Author

هل نتحمل الآثار البيئية من أجل الأنشطة الاقتصادية؟

|
لقد بدأ الاهتمام الدولي الآن بالمحطات والمفاعلات النووية في العالم بعد أن خلف زلزال اليابان ذعرا كبيرا عند أكثر الدول استخداما للطاقة النووية. تسونامي اليابان حرك العالم للحيلولة دون وقوع كوارث أكبر في المستقبل فيتحقق ما نخشى منه وهو ''إبادة البشر لأنفسهم بأيديهم'' لمجرد اختيار توفير الرفاهية للإنسان ببدائل تظهر ظن الإنسان أنه قادر على هذه الأرض في الاستفادة من مواردها لصالحه. الآن وبعد هذه النكبات التي توالت علينا أصبحت المجتمعات قلقة ولا تعرف كيف تستعد لتؤمّن مستقبل أجيالها من دون قيادتهم للدمار. كمؤسسات علمية وجهات تشريعية وتنظيمية أظهرت الهزة اليابانية أن تقدير الآثار البيئية لا بد أن يعاد حسابه، وأن معايير الأمان في حاجة إلى دراسات أعمق واشمل، وقد يكون تحويرها للاهتمام بالفرد كأساس هو ما يؤمّن عيشا أفضل للعقود القادمة. وبسؤال النفس كيف نتفادى الأوبئة المرضية والتلوث الإشعاعي والوهن الاقتصادي والتشويش الإعلامي... إلخ؟ يمكن أن نصبح مجتمعات تشكل عالما أكثر فهما لما حوله، وبالتالي شعوبا ناضجة تتقابل في مصالحها مع بعضها بعضا وتعي قيم معايير معيشتها فيكون للجميع الحق في العيش بالطريقة التي توفر الأمان للجميع، ولكن لا بد من إدخال عناصر جديدة للمعادلة ويعاد وضع الأوزان؛ حتى لا تكون المفاعلات والمحطات السلمية المتوقع تشغيلها في أنحاء العالم خلال السنوات المقبلة إضافة إلى رعب أكبر وخوف متواصل يحجب عنا الحلول الناجعة. الآن وقد عم الدنيا ضجيج حول إعادة الإعمار ومواجهة النتائج وإيجاد الحلول السريعة، ما الذي سيحصل خلال هذه الفترة أو بعد هذه الفترة؟. وما هي حدود الأذى والمقاييس التي تمكننا من الاستمرار في حياتنا بتوقع ما سيحدث من دون خوف أو رعب؟. هل يُبَرر قيام مثل هذه الأنشطة الاقتصادية لمجرد حساب أنها الخيار الأوحد؟. هل للبعض الحق في تملك أو حيازة المواد الأولية، في حين على غيرهم أن يطلبوا الإذن منهم في الاستفادة منها أو استخدامها؟. هل للبعض الحق في العيش في رفاهية ونمط معيشي نموذجي على حساب الآخرين؟. هل يتعظ أرباب القنابل النووية فيكون معلوما لديهم أنهم أول من ينتهي من على سطح هذه الأرض إذا ما تحركت الأرض تحت مفاعلاتهم ومحطاتهم كما حدث في ''تشرنوبيل'' ومن بعد ذلك في ''فوكوشيما''؟. تحت السحب المشعة لا شيء يمكن أن يعيش طبيعيا، وبالتالي أينما نتحرك علينا أن نحذر منها ولا نقلل من أهمية مخاطرها. فكيف سنعرف بتقارير يومية أو أسبوعية حقيقة أحوالنا الصحية والاقتصادية والبيئية؟، وما المعايير التي عندها يمكن أن نفزع أو نطمئن؟ ماذا يعني تحرك محور الأرض (10 سنتيمترات)؟ وهل يزحف المحور بمثل قوة هذا الزلزال فقط أم أنه يتحرك دائما بعد كل حركة زلزالية حسب قوتها خلال العام؟. وهل أعظم الأثر مقدر بالعلم والأرقام أم بمجرد الكلام؟ في الواقع يمكن لنا سرد الآثار ويمكن الإسهاب فيها، إلا أن دمار الإنتاج الزراعي والاتجاه نحو التصحر، واختلال المساحات المزروعة والمعمورة والبيضاء مع تصاعد تكلفة إعادة الإعمار والإنشاء والاستزراع، وهلاك الحياة البرية والبحرية، وانتشار الأمراض لاعتلال النظام المناعي في الجسم، وتغير أنماط الإصابات المرضية بتغير تراكيب ودورة حياة الكائنات المسببة للأمراض، وتساقط الأمطار محملة ذراتها بالإشعاعات والمواد الكيماوية السامة، وتلوث مياه الشرب... إلخ، أصبحت نتائج حتمية وآثارا ثقيلة على النفس البشرية. ناهيك عن الأخلاقيات إذا ما انتهكت، فتزوير الحقائق أو الالتفاف حولها لحفظ حقوق الدول الكبيرة لما تراه حقا مشروعا لها، وانتشار الفساد في كل منحى وتعامل، وزيادة التسلط على الضعفاء والفقراء، وسلب مقدرات الشعوب ومدخراتها وتعويم عمليات تقدير الخسائر والمغالطة في القيام بالحسابات التقديرية للمشاريع.... إلخ. كل ذلك يجعلنا نتساءل: ما الحلول المطروحة الآن في ضوء ما يواجهنا على مستوى المنطقة والعالم أجمع؟ حاليا على علمائنا العرب أن يساعدوا الإعلاميين ''المتسرعين'' في ترجمة ما يدور في العالم ويمكن الفرد العربي من امتطاء الجواد بكفاءة، فالأخبار المترجمة بحسن نية أو تسليط الضوء عليها بدهاء ماكر جعلت الانقسام الفكري حتى في بيوت الخبرة، وهي آفة تحتاج إلى إعادة نظر وتقييم. كما على هيئاتنا المتخصصة، وأهمها هيئة الغذاء والدواء أن تبذل كل الجهود في التصدي للقادم من الآثار. لا بد أن نتعاون في كتابة أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تحدث في مثل هذه الأوقات؟. ثم نتعلم كيف لنا أن نحاكي هذه السيناريوهات للوصول لفهم الواقع والاستعداد للتعامل معه باحتراف؟. يلي ذلك إعداد لمناظرة بين الخبراء والعلماء، وبين الخبراء وعامة الناس لإعطاء الموضوع حقه وتمكين الناس من التعاون مع المسؤول والعالِم لتخفيف الأوزان التي يحملها كل منهما على كاهله؟. فهل نوجه الأنظار نحو فقد القدرة على الإنجاب، أم تدمير بعض الخلايا الدماغية والتسبب في زيادة انتشار مرض الزهايمر؟ هل نحاكي حدوث الطفرات الجينية أم انتشار أمراض مزمنة مثل الربو وغيرها من الأمراض العصبية والنفسية؟ أم نسلط السهام على التنمية الاقتصادية؟ إنها قضية تتطلب عقد مؤتمرات مكثفة عن الآثار البيئية، والتغيرات الجيولوجية، والنتائج السلبية للتجارب الحيوية، والتعدد اللامحدود للأنشطة الاقتصادية. من ناحية أخرى، لا بد من نشر الثقافة، والتوعية بأساليب جاذبة ومحفزة، آخذين في الاعتبار سمات هذا العصر من السرعة في بث الأخبار والتفنن في الإعلان، والتأثير بالصور والرسومات والألوان، وتوفير ما يمكن أن يفيد الإنسان في كل مكان. والله المستعان.
إنشرها