Author

لماذا المجالس البلدية؟

|
تبدأ الانتخابات البلدية للدورة الثانية - بمشيئة الله - في 22 نيسان (أبريل) الجاري بعد تأجيلها سنتين عن موعدها المقرر نظاما. هل سيؤثر هذا التأخير سلبا في نظرة العموم نحو المجالس البلدية وعلى جديتها؟ وبالتالي هل سيقلل ذلك من حماس الناس في المشاركة في العملية الانتخابية؟ خاصة وأن الدورة الأولى أظهرت بوضوح قصورا تنظيميا يؤكده أداء باهت للمجالس التي تعمل في دائرة ضيقة جدا من الصلاحيات الإدارية والمالية والتشريعية ولا تتمتع بسلطات نافذة على البلديات التي يفترض أن تراقبها. ومع ذلك، فإن الأمر لا يتعلق بتطوير هذه العلاقة التنظيمية بين المجلس البلدي وجهاز البلدية في دائرتها الضيقة التي حددها النظام، بل يتعداه في تطوير مفهوم أوسع للإدارة البلدية ليشمل جميع قطاعات المدينة، وألا يختزل في الخدمات البلدية التقليدية دون الخدمات الأخرى. فالمفهوم الحالي للمجالس البلدية مفهوم ضيق يشكل عقبة كؤودا في تلبية توقعات المواطنين في التصدي لمشاكلهم الحاضرة واستيعاب التحديات المستقبلية. فطبيعة القضايا المحلية متداخلة ومعقدة وتتطلب حلولا شاملة عبر مجالس مسؤولة عن إدارة المدينة بجميع قطاعاتها. هذا الغياب لإدارة المدن الشاملة أثر سلبا على توفير الخدمات العامة بتكامل وشمولية لتفتقد التنسيق والجودة والكفاءة والفاعلية، والأهم الاستجابة لمتطلبات سكان المدن الحالية والمستقبلية. ولذا لم يكن مستغربا في ظل عدم وجود هيئة محلية مسؤولة عن إدارة المدينة أن نشاهد طرق وشوارع المدن على سبيل المثال تستباح صباح مساء بين حفر ودفن. هذا دليل واضح ومشاهد لغياب التنسيق، وما خفي أعظم؛ ففرص التنمية الاقتصادية المحلية تتضاءل وبالكاد يلتفت إليها، فهي ليست ضمن الأولويات؛ لأنها تحتاج إلى عمل جماعي مشترك، وهذا ما لا توفره المجالس البلدية بصيغتها الحالية، فهي لا تعدو في واقع الأمر أن تكون بمثابة لجان استشارية ملحقة بجهاز البلدية. وحتى إذا ما تم فصل المجالس عن الأجهزة البلدية ومنحت الصلاحيات اللازمة ستظل قاصرة عن تأدية دورها ولا تعكس مسماها الذي يوحي بأنها إدارة شاملة لكل قطاعات المدينة. لقد بات من الضروري إدراك أن نظام البلديات الحالي الذي مضى عليه أكثر من 30 عاما تعدى تاريخ صلاحيته ولم يعد حتى قابلا للتطوير ولا بد من صياغة نظام جديد ينطلق من رؤية ومفهوم جديد لإدارة المدن. رؤية تستلهم من فكر الملك الوالد عبد العزيز - يرحمه الله - الذي كان يؤمن باللامركزية والمسؤولية الشاملة من منطلق ''يرى الحاضر ما لا يرى الغائب''. فالقصد من أي عمل أو نظام عام هو تحقيق المصلحة العامة عند أعلى مستوياتها. فإصدار نظام أو التأسيس لمجلس ليس مهما في حد ذاته؛ إذ لا يعدو كونه إجراء ووسيلة، ولكن المهم إلى أي مدى يحقق مصلحة المواطنين الغاية العظمى ومقياس النجاح والفاعلية والتأثير النهائي. لقد كانت وزارة الشؤون البلدية والقروية تعتزم إصدار نظام جديد للمجالس