Author

المياه التي يتناولها الناس غير صالحة للشرب (2)

|
تناولت في مقال الأسبوع الماضي تصريح سعادة رئيس جمعية حماية المستهلك المتضمن طريقة عمل مصانع المياه المعدنية في بلادنا، حيث بيّن التصريح أن ما يقارب من 99 في المائة من المياه المعدنية المصنعة في السعودية غير صالحة للشرب. والذي يدقق في التصريح يخطر في باله أن جمعية حماية المستهلك تملك من الصلاحيات ما يمكنها من سحب تراخيص المصانع المخالفة وتغريمها ومحاكمتها، فقد اختتم رئيس جمعية حماية المستهلك تصريحه بالتلويح والتهديد بالويل والثبور لمن يثبت تورطه في هذا. ويبدو من هذا التصريح أن الجمعية لا تدرك حجمها، ولا تعلم بالضبط ما هي مسؤولياتها، وما هي حدود صلاحياتها، ولا تعلم أنها الطرف الضعيف في ميزان قوى السوق الذي يتكون من المنتجين والموزعين ومن في حكمهم، وهو الطرف القوي في ميزان قوى السوق، خصوصا في سوقنا المحلية. والطرف الآخر هم المستهلكون والذي تمثله جمعية حماية المستهلك. وهي جمعية محدودة الصلاحيات، قليلة الخبرة، صغيرة العمر، لم تفعّل كثيرا من لوائحها وأنظمتها. كما أن كثيرا من المستهلكين لا يعلمون شيئا عنها، وإن علموا فغير مدركين ما هي مهامها بالضبط، بل إن الجمعية نفسها لا تعلم ما هي وظيفتها، والذي يدل على ذلك التصريح الذي سطره رئيسها الأسبوع الماضي والذي جعل الناس يسهرون جراءه ويختصمون. ورغم أن خبر المياه غير الصالحة للشرب تم نشره قبل أسابيع عدة، إلا أنه لم يؤخذ مأخذ الجد إلا بعد أن تم الرجوع إليه في بعض المقالات والتغطيات الصحافية. فقد كان له صدى في بعض الإدارات والوزارات المعنية وشارك عدد من المهتمين بالإضافة والاستفسار عن حقيقة الوضع، وقد خاطبني بعض المسؤولين المعنيين بالصحة والمياه لتوضيح الأمر واستجلاء الحقيقية. وقد انقسم من اطلع على خبر تلوث المياه المعدنية من قراء ومسؤولين إلى أصناف عدة. صنف أنكر الخبر جملة وتفصيلا، ويرى أن هذه مكيدة لزعزعة مصانع المياه الصحية في بلادنا، وأن انتشار مثل هذا الخبر سيؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني. وأنا أرى خلاف ذلك؛ فخبر كهذا سيهذب طريقة عمل مصانع المياه الصحية ويوحي لها من طرف خفي أن منتجاتها وطريقة عملها تخضع للرقابة الشعبية والإعلامية، إضافة إلى الرقابة الرسمية ولو أن هذه الأخيرة تكاد تكون معدومة. قسم آخر هوَّن من الأمر بطريقة ساذجة، وأراد أن يصحح محتواه بطريقة تثير الريبة. فذكر أن نسبة المياه غير الصالحة للشرب لا تتعدى 40 في المائة وليست 99 في المائة، كما بيَّنت جمعية حماية المستهلك. يرى هؤلاء أن 40 في المائة من مخرجات مصانع المياه الصحية في بلادنا غير صالحة للشرب، أي ما يقارب نصف مصانع المياه المعدنية في السعودية غير صالحة للشرب، ويرى هؤلاء أنها نسبة ضئيلة لا تستدعي القلق ولا التهويل ويمكن قبولها في الوقت الراهن. وأنا لا أدري كيف ينظر هؤلاء إلى الأمر، خصوصا في موضوع كهذا لا يقبل المجاملة، ولا التستر ولا تغيير الكلم عن مواضعه. فالمياه أهم عنصر يمس حياة الناس ونرفض أي نسبة للمياه غير الصالحة للشرب مهما كانت ضئيلة، ويجب أن تكون نقية 100 في المائة. قسم آخر يريدون أن يتأكدوا من الخبر، وهل بالفعل 99 في المائة من المياه التي يتناولها الناس غير صالحة للشرب؟ ومن حسن الحظ أنهم الأغلبية. هؤلاء يريدون أن يعرفوا حقيقة ما يجري، وهل المصدر الذي اعتمت عليه موثوق به؟ وقد بينت للجميع أن مهمتي لا تتعدى التعليق على إحصائية رسمية منشورة في وسائل الإعلام وليس من واجبي قياس مصداقيتها أو التأكد من صحتها طالما صدرت من جهة رسمية وتم نشرها في وسائل الإعلام الرسمية. وأريد هنا أن أتوقف قليلا لأقدم شكري وتقديري واحترامي لهؤلاء الذين يبحثون عن الحقيقية ويتفاعلون مع قضايا الوطن، خصوصا المسؤولين منهم. فقد أثلج صدري رغبتهم في استجلاء الأمر وحرصهم على سلامة المياه من أي شائبة أو تلوث أو سوء استخدام، وحق لكل مسؤول غيور أن يقيض مضجعه خبر كهذا. والمسؤول الفذ هو الذي يتابع كل شاردة وواردة وكل خبر حقا أكان أم باطلا؛ ليعرف بالفعل جودة الخدمة التي تقدمها وزارته والمسار الذي تسلكه منظمته. وحتى أخرج نفسي وإياكم من حالة الشك هذه، سأذيّل مقالي هذا بإعادة تصريح رئيس جمعية حماية المستهلك الذي بنيت عليه مقالي يوم الجمعة الماضي. يقول التصريح: "99 في المائة من المياه التي يشربها الناس في السعودية غير صالحة للشرب بسبب البرومات العالية ونسبة الصوديوم والأوزون"، وأضاف التصريح: "وإذا ثبت مخالفة المصانع فسنقوم بإغلاقها وحظر نشاطها وستقوم هيئة الغذاء والدواء بالتشهير بها وستكون النتيجة مقاطعة صامتة من قبل المواطنين"، هذا هو نص التصريح وأتمنى الرجوع إليه والتحقق من مصداقية محتواه، هذا وبالله التوفيق.
إنشرها