Author

مكافحة الفساد.. الرئيس الإسرائيلي يُحكم عليه بالسجن 7 سنوات

|
يؤكد الحكم القضائي الذي صدر بحق الرئيس الإسرائيلي السابق موشي كتساف على مقولة للخبير القضائي والأكاديمي المحاضر في الجامعة العبرية ''موشي نغبي''، يعتبر فيها أن معظم قادة وساسة العدو الإسرائيلي ''فاسدين أخلاقياً''. ويمتلك كلامه سنداً بالنظر إلى تكاثر التحقيقات والفضائح، في السنوات الأخيرة الماضية، التي تخص ملفات وقضايا فساد المسؤولين الإسرائيليين. غير أن الحكم بحبس الرئيس الإسرائيلي السابق مدة سبع سنوات، بعد اتهامه بقضيتي اغتصاب وأعمال مشينة وتحرش جنسي، يدلّ، من جهة أخرى، على وجود جهاز قضائي قوي ومستقل إلى درجة كبيرة عن تدخل الساسة، ووجود جهاز رقابة ومنظومة مساءلة قوية وكبيرة ولعل أهمها مكتب مراقب الدولة العام، الذي يعتبره بعضهم بمثابة السلطة الرابعة. ويشير واقع الحال إلى أن الفساد هو ظاهرة موجودة في أغلب الدول والمجتمعات الإنسانية، وله أشكال مختلفة، سياسية واقتصادية وإدارية وأخلاقية وسواها، لكن مكافحة الفساد ضعيفة في الدول التقليدية والفقيرة، وتشتد في الدول التي تمتلك تقاليد في الديمقراطية والشفافية، وتمتلك مؤسسات الرقابة والمساءلة والمحاسبة على مختلف المستويات. ظاهرة الفساد ويعتبر الفساد ظاهرة قديمة، ارتبط وجودها بوجود النظم السياسية والدول، لذلك فهو لا يختص بشعب معين ولا بدولة معينة أو بثقافة دون غيرها من الثقافات. لكن حجم الفساد ودرجة انتشاره اليوم يختلفان من دولة إلى أخرى، فهناك فرق كبير في أن يكون الفساد استثناء في مفاصل الدولة ونظامها السياسي وفي أن يكون بنيوياً، حيث ينتج النظام نفسه آليات الفساد والإفساد في قطاعات الدولة والمجتمع. وتستحوذ كلمة الفساد على جانب مضلل في بعض الأحيان، بالنظر إلى حمولتها الأخلاقية، التي تشي بأن أساس الظاهرة يعود إلى خراب ضمائر بعض الأفراد أو المجموعات والنخب. لكن الفساد يعدّ ظاهرة عامة، بوصفه علاقة اجتماعية وسياسية، يرتبط بموازين القوى السياسية والاجتماعية والعلاقات السائدة، وبنمط الحكم والتراكم المادي في المجتمع المعني. وبشكل عام يمكن القول إن الأنظمة السياسية، الشمولية، تشكل تربة خصبة لنمو ظاهرة الفساد ولتغلغله في مختلف تفاصيل الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فيما يتناقص ذلك في ظل الأنظمة الديموقراطية التي تنهض على أسس من الشفافية تسمح بالمحاسبة والمساءلة أمام القانون الذي يحترم من طرف الجميع. وتوضح كل التقارير التي أصدرتها منظمة الشفافية الدولية أن أغلب البلدان العربية تحتلّ مراتب متأخرة في مستوى محاربة الفساد وانتشاره، حيث جاء في تقريرها عام 2010 أن قطر احتلت المرتبة 19، متصدرة ترتيب الدول العربية، فيما حلّت الصومال في المرتبة الأخيرة. واحتلت سورية المرتبة 127 عالمياً و15 عربياً، لتتراجع بذلك مرتبة واحدة عن العام الماضي، حيث حققت في تقرير الشفافية لعام 2009 المرتبة 126. وجاءت الإمارات في المرتبة 28، وعمان في المرتبة 41 والبحرين في المرتبة 48، والأردن والسعودية في المرتبة 50 والكويت في المرتبة 54، وتونس في المرتبة 59 وجيبوتي 91 ومصر 98 والجزائر 105، وجاءت وليبيا واليمن في المرتبة 146. وحلت السودان في المرتبة 172، وحلّ العراق في المرتبة 175. أما إسرائيل فقد احتلت المركز 22 في الفساد من بين الدول الـ 33 المنتسبة إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ولم يسجل مؤشر قياس الفساد أي تحسن في إسرائيل منذ عام 2007، حيث سجلت إسرائيل أعلى معدل للفساد في عام 1997. وتظهر تقارير منظمة الشفافية العالمية أن النزاعات والحروب وحالة اللااستقرار تعوق بشكل جدي الجهود المبذولة لمكافحة الفساد، وتساعد على انتشاره. إضافة إلى عوامل أخرى، مثل انعدام الشفافية وغياب الديموقراطية، والاستناد