البلدية، السبب الرئيس وراء تأجيل البدء في الدورة الحالية، إلا أنه لم يصدر وربما كان ذلك أمرا إيجابيا؛ لأن التوجه في صياغته اعتمد على تطوير النظام الحالي وليس إصدار نظام برؤية وأهداف وافتراضات جديدة تتناسب مع متطلبات العصر واحتياجات المجتمعات المحلية. فلقد أفرزت التجربة الأولى واقعا يخالف إلى حد كبير التصورات والتوقعات الإيجابية التي كان يحملها معظم المواطنين تجاه المجالس عند إعلان تفعيلها، وأصيبوا بخيبة أمل وأطاح بطموحاتهم وآمالهم ليبرز تساؤل في أذهانهم: لماذا المجالس البلدية؟ وهو تساؤل مشروع تمليه المتغيرات والمستجدات على الساحتين الداخلية والخارجية، وهو في الوقت ذاته محاولة جادة في التقريب بين الواقع والمأمول. السؤال استفهامي واستنكاري وتقريري، وربما تهكمي في آن واحد! سؤال يراود سكان المدن الذين يرون أو على أقل تقدير كانوا يرون في المجالس البلدية فتحا جديدا وآلية فاعلة في صنع القرار المحلي تهيئ الفرصة لمناقشة قضاياهم وتحديد أولوياتهم وتمكنهم من معالجة مشاكلهم. ولذا فالحديث عن المجالس البلدية وانتخاباتها لم يعد ترفا أو مسألة هامشية يتم تنظيمها شكليا، وإنما وسيلة مهمة وجادة ومهنية لإدارة وتنمية المجتمعات المحلية. هذه المجتمعات التي تطورت اقتصاديا وثقافيا وتغيرت فيها أنماط الاستهلاك ومستوى التوقعات وأصبحت تتطلب نظما إدارية تستوعب وتلبي احتياجاتها الحقيقية وليس البيروقراطية الورقية. من هنا، فإن تقييم المجالس البلدية مرتبط إلى حد كبير بمدى تمكينها من أداء أدوار ومسؤوليات جوهرية وواسعة تشمل جميع قطاعات المدينة، في هذا السياق يجب أن نعي أن تقصير المجالس وأعضائها أمر يتعلق في المقام الأول بالصلاحيات الإدارية والمالية والأدوار التشريعية التي يمنحها النظام وليس فقط الكفاءة في تطبيق النظام. في هذه المرحلة من النضج الثقافي والاقتصادي والسياسي الذي بلغته المجتمعات المحلية أصبح من الضروري إعادة النظر بأسلوب إدارة المدن والنظر إليها كوحدات سياسية/ اقتصادية وجذور للتنمية الوطنية وليست فقط مستقرات عمرانية. هناك ضرورة في تهيئة الظروف في المدن لإطلاق طاقات المجتمعات المحلية ودفع الأفراد والمؤسسات نحو المساهمة في جهود التنمية المحلية. هذا يستلزم التفكير خارج المعتاد والتركيز على التأثير النهائي لأي نظام يصدر لتطوير العمل البلدي وإدارة المدن. ربما كان توسيع دائرة سلطات البلديات لتشمل جميع قطاعات المدينة موضوعا حاضرا في ذهن المسؤول الأول عن الشؤون البلدية الأمير الدكتور منصور بن متعب.. كيف لا وهو المتخصص في الإدارة العامة تنظيرا وممارسة، إلا أنها خارج مسؤولية وزارة البلديات والشؤون القروية، وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة إصدار نظام للإدارة المحلية يحدد الأدوار والمسؤوليات ويوحد المرجعيات وينسق العلاقة بين المجالس البلدية والمحلية ومجالس المناطق وفروع الأجهزة المركزية في المحافظات والمناطق.
إنشرها