Author

جامعة البترول تستحق بالفعل لقب «هارفرد العرب»

|
أحرزت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن المركز الأول في محور العلوم الأساسية والهندسية خلال المؤتمر العلمي الثاني لطلاب وطالبات التعليم العالي المنعقد في مدينة جدة. وشكلت نسبة المشاركات البحثية المقبولة للجامعة في هذا المحور نحو 44 في المائة من بين جميع المشاركات المقبولة التي بلغت 57 مشاركة. كما نالت الجامعة الريشة الذهبية واستحوذت على نصف جوائز المحور الخاص بالعروض التقدمية. وحصلت على جائزتين من أصل ثلاث جوائز في الملصقات البحثية في محور العلوم الأساسية والهندسية للدراسات العليا. كما حصلت على ثماني جوائز في المشاركات الفنية وحققت النسبة الأعلى لعدد المشاركات البحثية المقبولة في المحاور الثلاثة الرئيسة للمؤتمر من بين الجامعات المشاركة كافة. وأريد قبل أن أبدأ مقالي أن أقدم التهنئة لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن ــــ مديرا وأساتذة وطلابا وطاقما إداريا ــــ على هذا التألق وهذا الإبداع، وأريد أن أهمس لكم فأقول: إن جامعتكم تحلق وحدها وتصعب مجاراتها، وهذا يحتم علينا أن نضع جامعتكم تحت المجهر ونتساءل: كيف برزت جامعة البترول بين كل الجامعات السعودية المشاركة في مؤتمر التعليم العالي. ما سر تألق جامعة البترول؟ وكيف استطاعت أن تضع نفسها مع الكبار فأعمالها وإنجازاتها تتحدث عن نفسها حتى أصبحت من مفاخر التعليم العالي في بلادنا وقبلة المتميزين من الأساتذة والطلاب والباحثين عن المعرفة. ما سر هذا الإبداع؟ رغم أن ميزانيتها تعد أقل ميزانيات الجامعات السعودية، وعدد كلياتها لا يتعدى أصابع اليد، في الوقت الذي نجد فيه بعض الجامعات تحوي ما يقارب 50 كلية. وفي هذا المقال نريد أن نتعرف على الأسباب الحقيقية وراء هذا الإنجاز. وحيث إنه من الصعب تغطية جميع الأسباب التي أوصلت جامعة البترول إلى هذا التألق في مقال أو مقالين، فإنني سأركز مناقشتي على أهم سبب من وجهة نظري وأترك البقية للباحثين في مجال الإدارة والتنظيم ولزملائي الكتاب الآخرين. أرى أن السبب الرئيس لتفوق جامعة البترول هو وضوح رسالتها. وقد تكلمت كثيرا عن أهمية صياغة "الرسالة" في بناء واستمرار واستقرار المنظمات، إلا أنني كنت استعين بأمثلة من منظمات أجنبية شرقية كانت أو غربية، ولكنني أراني مضطرا إلى إعادة عرض أهمية "الرسالة" في بناء المنظمات لتوفر المثال الناصع في بلادنا. يبدو أن جامعة البترول لديها "رسالة" واضحة لا تحيد عنها ولا يستطع أي مسؤول تربع على عرشها أن يغير وجهتها، لذا هي تعرف طريقها بالضبط وإن تعثرت في بعض الجوانب، فما هي إلا برهة وتنهض من جديد. وقد تكلمنا من قبل عن أن المنظمات ـــ ومنها الجامعات ـــ تقوم على مبدأين أساسيين: إما أن تقوم على مبدأ المنظمة الرائدة التي تبنى رسالتها بغض النظر عمن يكون قائدها، وإما أن تبنى نفسها على مبدأ القائد الفذ، فتبقى وتنمو وتتألق طالما بقي القائد وتهوي بسرعة مذهلة بمجرد مغادرته إما بتقاعد وإما بمرض أو موت أو غيرها. ومبدأ المنظمة الرائدة يحرر المنشآت من قيودها ومن ارتباطها بشخصية قيادية بعينها، لأنها تتمركز حول رسالتها، ولا يمنع ذلك من أن يقوم القائد بصياغة وترسيخ الرسالة ولكن ليست العبرة بصياغة الرسالة ــــ وإن كانت على درجة عالية من الأهمية ــــ بل العبرة بتثبيتها وترسيخها وهي مهمة تحتاج إلى مهارة قيادية عالية، وليعلم القائد أنه إذا نجح في تثبت الرسالة فلن يستطيع أحد تغييرها حتى هو. وترسيخ الرسالة هو الذي يربط العاملين بالمنظمة وينمى الانتماء والولاء لها ــــ وليس القائد ــــ وتجعل العاملين ينظرون إلى المنظمة كما لو كانت جزءا منهم يدافعون عنها، ويتفاخرون بها، ويطربهم الانتماء إليها ولا يريدون عنها بديلا. وهؤلاء يرون أنفسهم جزء من الصفوة لهم خصوصياتهم و يطلقون على أنفسهم أسماء تدل على الانتماء المبالغ فيه للمنظمة كما يفعل موظفو شركة "موتورا" عندما يطلقون على أنفسهم "الموتوروليون"، أو موظفو "نورستورم" عندما يطلقون على أنفسهم "النورديون"، ومنسوبو جامعة ستانفورد التي صاغت رسالتها بناء على رؤيتها في أربعينيات القرن الماضي بعبارة بسيطة قمة في التحفيز تمثلت في "هارفرد الغرب" تيمنا بجامعة هارفرد في أقصى الغرب الأمريكي. وهنا أريد أن أتوقف عند رسالة ورؤية جامعة البترول لنرى أين هي من هذه النماذج. ورغم أنني لم أطلع على الرسالة الحقيقية لجامعة البترول إلا أنني أظن أن "هارفرد العرب" قد تكون هي الرؤية الحقيقية التي تنير درب الجامعة، وقد امتزجت هذه الرؤية بالرسالة حتى أصبحت تمثل قيمها الجوهرية. وإن لم تكن هذه العبارة تمثل شيئا لجامعة البترول فإنني أرى أن "هارفرد العرب" يعد لقبا تستحقه إن لم تكن قد تخطته. أكرر التهنئة لهذه المنارة السعودية الشامخة ونتمنى من بقية جامعاتنا الحذو حذوها، وهذا ممكن، فكل ما في الأمر أنه يحتاج فقط إلى صياغة رسالة حقيقية والحرص على تفعيلها وترسيخها وبلورتها بشكل يضمن الإيمان بها عن طريق اختيار العبارات المحفزة وعدم الارتجال واستعجال النتائج. كما يجب التخلي عن فكرة الرجل أو القائد، فهذا فكر قيادي تقليدي يكفر به كثير من علماء الفكر الإداري القديم والحديث، إلا أنه ـــ مع الأسف ـــ لا يزال مزروعا في أذهان كثير من قياداتنا الأكاديمية.
إنشرها