Author

داء الصيانة والضمانات

|
لماذا يتم حفر الشوارع بين حين وآخر؟ ولماذا تنسد مجاري السيول في المجاري والأنفاق؟ ولماذا تصفر الريح من شبابيك المباني وهي بعد جديدة وتخر سقوفها وتتشقق أرضياتها؟ الأسئلة من هذا القبيل يمكن الاستمرار فيها من أكبر المشاريع إلى الأجهزة الكهربائية والإلكترونية المنزلية.. هناك علة تجمع كل ذلك اسمها مزدوج يجمع بين الرداءة والصيانة .. فلو أن شبكات الكهرباء أو الهاتف أو الصرف تم تنفيذها بمسؤولية الحرص على الجودة في التنفيذ والقابلية للعمل لأمد طويل، لما تعرض شارع للحفر مراراً، ولو تم الأمر نفسه في المجاري والأنفاق لما باتت تشكل قلقاً للعبور فيها عند أقل زخة مطر، ولو حدث الشيء ذاته للمباني لكان الأمر كذلك دون تخلخل في نوافذها وسقوفها وأرضياتها .. هذه بديهيات يعرفها أولئك المقاولون والمنفذون، غير أنه يتم غض البصيرة والبصر عنها .. لماذا؟ ببساطة كي تصبح مصدر ضرورة للصيانة يترتب عليها الحصول مقابلها على أموال جارية بين الحين والآخر، وطبعاً هذا السياق في الاستنزاف لموارد ميزانيات الجهات العامة والخاصة على نحو أقل، مرده أن التنفيذ تم بمعزل عن التفكير في الحساب والمحاسبة، وبالتالي الرقابة المالكة لصلاحيات التغريم المادي والمعنوي. إن المشاريع أو حتى الأجهزة المباعة في بلدان العالم تخضع لضمانات صارمة تحرسها قوانين حماية المال العام والخاص، وما من مشروع يتم تنفيذه في الدول المتقدمة وحتى بعض الدول النامية إلا وتكون شروط جودة التنفيذ ومسؤولية ما بعد التنفيذ أساسا في العقد والتعاقد، حتى إن ذلك نص على مسؤولية الصيانة على حساب المنفذ، فيما لو طرأ خلل ما، على نفقته، فضلاً عن تحميله تبعات الخلل من إرباك للعمل أو تأخيره، يصل أحياناً حد حرمان المنفذ من مزاولة المهنة أو التشهير مع الغرامة، والأمر نفسه ينطبق حتى على الأجهزة الكهربائية والإلكترونية المنزلية وسائر السلع من السيارات إلى الأثاث وكل ما هو من مقتنيات الناس وضمن مشترياتهم الضرورية، فالضمانات التي تُعطى لهم هي صكوك استحقاق غير قابلة للتلاعب والمماطلة ـــ كما هو الحال في مشاريعنا ومتاجرنا والوكالات بأنواعها. إن مرجعية الحساب والعقاب في المشاريع ينبغي أن تتولاها جهة رقابية فنية قضائية قد يشترك فيها ديوان المراقبة العامة مع ديوان المظالم، فيما على وزارة التجارة مع ديوان المظالم أن ينسقا فيما بينهما من أجل حماية المستهلك، في كل ما تُعطى عليه ضمانة سواءً سلعة صغيرة أو كبيرة. إن هذا الهدر في رداءة التنفيذ والبضائع والسلع واستحلابها الأموال في إعادات مكرورة للصيانة داء عضال لا ينجم عنه سوى زيادة في تدني كفاءة المنشآت والسلع .. إن هذا الهدر واستمرار سريانه على هذا النحو دون اتخاذ إجراءات حازمة عملية قبل الشروع في التنفيذ أو البيع، يشكل عطباً في حراك التنمية التي تقول باستدامتها، فكيف يستديم ما يولد عليلاً؟ وكيف يستديم ما لا توفر له أبجدياته الوقائية الصحية؟ إن التنفيذ والبيع والصيانة لا ينبغي النظر إليها إلا ككل واحدة وليس بمعزل عن الأخرى. إنها كل في واحد، بمعنى أنه لا ينبغي التنفيذ أو البيع بهدف الصيانة وإنما بأن تكون الصيانة مما تتحاشاه إلا بحكم ما هو بفعل تقادم الزمن أو ظرف طارئ لا قبل لنا برده .. وما لم تكن هذه الصيغة هي القانون والإجراء معا فلسوف يظل النزف للمال وللحقوق مستمرا.
إنشرها