إلى شبكة تملك القوة والسيطرة، وتعمل على تعميم الفساد، ليصبح ظاهرة، تنتشر بشكل عمودي وأفقي. الفساد الأخلاقي الإسرائيلي يعتبر الحكم الذي أصدرته المحكمة المركزية الإسرائيلية في تل أبيب بحق الرئيس الإسرائيلي السابق حكماً في قضية لا سابق لها في تاريخ إسرائيل، لكن كتساف ليس أول مسؤول إسرائيلي يحكم عليه بالسجن على خلفية ارتكابه جرائم جنسية، كما أنه ليس المسؤول الإسرائيلي الوحيد الذي لاقى هذا المصير، إذ سبقه إليه عدد من الوزراء وأعضاء الكنيست، كان أبرزهم وزير الدفاع الأسبق إسحاق موردخاي، الذي اتُهم عام 2001 بالقيام بأعمال مشينة في ظروف خطيرة، وقُدِّمت بحقه لائحة اتهام مخالفات جنسية، كما حوكم وزير العدل السابق حاييم رامون في قضية تحرش أخرى، وأدين بالقيام بأعمال مشينة، وحُكِم عليه بالعمل في المرافق العامة لمدة 120 ساعة، وبتعويض بقيمة 15 ألف شيكل للمشتكية، وأُدين كذلك العقيد في الجيش الإسرائيلي عاطف زاهر باغتصاب مجندة عملت موظفة في مكتبه، وحُكم عليه بالسجن لمدة خمسة أعوام، وبإنزال رتبته العسكرية إلى رتبة رقيب. وعلى الرغم من كل هذه الأحكام فإن القضاء الإسرائيلي أظهر ضعفاً شديداً في التعامل مع الفساد، والمثال الأبرز في هذا السياق هو ملف رئيس الوزراء الأسبق إرييل شارون، أو ما يعرف بـ ''الجزيرة اليونانية''، وقضايا فساد أخرى تورط فيها شارون. ويعود ذلك إلى قدرة المسؤولين في التهرب من المحاسبة، على الرغم من أنه يجب على المستشار القضائي للحكومة الصهيونية بحسب النظام القضائي الإسرائيلي، أن يكون غير سياسي، يتمتع بصفات مهنية وصلاحية استثنائية في كل ما يتعلق بتطبيق القانون الجنائي، كما يمتلك القرار بشأن الملفات والقضايا المطروحة، ولا يخضع لإملاءات الحكومة أو وزير العدل، ويتمتع باستقلالية تامة في اتخاذ القرارات، لكنه ومنذ قيام الكيان الإسرائيلي يمر بقضايا فساد لا تنتهي، حيث سمعنا في سبعينيات القرن الـ 20 الماضي، في فترة حكومة إسحاق رابين الأولى، عن قضية ''حساب الدولارات''، التي أفضت إلى انتحار الوزير إبراهم عوفر بعد التحقيق معه في قضية رشوة. ولم تتوقف فضائح وقضايا الفساد منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، إلى درجة أن يوسي سريد، رئيس حزب ميرتس سابقاً، اعتبر أن قادة إسرائيل يتهربون من مسؤولياتهم، لأنهم باتوا يمتلكون تقاليد في التملص والتهرب والمراوغة، وينجحون في التخلص من المساءلة والقصاص. وما زالت التحقيقات جارية فيما يعرف ''صفقة سفينة الأمل''، التي كشفت أن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغديور ليبرمان هو الذي عقد الصفقة المذكورة مع سيف الإسلام القذافي، وكان يشغل وقتها منصب وزير البنى التحتية في حكومة أرييل شارون. مكافحة الفساد ويتمظهر الفساد في أشكال متنوعة ومختلفة، وتستدعي عملية مكافحة الفساد تحديد مفهومه بشكل واضح، وتبيان أسباب انتشاره في المجتمع، بغية إبراز صوره وأشكاله، وطرق مكافحته، والآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية المترتبة عليه. كما تستدعي بناء رأي عام مناهض له، وتشييد إرادة سياسية لمواجهته، ووضع استراتيجيات تتناسب وطبيعة كل مجتمع. ذلك أن الفساد ينتعش بشكل عام في ظل أوضاع سياسية معينة، كونه يرتبط بمصالح سياسية داخلية وإقليمية أو دولية، وتسهم الجريمة المنظمة فيه، في حالات عديدة. أما الحديث عن محاربة الفساد والإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي فلا جدوى منه إن لم يتلازم مع خطوات عملية وتطبيقية تخفف من وطأة الفساد على المستوى السياسي. وتعتبر الشفافية، التي تترجم بقوانين حرية الوصول إلى المعلومات ونشر التقارير الدورية، حجر الأساس لتمكين المواطنين ووسائل الإعلام من محاسبة الإدارة والمسؤولين عن ممارستهم للمهام الموكلة إليهم. وإذا