Author

جامعة الشعوب العربية

|
■ حتى تتواصل الرؤية حول إعادة تكوين البيئة السياسية في منطقة الشرق الأوسط عبر إطلاق (حلف للتعاون والأمن والسلام) يقوم على دول الخليج العربي مع تركيا ومصر وباكستان وهو ما تحدثنا عنه في حلقات سابقة.. بالذات بعد اتضاح خطر القوميتين اليهودية والفارسية على المنطقة، هذه المظلة الاستراتيجية للتعاون في المنطقة يكملها ويدعمها ويعزز مكتسباتها التفكير الجاد بإعادة النظر في آلية وهيكل عمل وفلسفة جامعة الدول العربية، فالظروف المصيرية الكبيرة التي يمر بها العالم العربي في إطار تطبيقات النظام العالمي الجديد، هذه تستدعي تحويل الجامعة لتكون (جامعة الشعوب العربية). لماذا التحول من استخدام (دول) إلى (شعوب)، ما الفرق، ما الظروف الموضوعية لذلك؟ لقد قامت الجامعة مع فورة الدولة الوطنية التي ترتبت على انتهاء الاحتلال للقوى الأجنبية التي استسلمت لمطالب الاستقلال للكثير من الدول العربية، ومن هذا المخاض العسير، نمت البيئة السياسية في العالم العربي محرومة من ظروف التنشئة الطبيعية للنظم السياسية، فالانسحاب السريع للمستعمرين خلف اقتصاديات مشوهة وقوى سياسية مقسومة نفسيا ومستقطبة فكريا، وشعوب بدون خريطة طريق للمستقبل.. هذا الواقع المشوه أدى إلى بروز (نظم سياسية انقلابية) جاءت على ظهر دبابة ترفع علم الحزب الواحد أو الطائفة الواحدة، وهذه اختزلت الدولة في شخص الزعيم، فبدأت من يومها رحلة الاغتراب بين الناس والدولة والذي عبر عن نفسه إما بهجرات خارجية أو بالانسحاب إلى ظل الحياة العامة بعيدا عن سطوة الدولة البوليسية، وهذا يفسر لماذا أغلب الشعوب العربية تنظر للجامعة على أنها ممثل لأنظمة ولا تمثلهم، لذا لم تنجز الجامعة ما تتطلع إليه الشعوب من تحقيق للتكامل الاقتصادي وتطور في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، أو دور حيوي تقوم به الجامعة لحماية الأمن القومي العربي.. لقد تحولت الجامعة لسنوات طويلة إلى منظمة للانقسامات وتصفية الحسابات، هكذا هي في الذهنية الشعبية العربية! الآن المنطقة تتجه إلى حقبة جديدة من أبرز ملامحها تطور الوعي السياسي للأجيال الجديدة التي ترى شرعية النظم السياسية بصورة مغايرة عن الجيلين السابقين، والأجيال الجديدة مع تطور وسائل الاتصال تعيد تعريف النظم السياسية في العالم أجمع، فالاندماج الكبير بين وسائل الاتصال وثورة المعلومات يتجه إلى تحويل الإنسان العادي ليكون (وسيلة إعلام) بحد ذاتها، فالإنسان العادي يستطيع أن ينشئ له موقعا خاصا على الشبكة العالمية ويتواصل عبر ''التويتر'' و''الفيس بوك''، ويعبر عن أفكاره عبر المدونات، ويبث الأفلام عبر ''اليوتيوب''، وينشر في الصحف ويتحدث في التلفزيون والراديو.. إنه فضاء مفتوح للإنسان للتواصل والتفاعل، يتجاوز الحدود والقيود. أيضا نحن في حقبة من ملامحها اتجاه القوى العظمى والكبرى إلى اكتشاف مجالات جديدة للتعاون بدل الصراع على الموارد، خصوصا بعد بروز حقيقة أن (الإنسان) المتعلم المتدرب والمنضبط هو أيضا ثروة ورأسمال، لذا العالم بنظامه وأفكاره الجديدة يتجه إلى التعاون بين مراكز الصناعة وتوليد الثروة، وبين مناطق الثروات الطبيعية وبين مناطق الأسواق المستهلكة الكبيرة، أي ثمة ذهنية ترى تحويل (التحديات إلى فرص) للتعاون والاستثمار. العالم العربي يقع في مناطق الاستقطاب الثلاث هذه، فلدينا أكبر حصة من موارد النفط، ولدينا أسواق وطبقة سكانية مستهلكة ولدينا بيئة وثقافة صناعة يمكن الانطلاق منها، وكل هذه المصادر فيها مزايا وخدمات تتيح الاستفادة المتبادلة بيننا والعالم، ولكن تحقيق ذلك مرهون بقدرة المجتمعات العربية على تجاوز التحديات الرئيسة التي تواجهها، وطبعا يبرز أكبر تحد الآن هو (الدولة)، فالشعوب تريد (صياغة عقد اجتماعي) جديد يعطي الشرعية السياسية والقانونية للدولة لكي تقوم بدورها. هذا التطور القادم هو الذي يوجد الضرورة إلى إعادة صياغة ميثاق الجامعة العربية ليعكس فلسفتها وأهدافها انطلاقا من البيئة المحلية والدولية الجديدة، وهذه المهمة الكبيرة لن يقودها ويطلقها الآن إلا مصر ومعها دول الخليج. ربما نحلم بمبادرة.. وعموما هذه منى وأحلام.. إن لم تتحقق فقد تسامرنا معها، فنحن (نعلل النفس بالآمال نرقبها.. ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل).
إنشرها