Author

اليمن.. بعد الرحيل!

|
اليمن يستعد لما بعد الرحيل، رحيل الرئيس.. فالجنرال نرجو أن يخرج من متاهته، وهي المتاهة التي تكاد تعصف باليمن، وفي هذا البلد الشقيق ظللنا نترقب الأحداث وكلنا خوف أن ينزلق في حرب أهلية، فمناظر الجرحى والقتلى كانت مخيفة، فقد استمرت الجموع تتظاهر سلمياً والجيش وقف محايدًا، وحتى الرئيس الذي يطالَب بالرحيل ظل يتحدث عن الدستور والقانون والتحول السلمي، وهو ما نرجو أن يتحقق، وعموماً الشعب اليمني يستحق الإعجاب، فرغم الأسلحة الخفيفة والثقيلة التي هي في متناول الجميع، إلا أن الناس نزعت إلى السلم وجنحت إلى الاستماع لوساطة أشقائهم في الخليج، فهمُّنا أن يخرج اليمن من متاهته بأقل الآلام. والآن ومستقبلاً .. الناس في بلادنا اليمن بعد رحيل الرئيس صالح عليها أن تستعد لجولة حاسمة في البناء، فقد انهار سد مأرب في التاريخ السحيق وتشتت اليمن، وفي تاريخنا المعاصر نرجو أن تكون الوحدة الوطنية السد المنيع الذي لا ينهار، فما زال في مدرجات الجبال الشاهقة وسفوحها المساحات الكبيرة للبناء والتعمير، كل ما يحتاج إليه اليمن هو العودة إلى روحه ليبدأ المشوار الذي قطعه في التنمية. وهذا ما يهم، وهو ألا يدخل اليمن في الحالة العربية التي شهدناها في عقود مضت، فالأنظمة التي قفزت إلى سدة الحكم نسفت الماضي وأعادت تشكيل الحاضر واختزاله في الحزب أو الزعيم أو الطائفة، ووضع الأمن فوق الجميع، وجيء بالناس إلى المخافر ليدونوا انفصالهم عن الماضي، ووضعت اعتبارات الاستقرار الأمني لتكون الموجِّه للدولة والمجتمع، ولذا لم يتحقق الارتقاء الاقتصادي ولم توجد مقومات الأمن السياسي أو الاجتماعي، وهذا ما يقود الناس إلى الشوارع الآن حيث البحث عن الخلاص. في اليمن هناك إنجازات على الصعيد الاقتصادي، وقد زرت اليمن قبل بضع سنوات لأكثر من مرة وتوقفنا في أكثر من مدينة وزرنا المصانع وشاهدنا إنجازات إيجابية في قطاع الخدمات، وطبعاً هذا لم يمنع من الوقوف على بعض صعاب الحياة ومصادر البؤس، فالناس هناك في كفاح لأجل البقاء، وفي اليمن ثمة مقومات تبعث الأمل في انتعاش اقتصادي وصناعي وزراعي، المهم أن يتجاوزوا الوضع القائم استعدادا للجهاد الأكبر، جهاد النفس والارتقاء فوق الجراح، ويستعدوا للقضاء على (صناعة القات)، فتطور هذه الصناعة هو أبرز الملامح السيئة للمرحلة الماضية .. هذا ما يقوله إخواننا في اليمن، فلا أحد هناك إلا ويتألم من ضياع الثروات الوطنية في هذه الصناعة المحتكرة الخطرة. أيضاً البناء السياسي جزء من ضرورات بناء الدولة، فالأحزاب والقوى السياسية ستكون أمام اختبار حقيقي لمعرفة صدقها ورغبتها في التغيير، وتأسيس مقومات الحكم الصالح، ومدى بُعدها عن التشفي والانتقام، وقد برزت ملامح إيجابية ومواقف مشرفة للمعارضة، فقد ظلت تطرح ضرورة التحول السلمي ولم تقد الشارع إلى صدام مدمر. أيضاً الجيش رغم انقسامه بين المعارضة والسلطة إلا أنه ظل محايداً، وهذا يُحسب لقياداته، ولعلها تستمر في هذا الموقف لتطور تقاليد وثقافة جديدة للجيش تجعله حامياً للوحدة بعيداً عن الاستقطاب السياسي، فالمعروف أن السياسيين، وفي إطار التدافع إلى السلطة، يتناحرون ويختصمون ثم يتحالفون ويتصالحون وبعد ذلك ينشقون على بعض، هكذا طبيعة السياسة، والمفكر الراحل الكبير زكي نجيب محمود في مذكراته (قصة عقل) ذكر أنه هرب من السياسة لأنه (رأى أن السياسي يؤمن بالفكرة ونقيضها في نفس الوقت)، وهو على حق، فستبقى السياسة ميدانا لإدارة الممكن والمستحيل! كذلك دول الخليج عليها الاستعداد لمشروع التنمية الاقتصادية في اليمن، ونرجو أن تستكمل جهود الوساطة والمصالحة بالإعلان عن مشروع طموح لبناء الموارد البشرية في التدريب الفني والمهني، وتدعيم مشاريع البنية الأساسية في التعليم. أيضاً الجالية اليمنية في دول الخليج عليها أن تسارع بإنشاء (صندوق) للإعمار في اليمن، وهنا ندعو رجال الأعمال إلى تبني هذا الصندوق وتوحيد جهودهم عبره حتى يبتعدوا عن تجاذبات الساحة السياسية هناك، فهذا ضروري لمستقبل العلاقات السياسية للشعوب في الجزيرة العربية. أما الشهداء الذين راحوا في مشوار التغيير والمطالبة بالرحيل، فقد كانت مناظرهم محزنة ومؤلمة، بالذات الشباب والأطفال، هؤلاء نرجو أن يتقبلهم الله كشفعاء وشهداء .. هكذا نحتسبهم، وواجب الوفاء للدماء التي سالت مرهون بمدى توجه إخواننا في اليمن إلى التسامي فوق الألم، فهذا هو الأهم وهو التحدي الأكبر، فهل نرى الحكمة اليمانية؟
إنشرها