصا لكن للمدرس احتراماً كبيراً و هيبة هي جزء من "ثقافة البلد" وللمعلومية فأفراد البوليس يسيرون بلا سلاح لكن لهم هيبة كبيرة فما السر؟ النشاط اللامنهجي في المدرسة هو جزء أساس لا يعتبر ترفا و لا ترفيها بل يمزج بالهدف التعليمي فتصبح المدرسة مكانا محبوباً للطلاب – و آبائهم مثلي – ولازلت أتذكر أفضل مدرس درسني في حياتي و هو "الأستاذ توفيق " مدرس الفنية الذي حببنا في الرسم بل في المدرسة حين كان يتعامل معنا بطريقة مرحة ترفيهية حتى إني تركت الرسم من الصف الرابع حين أتوا لنا بمدرس أخر! من أبرز ما لاحظته في الانجليز هي حسن الخط – حتى الأطباء تستطيع قراءة خطهم في وصفة الدواء – والقدرة على الرسم بطريقة ممتازة و اعتقد أن السر في ذلك يعود للمدرسة وأتذكر أن أول نشاط بدأه سعد في المدرسة مع المدرسة هو أن يرسم كل تلميذ نفسه بالنظر إلى المرآة ثم تعلق صورهم في الفصل و يتكرر المشهد طيلة أيام السنة حتى إذا جاء آخر يوم جمعت المدرسة كل مساهمات التلميذ ليعود بها إلى ببيتهم ولا يوجد في المدرسة كلها لوحة واحدة كتبت عند خطاط بل كلها من عمل الطالب نفسه أقول ذلك بمناسبة كتابتي قبل أيام أول لوحة لأبني في المدرسة عن صاحب السعادة والمعالي الأستاذ" المفعول المطلق"!
إنشرها

أضف تعليق