Author

إدارة الأزمة على الطريقة القذافية

|
إن إدارة الأزمة أو إدارة الكوارث، آلية فنية بشرية للخلاص من التعقيدات السلبية التي تتعرض لها المؤسسات أو الدول، غير أن معمر القذافي يدير الأزمة في بلاده على نحو معاكس تماماً لما يجب أن تكون عليه، فهو بدلاً من أن يسعى إلى إطفاء الحرائق، ثابر على نقل الحريق من مكان لآخر، وأخذ يوجه الرصاص إلى صدور شعبه، والمدافع والصواريخ والدبابات لتدمير منشآت بلاده. لقد أعطى العالم العربي القذافي فرصة ترتيب بيته، لكنه بحماقة راح يعيث خراباً فيه، وينشر الفوضى في جنباته، ما جعل الجامعة العربية تجد نفسها مرغمة على حماية الشعب الليبي الشقيق وحماية مقدراته الاقتصادية وتطلب من مجلس الأمن التدخل في تنفيذ حظر جوي يحول دون مضي القذافي في القصف والإهلاك ببرودة دم وحماقة عُهدت فقط عند طغاة باتوا أساطير بائسة في التاريخ مثل نيرون روما!! لم يكن العرب راغبين في أن يروا طيران الغرب العسكري يجوب بحر ليبيا وصحراءها، يقصف هنا وهناك لإيقاف زحف مرتزقة القذافي وكتائبه الغاشمة، غير أن العرب وقعوا في اختيار لا بد منه، وهو إما إبادة ليبيا وشعبها وإما اللجوء لقوى دولية قادرة على إيقاف هذه الكارثة من خلال قرار دولي صادر عن الأمم المتحدة. اليوم بعد سلسلة أعمال الحظر الجوي تمت إصابة الآلة العسكرية للقذافي بالشلل ودُمرت مواقع قدرات دفاعاته الجوية، لكن طاحونة الرعب ما زالت مستمرة عبر القنص والقصف، وعبر خلط جنوده ومرتزقته بالدروع البشرية المرغمة على الانحشار، حيث تساق، مما يفاقم من متاعب الشعب الليبي، ويزيد من صعوبة تخليص ليبيا من رعونة وجنون تآمره على شعبه، غير عابئ بكل ذلك. إدارة الأزمة على الطريقة القذافية وضعت ليبيا في مهب رياح احتمالات مفزعة، بينها حرب شوارع ومدن، وتحصن القذافي في باب العزيزية ومحيط طرابلس أو دخول بعض الدول الإفريقية على الخط، ومن ثم احتمال تنفيذ أعمال برية من بعض دول التحالف، بما قد يستنسخ الحالة العراقية بقواعد متفرقة على أرض ليبيا، آخرون يضعون الصوملة احتمالا.. فأي إدارة أزمة أشنع وأبشع من الطريقة القذافية؟ القذافي يعرف أنه لم يعد معترفا به شرعياً في نظر العالم كله، وهو يعرف أنه لم يعد قادراً على وضع يده على مقدرات ليبيا الاقتصادية، وهو يعرف أنه ليس بمقدوره استخدام ما أخفاه من آلته العسكرية، وهو يعرف أن الجنود والضباط وأركان الحكومة حوله لا يربطهم به سوى أنهم رهائن عنده، وهو يعرف أن الجنود المرتزقة سيتضاءل وجودهم معه لعدم قدرته على الاستمرار في دفع الأموال لهم؛ ولأن البقاء إلى جانبه بات يعني هلاكهم، وهو يعرف أن خطاباته الهوجاء أكاذيب لا يصدقها حتى هو، وأن جمهورها حفنة من المغلوبين على أمرهم يحشرون للتصفيق ساعة التصوير فحسب.. إنه ليعرف ذلك وأكثر، لكنه أشبه بممثل التراجيديا اليونانية القديمة الذي يمشي للكارثة بقدميه.. مع فارق شاسع هو أن بطل تلك التراجيديا ينظر إليه وينظر هو إلى نفسه على أنه فعلا بطل، أما القذافي فرغم صراخه بأنه عميد الزعماء العرب وملك ملوك إفريقيا وغيرهما من الألقاب، فمن المؤكد أنه الآن لا ينظر إلى نفسه وحتما لا ينظر إليه العالم إلا على أنه منبوذ.. لأنه في التحليل النهائي ليس بشراً سوياً، وإنما مجنون كان من المفترض أن يوضع منذ سنوات طوال في العنبر الخطر في مصحة نفسية!!
إنشرها