Author

قناة «الجزيرة»

|
لن أكيل لهذه القناة السباب كما فعل البعض, فهي قناة اكتسبت احترام مشاهديها, وأثبتت أنها منافسة بامتياز للقنوات المهنية في العالم, بل تكاد تكون في مقدمة هذه القنوات على مستوى العالم, ولكن في الوقت ذاته لن أسبغ عليها صفات العصمة كما كاد يفعل آخرون, ولذا أريد أن أتحدث عن هذه القناة من منطلق تاريخها الماضي والحاضر, ولا سيما خلال الأحداث الأخيرة التي حظي بها عالمنا العربي, وبقدر الإمكان سأبذل جهدي لأكون منصفا. بمتابعة لكل ما تقدمه الجزيرة من أخبار وتقارير وبرامج يتضح لكل منصف أنها نجحت في مجال تخصصها, بل أعتقد أن نجاحها بهذا القدر لم يكن يخطر على بال صانعي القرار فيها.. لقد نجحت قناة الجزيرة في وضع ''ميثاق مهني'', وفي الالتزام بهذا الميثاق بدرجة كبيرة, حتى استطاعت أن تستقطب مشاهديها قسرا واختيارا بما تتميز به من موضوعية وحياد يفوق التزام العديد من القنوات الإخبارية الأخرى. وبنجاحها في مجال الإعلام المهني استطاعت أن تكسب كثيراً من السياسيين والمثقفين والمفكرين وصناع القرار والفكر في العالم عموما, وفي العالم العربي على وجه الخصوص. كما أنها أنشأت مركز تدريب أصبح قبلة لشريحة واسعة من الإعلاميين والمهتمين, وما ذاك إلا لما كسبته ''الجزيرة'' بفعل سياساتها الإعلامية الناجحة ''بدرجة كبيرة''. ومع هذا كله أرى أن هناك بعض الملحوظات التي يتأكد التنبيه عليها مع حضورها الإعلامي الكبير إبان هذه الثورات العربية التي اجتاحت المنطقة. ومن أبرزها: عدم تعاطيها مع بعض الأحداث المتعلقة بإيران وحزب الله بموضوعية مطلقة, ففي الوقت الذي نشهد فيه وقوفا موضوعيا ومحايدا مع أحداث تونس ومصر وليبيا ـــ حتى إن الحياد مع شخص كالقذافي ومهرجيه يكاد يفقد المشاهدين صوابهم ــــ إلا أنها لم تقف الموقف ذاته في أحداث البحرين, حيث برزت المظاهرات طائفية بوضوح تام, ورفعت الشعارات الطائفية, وأعلام حزب الله, وصور الخميني, في صورة جسدت الولاء للخارج, وأبرزت المخبوء تجاه وطن البحرين ومواطنيه, حتى رأينا في شاشات ''الجزيرة'' ذاتها صورة دهس الشرطي البحريني بالسيارة, وركله بالأقدام بعد سقوطه, دون تعليق يذكر, مما يجسد صورة غير مقبولة من قناة ''الجزيرة'' كقناة تحظى بإعجاب مشاهديها. إننا ننتظر من ''الجزيرة'' التي فضحت حجم الفساد في تونس ومصر إبان العصر السابق, وحجم الرعب والإجرام الذي مورس فيهما تحت آلة ما يسمى بقوات ''أمن الدولة'', إننا ننتظر منها أن تكشف عن حجم الطائفية التي مارستها المظاهرات البحرينية ومارسها الطائفيون في مستشفى السليمانية, وتغطية هذه الأحداث بوضوح؛ لأن فضح الطائفية إعلاميا يضع المشاهد في صورة الحدث الحقيقية, ويعالج الوضع المأساوي بما يحقق مصلحة الطائفتين, السنية والشيعية على المدى البعيد, ويطفئ لهيب المظاهرات التي لم تنشأ سلمية, بل ولدت من رحم عنصري. الواقع أن كثيراً من المثقفين والمفكرين والإعلاميين, ولاسيما الذين ينتمون إلى دول مورس ضدها القمع, سواء كان الإسرائيلي أو الحكومي, ظلت تنظر إلى كل دولة مناهضة للمشروع الإسرائيلي والأمريكي ـــ ولو صوريا ـــ أنها دول تحظى بالاحترام, لوقوفها مع مشروع المقاومة, وإنكارها علنا للمشروع الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة العربية, وإن كانت بعض هذه الدول تمارس هذا الدور لتمرير أجندة معينة, أو لكسب شريحة واسعة من الشارع العربي, وإن كانت في السر تمد يدها للشيطان, كما تدل عليه ممارستها القمعية ضد شعوبها من الداخل, ولذا نجد هذه الشريحة من المثقفين والمفكرين والإعلاميين يفسرون كثيرا من الأحداث بما لا يخدش تلك الدول أو الحكومات, وإن كانت بالفعل متورطة في حوادث تصفية بشرية, أو في تدخل سافر لشؤون دول داخلية, وهذا الفكر المسالم لدول أو أحزاب ''كحزب الله'' هو امتداد لفكر كان ينبغي أن يفرق بين دول أو أحزاب ممانعة حقيقة للمشروع الإسرائيلي أو التغريبي.. وبين دول ممانعة في الظاهر, ومتمالئة في الباطن, وهذا كله لا يعني امتثالي لنظرية المؤامرة, فلبعض هذه الدول والأحزاب مواقف ممانعة حقيقية ولا شك. ومن أجل ما قاله الشاعر الأول: ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام نتمنى على ''الجزيرة'' أن تلتزم بخيارها الاستراتيجي''الرأي والرأي الآخر''، فلا تتجاوز الرأي الآخر إذا كان أحد الطرفين من المحسوبين لديها من الممانعة. ومع كل ما ذكرته أعلاه, إلا أنه تظل قناة ''الجزيرة'' هي القناة التي استطاعت أن تكسب حضورا جماهيريا واسعا, لا أقصد على المستوى المحلي بل العربي أيضا, واستطاعت بمهنيتها ـــ الملتزمة بها إلى حد كبير - أن تحظى باحترام مشاهديها على الإطلاق. لقد أثبتت قناة ''الجزيرة'' أن الإعلام قادر على أن يشارك في صنع القرار السياسي بامتياز متى كان نزيها وموضوعيا, ولا أظن أن إعلاما سيكون موضوعيا ونزيها ومحايدا 100 في المائة, أعتقد أن هذا ضرب من الخيال ـــ وهذا مما يعتذر به لقناة ''الجزيرة'' ـــ ولكن الإعلاميين الصادقين قادرون على صنع إعلام نزيه وموضوعي بدرجة كبيرة. وكل ما صنعته ''الجزيرة'' في الأحداث الأخيرة ـــ وقبلها في غزة ـــ يدعو الحكومات والدول أن تعيد صياغة إعلامها ليحظى بالدرجة نفسها من الاحترام, إذ أثبتت أحداث حرب غزة وأحداث الثورات المتلاحقة أن الإعلام الجاذب والناجح قادر على أن يكون جزءا من المعركة, وجزءا كبيراً من النجاح.
إنشرها