Author

بين عاصفة الصحراء وفجر الأوديسا

|
قام العراق بغزو الكويت في الثاني من آب (أغسطس) 1990، وهي سابقة خطيرة في العالم العربي وقعت بينما النظام الدولي يتحول من نظام الحرب الباردة إلى نظام مفتوح حينذاك ليؤول إلى القطب الآخر وهو الولايات المتحدة، فكان لابد من ردعه وإجباره على الانسحاب، فصدرت كل قرارات مجلس الأمن بدءا بالقرار 660 في اليوم نفسه تدعو العراق إلى الانسحاب طوعا مع تزايد جرعات العقوبات لعله يدرك فداحة ثمن هذا الغزو. على أية حال تشكل تحالف دولي أجنبي وعربي عريض أسهمت فيه مصر وسورية ضمانا لوجود مثلث النظام العربي مع أقطاب النظام الدولي، وسميت عملية "تحرير الكويت" عاصفة الصحراء لأنها تجمعت ثم انطلقت من الصحاري السعودية هدفها تحرير الكويت من الزاوية العربية، وما دام العرب قد عجزوا عن أن يطلقوا عاصفة خاصة بهم، فلابد لقائد القافلة أن يكون له الحق في تحديد الثمن الذي يقتضيه من الدول ومن المنطقة كلها. أنتم تريدون أن تعود الكويت وتستخلص من أحشاء العراق الذي غزاه وابتلعه وأنكر مجرد وجوده على الخريطة قبل ذلك، وحشد لهذه البشرى كل الرموز الإسلامية والقومية حتى لقد قيل أن غزو العراق للكويت كان ضروريا استعدادا للانقضاض على إسرائيل لتحرير القدس، فكان استعباد الكويت ثمنا لتحرير القدس، فاختلطت الأوراق، وبدأ البعض يقارن بين قيمة تحرير الكويت والثمن المدفوع فيه، كما بدأ البعض عند الغزو يقارن بين ثمن خضوع الكويت وابتلاعها وبين أمل تحرير الأقصى من غاصبيه، فكلنا للقدس هكذا خرج الخليج والكويت بدروس الغزو تحت طبول القومية والإسلام، فأساء الغزو إلى القومية والإسلام وكل المعاني السامية. ثم كانت عاصفة الصحراء بكل مكونات التحالف نسيم الحرية في الخليج والكويت، وأعقب العاصفة خروج ثعلب الصحراء من حين إلى آخر. أما عملية فجر الأوديسا فقد سميت باسم الإلياذة والأوديسا وهي من روائع الأدب الغربي ولأحد أبرز أدبائه. والاسم يشير إلى أن فجر الأوديسا هو بداية تحرر العقل الأوروبي ولعل التسمية تعني تحرر المنطقة من وهم القذافي خاصة أن العملية تنطلق وسط تصريحات أوباما المبكرة بأن القذافي فقد شرعيته، وأنه لابد أن يرحل، ففهم أن العملية هدفها إرغامه على خيار الرحيل طوعا أو كرها، بينما طالب الثوار بحمايتهم من هجومه وأما إزاحته فتتم بأيديهم حتى لا يقتضي التحالف الثمن لقيامهم بالعملية كلها. في عملية عاصفة الصحراء تم تحرير الكويت واستقرار القوات الأمريكية في المنطقة، وكانت مقدمة لغزو العراق فيما بعد، فكانت الحرية للكويت والاستعباد للعراق بسبب مغامرات النظام. مرة أخرى يدفع الشعب العراقي ثمن الاستبداد الوطني وثمن تخليصه منه بالاحتلال الأمريكي. في فجر الأوديسا، هل تهدف إلى دفع شرور القذافي حتى تسلم ليبيا إلى ثوارها مع كل التمنيات لهم بالتوفيق في ليبيا الجديدة؟ تقول قواعد العلاقات الدولية إن التدخل الإنساني هو الاسم الحضاري الذي يخفي بشاعة وجه المستعمر تماماً كما تقدم نابليون يبشر بقيم الثورة الفرنسية ثم زاد فأصدر منشورا بإعلان إسلامه، ولكنه دخل الأزهر بخيله وأراق دماء الأبرياء وضرب أنف أبو الهول فهل يسفر فجر الأوديسا عن صبح جديد أم عن كابوس جديد للشعب الليبي الصابر؟
إنشرها