كان الفساد ظاهرة تستشري في الدول الغنية والدول الفقيرة كذلك، إلا أن مستويات انتشاره أعلى في الدول الفقيرة، ويهدد التنمية والتقدم في البلاد التي تعانيه. كما أنه يعد أكبر مسبب للفقر، بحيث يمكن القول إن الفساد والفقر يغذي أحدهما الآخر في حلقة محكمة يصعب الفكاك منها، لذلك فإن ازدياد حجم الفقر في العالم مرتبط بالنتائج المتفاقمة لظاهرة الفساد، إذ تبيّن الأبحاث والدراسات أن فرص ازدهار الاستثمار في الدول التي يستشري فيها الفساد هي أقل نسبة من تلك التي تخلو من تفشيه، فالدول التي تسجل مستويات أقل بخصوص الفساد ستحصل بصورة تلقائية على معدل مرتفع للنمو وستتمكن بالتالي من تحقيق معدل دخل فردي أعلى. وكثيرة هي الممارسات التي تدخل في باب الفساد، لكن أخطرها هو إساءة استخدام السلطة، حينما يتحكم الزعماء السياسيون أو كبار الموظفين والإداريين، في المال العام، ويجعلون البلد مصدراً لنهب ومراكمة ثرواتهم الخاصة، وحين تُتخذ القرارات الاقتصادية وفق مصالح مجموعة من المافيات المكونة من أفراد السلطة السياسية وأزلامها. ففي البلدان العربية ذات النظم الشمولية تتخذ القرارات الاقتصادية والتجارية لصالح ما بت يعرف بالأغنياء الجدد ورجال الأعمال مقابل الحصول على منافع خاصة، قد تصل إلى 20 في المائة من قيمة صفقة أو مقاولة تقدر بعدة ملايين من الدولارات، من دون أي اهتمام بعواقب ذلك على اقتصاد البلد. ولا شك في أن صفقات من هذا النوع تُمرّر ـــ عادة ــــ في ظل وجود خلل كبير في آليات صناعة القرارات، وفي ظل غياب الرقابة أو المساءلة أو المحاسبة. ويلبس الفساد عباءات مختلفة، على المستوى العالمي، ويتداخل مع نشاطات بعض الأحزاب السياسية والمنظمات الإنسانية وبرامج المساعدات وصفقات السلاح وتجارة المخدرات، وسوى ذلك كثير. ويترافق مع الافتقار إلى المحاسبة والشفافية في البلدان التي ينتشر فيها الفساد بشكل كبير، الأمر الذي يمكن أن يكون له أثر مدمر على تقدم الاقتصاد. ولعل أخطر أنواع الفساد هو الفساد السياسي الذي يتجسد في إساءة استخدام السلطة من قبل القادة السياسيين من أجل تحقيق الربح الخاص وزيادة قوتهم وثروتهم. ولا يحتاج إلى دفع الأموال مباشرة، بل قد يتخذ شكل ''تجارة النفوذ'' لمنح الأفضليات التي تسمم الحياة السياسية والديموقراطية. ويشمل الفساد السياسي مجموعة من الجرائم التي يرتكبها القادة السياسيون خلال توليهم مناصبهم الرسمية أو بعد تركهم لها. وتختلف هذه الجرائم عن التجاوزات الإدارية التي يرتكبها الموظفون الرسميون، الذين يمثلون إلى حد ما المصلحة العامة. كما يتجسد في إساءة استعمال الأموال في الحقل السياسي، وذلك بواسطة الأحزاب السياسية والمرشحين في الانتخابات، وذلك لمصلحة مرشح، أو حزب سياسي، أو جماعة سياسية. إن إساءة استعمال المال في السياسة يمكن أن يعكس، وأن يحدث، مشاكل كبيرة للدول الديموقراطية، ويؤدي الأداء المشوه للأحزاب السياسية وللأفراد، عند إساءة استعمال المال، إلى انعدام الثقة في المجالس السياسية وفي النشاطات التي تقوم بها. وهناك مشاكل كثيرة تخص المال السياسي والفساد، وتقع في صلب ما يعرف بالفساد السياسي، مع أن التمويل السياسي والفساد أمران منفصلان، لكن عندما يختلط الأمران معاً، فإن الفساد يبرز حتماً. ذلك أن المكونات التي تجمع بين الفساد والتمويل السياسي، والمكونات التي تجمعهما أمور غير معروفة تماماً. ويسبب الفساد المزيد من الفقر وعدم العدالة في الحصول على وظائف الدولة، نظراً لعدم حصول طالبيها على الدعم المعروف المصدر. ويمثل الفساد الشر الأساسي الذي تنتجه أنظمتنا السياسية العربية، وهو يكشف عن وجهه القبيح في كل مكان، ويحدث آثاره المدمرة في مناطق عالمنا الفقيرة، حيث يدع الملايين من البشر أسرى البؤس والفقر والمرض والصراعات وسائر أشكال الاستغلال الوحشية.
إنشرها