Author

إنهم يخطفون سعادة معلم و معلمة !

|
أهلاً بكم في مقتطفات الجمعة رقم 391. حافز الجمعة: ربي لا نطلبك حياةً أسهل، وإنما نطلبك ناساَ أشدّ، لا نسألك مهماتٍ على قدر استطاعتنا، نسألك استطاعةً على قدر مهماتك. عندما أقرأ تعطـّف رسائل من المعلمات اللاتي يطالبن بالتثبيت على وظائف رسمية، أتعجب. ما هذه الأمة التي تريد أن ترتقي بمعارفها، وتخطط كي تصعد بأجيالها، وهي تجعل من المعلمة أو المعلم متضرعين منكسرين يشحذان حقهما شحذا؟ نحن بذلك لا نقوم بمهمة بقدر استطاعتنا، ونحولها مهمةً مقطوعةَ الطرق بإرادتنا، ونقيم المتاريسَ ضد أن تسير عجلة المعرفة والتنوّر بإهانة المعلمة بالذات. تأتي القراراتُ الملكية وهدفُها الأول إرضاء وإسعاد الناس حتى لا يضطرون للمعاناة طلبا للحقوق، ونجد تلك الصور والمشاهد تطير بالأخبار عن مئات المعلمات يتقاطرن من كل فجّ، ليتجمعن أمام مباني الخدمة المدنية في أكثر من منطقة بالبلاد.. هل هذا منظرٌ يريد أن يراه ولي الأمر؟ هل هي مناظر تُرضي الله؟ أحيانا أود أن أكسر جمجمتي على أقرب حائط من قرارات تحيل السعادة البسيطة إلى مأساة كبيرة. ولنفرض الحرص المالي، وضبط النظام.. فكم من الصرف يعني سيكلف ميزانيتنا أن نعطي المعلمات أقلّ ما يستحققن؟ وليتنا مثاليون نتحكم بضبط الصرف في كل شيء. لو كنتُ مسؤولاً مخيّراً حتى على خرق النظام من أجلهن.. لما ترددت. لو جاء من يقول: "لو كنتَ في مكان صاحب القرار لما قلتَ ما قلت".. أقولُ: "فليكن إذن أفضل مني!". شخصية الأسبوع: ما غيرهم! الفتياتُ والفتية السعوديون.. مرّة أخرى. في "الدوحة" بمنطقة الظهران فقدت عائلةٌ طفلها فيصل، وراحت المحاولات الأولية هباء للثور عليه بالطرق "المعتادة". وصل الخبرُ لأحد الشباب (حلفني ألا أذكر اسمه، وها أنتم ترون درسا للتفاني) وضعه "هاش تاق" على التويتر.. والذي صار بعد ذلك عجبا. تطاير الخبرُ وشارك آلافٌ من كل أنحاء المنطقة الشرقية والمملكة بحملةٍ لوجستيةٍ بإحداثياتٍ متتابعة حتى لا تتراكب مناطق البحث، ونزلوا على الأرض بحثا عن الفتى الضائع .. وقامت الفتياتُ بطبع آلاف الصور لفيصل ووزعت في كل أنحاء المدن. تجمع الشبابُ بالعشرات في ميدان صغير في الدوحة يسمونه ميدان "برجركنج" لدراسة الخطط واستراتيجية وتكنيكيات البحث.. وانظروا أن الشباب السعودي يعرفون التنظيم والتجمهر والتجمع متى ما أرادوا، ولكنهم وهنا مصدر فخر آخر يتمتعون برصانة عقلية ورزانة سلوكية وبعد فهم، ورحم الله من هزأ بجيل التويتر والفيسبوك والحزام الساقط (!) المهم، مع انتشار صورة فيصل وتوزيعها في كل محل وميدان ومكان.. تواردت الرسائل: "أنا رأيته في البندرية"، "فيصل صلى بجانبي بمسجد حي وزارة الخارجية اليوم المغرب"، وتوزعت الفرقُ في دوائر تضيق وتضيق، وفي ساعات قليلة تم العثور على الصبي التائه. وفي ذاك الميدان لما جُمع الصبيُّ مع عائلته، بكى الأبُ وقال للشباب المتجمهرين: "أنتم العملة النادرة". يثبت شبابُنا أنهم أخذوا على عاتقهم مُهمات كنا نظنها فوق قدراتهم. والأروعُ، أنهم اختاروا المهماتِ الصعاب اختيارا، وليس تعييناً! ويقومون بأذرعتهم الشابة بإزالة العوائق ورصف طرق جديدة.. هم كمن يقول: "اللهم لا أدعوك أن تخفف عني العبءَ، ولكن أعطني أكتافا أوسع كي أحمل أثقل". هؤلاء شبابُكم، أصحاب المهمات الكبار، صانعو الأمة.. وبتوفيق الباري سيصونون استقرارها وأمنها وازدهارها. ويسأل معلم الرياضيات الأستاذ "علي البيشي": "هل صحيح أن الكنيسة حرّمَتْ الرقمَ العربي بأوروبا؟" هل تصدق يا علي لم نجد ما يثبت أن الكنيسة حرّمت الرقم العربي عندما كان الرقم الروماني هو المنتشر في أوروبا. والغريب أن عدم انتشار الرقم العربي (نحن نستخدم الرقمَ الهندي، لا العربي!) كان بسبب أن نقابات التجار في أول النهضة بالبندقية وجنوا بإيطاليا حرّمتْ استخدامَ الرقم العربي.. لماذا؟ أقول لك. كان الرقمُ الروماني صعب التزييف في السجلات بينما الرقم العربي سهل التزييف والتحوير، يعني حين تريد أن تكتب هذا المبلغ بالرقم العربي 1979: سيكتب بالرقم الروماني هكذا mcmlxx1x وهنا سيكون التزييفُ أمراً صعباً. ولم ينتشر الرقمُ العربي في عموم أوروبا إلا لما وجد التجار السكسون أنه أسهل في العمليات الكبيرة، والدقة في الفواصل والكسور، وكان ذلك في القرن الثامن عشر. ولمعلوماتك، يسمونها في الغرب: "الأرقام العربية" Arabic numerals. وتتابعا مع سؤال الأستاذ علي، فإن عالم الرياضيات السويسري "ليونالد" كان أخصب عالم رياضيات في التاريخ إنتاجا، ومعجبا بالعقلية العربية الرياضية الحسابية الهندسية.. وكان صاحب ذاكرة فوق الخيال تسترجع آلاف المخطوطات والدراسات والمعادلات والنظريات في اللحظة، وألف كتبا لا يمكن تصوّر أن عالما واحدا من الممكن أن ينتجها بكل حياته ولو قضاها تأليفاً.. اشتغلت المطابعُ في طبع مؤلفاته ولم ينته طبع آخر واحد منها إلا بعد موته، بأواخر القرن الثامن عشر، بخمس وثلاثين سنة! لحظة! نسيت أن أقول لكم شيئاً: كان.. أعمى!
إنشرها