Author

السعودة والقطاع الخاص.. تشريعات لدعم توظيف السعوديين

|
مختص في التمويل والتنظيم وأكاديمي
كما ذكرت في أكثر من مناسبة، يجب التعامل مع قضايا السعودة، وفق محاورها جميعا لا محور واحد، بحيث تكون الحلول شمولية لا جزئية، ولعلي في هذا المقال نتطرق لأحد هذه المحاور، لكني لا أزعم أنني سأتطرق لكل القضايا المهمة المتعلقة بقضايا التشريع، لكني سأشير إلى بعض منها ولعلي أشير إلى البعض الآخر في مناسبات لاحقة. 1- لا بد من التمييز بين الوظائف التي تتطلب عملا جزئيا، وبين الوظائف التي تتطلب عملا كاملا (دوام كامل أو دوام جزئي). فمن الظلم للمقبلين على سوق العمل من السعوديين أن تعرض عليهم وظائف في مطاعم الأكلات السريعة، ومن على شاكلتها على أنها وظائف مستقبلية، وتتطلب دواما كاملا. فغالبا ما تستهدف هذه الوظائف طلبة الجامعات، ومن على شاكلتهم بسبب أنها وظائف تتميز بمرونة في ساعات العمل، كما أنها تسهم في تقديم خبرة وظيفية لمن سيدخلون سوق العمل، خصوصا بعد الانتهاء من تحصيلهم الأكاديمي. هناك العديد من الوظائف المناسبة لطلبة الجامعة، التي تتميز بمرونة في ساعات العمل، ما يتيح للطالب التوفيق بين الدراسة والعمل، كما تكسب الطالب خبرة في التعامل مع الجمهور قبل تخرجه من الجامعة، ما يقطع الطريق على من يبالغون بالخبرة قبل التعيين. فمثلا شركة ستاربكس في أمريكا من أكبر الشركات التي تعتمد وظائف العمل بالجزئي، ما جعلها من أعلى الشركات التي يتغير فيها الموظفون بشكل سريع بسبب أن غالبية من يعملون لديها موظفو عمل جزئي. 2- هل تحديد مستوى أدنى للأجور سينعكس إيجابيا أم سلبيا على سعودة الوظائف؟ باعتقادي أن الإجابة على هذا السؤال ليست معادلة خطية من الدرجة الأولى، لذا فإن الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بمحاور أخرى تحدد مدى التأثير، سواء إيجابيا أم سلبيا. فتجارب الدول الغربية تخبرنا على التأثير المحدود لتحديد مستوى أدنى من الرواتب على الرغم من وجود سياسات تجبر الدول الأوروبية على أولوية التوظيف لدول الاتحاد الأوروبي، لكن يجب عدم تجاهل العوامل الاقتصادية الأخرى كمعدل مستوى المعيشة ونسبة الضرائب وغيرها. كما أن هناك محورا آخر مهما هو أن كل الدول المتقدمة تحدد الرواتب لديها على أساس طبيعة العمل لا الجنسية، بل إن اختلاف الرواتب على أساس الجنسية لمن يؤدون نفس العمل مخالف لمبدأ المساواة المكتوب من ضمن قائمة لوائح حقوق الإنسان الصادرة من قبل الأمم المتحدة، لذا لم يصبح تأثير تحديد مستوى أدنى من الرواتب له تأثر سلبي. لذا تجد أن قضية توطين الوظائف مرتبطة ليس بالرواتب، بل بالخبرات غير الموجودة في البلد، ما يجعل العاملين من غير المواطنين يشكلون إضافة وطنية. لا يريد رب العمل تعيين سعودي إذا أحس أن تكلفة استقدام غير السعودي أقل من تكلفة السعودي. لذا لا بد من وجود حد أدنى للأجور يتناسب مع تضخم المعيشة، ويكون على أساس طبيعة العمل لا الجنسية. الحد الأدنى يضمن مستوى معقولا من الحياة الكريمة، ولكن بالشروط المذكورة آنفا. ولعل تحديد مبلغ ألفي ريال قد أسهم في تحديد مستوى الحد الأدنى لرواتب العاملين في القطاع الخاص بصوره غير مباشرة فلن يقبل السعودي العامل في القطاع الخاص بمبلغ مالي أقل مما يمكنه أن يتقاضاه وهو في بيته، لذا يبقى السؤال في كيفية توظيف هذه الحقيقة من أجل زيادة نسبة السعوديين للعمل في القطاع الخاص لا طاردة للسعوديين من العمل في القطاع الخاص؟ 3- لا بد من أن تكون استراتيجية السعودة وهيئة الاستثمار متوافقتين، وقد دعيت إلى هذا التوجه في مقال سابق منذ أكثر من سنتين. فالعاملون في هيئة الاستثمار يسعون لتحقيق زيادة الحصة الاستثمارية في البلد، لكنها استراتيجية قد تتعارض مع استراتيجية السعودة. فالاستثمار الأجنبي يجب أن يدعم توظيف السعوديين لا طريقا للتهرب من السعودة. فللأسف أن العديد من المقيمين شكلوا تحالفا من أجل إنشاء شركتهم الخاصة، ومنافسة السعوديين الذين كانوا يعملون لديهم قبل فتح باب الاستثمار الأجنبي. فأصبحت بعض سياسات هيئة الاستثمار طاردة للسعوديين دون أن تشكل إضافة حقيقية للاقتصاد الوطني. ولعل مجلس الشورى أدرك هذه الحقيقة، وأوصى بتشريعات تصب في هذا لتوجهه. ولعل التعارض في بعض سياسة تشجيع الاستثمار الأجنبي، وسياسة السعودة أنموذج لما ذكرت آنفا من أن كثيرا من قضايا السعودة لا يمكن النظر إليها من زاوية واحدة، بل لا بد من وضع سياسات تحقيق التناغم بينها لا التنافر. 4- لعل التركيز على قطاع التجزئة كأحد أهم الأراضي الخصبة للسعودة مهم جدا في المرحلة الحالية بسبب أن شركات التجارة تشكل العدد الأكبر من عدد شركات القطاع الخاص، لكن تأتي بعد قطاع التشييد من حيث عدد الموظفين, فهذا القطاع يتطلب العديد من التشريعات. ولعلي سبق أن تحدثت عن هذا الموضوع في أكثر من مناسبة، كما أن بعض القراء مشكورين أرسلوا لي وجهات نظرهم القيمة حول هذا الموضوع، وسأشير إلى جزء منها في إحدى الحلقات القادمة. 5- لا بد من تحديد ساعات عمل القطاع الخاص، خصوصا في القطاعات المراد سعودتها، فمثلا قطاع التجزئة، والذي أشرت إليه آنفا يتطلب تحقيق هذا الهدف تحديد ساعات عمل تسهم في منافسة السعودي مع غيره. ولعل تجربة سعودة القطاع المصرفي وتغيير ساعات عمل البنوك لفترة واحدة واقتصار أيام العمل لخمسة أيام بدلا من ستة، أسهم في رغبة السعوديين في العمل في البنوك. وللحديث بقية..
إنشرها