ثقافة وفنون

عبدالعزيز الصقعبي .. قاصٍ ممتع عن حياة مغلقة صعبة

عبدالعزيز الصقعبي .. قاصٍ ممتع عن حياة مغلقة صعبة

رواية الكاتب السعودي عبد العزيز الصقعبي التي حملت عنوانا هو "طائف الأنس" عمل ناجح ممتع يفيض رومانسية يطغى عليها عالم صعب مغلق ويقضى على الأحلام بشكل لا يتحمل مسؤوليته أفراد وان قام به هؤلاء الأفراد. إنها قصة حب لإنسان رومانسي حالم ممتلئ بالأدب شعرا ورواية في عالم لا يأبه كثيرا لهذه الأمور ويضغط على هذا الإنسان ليتخلى عن أحلامه. فعل ذلك كثيرون وصمد قلائل منهم بطل الرواية عبدالرحمن أو دحيم كما كان يناديه والده. أنها من ناحية أخرى قصة الذكريات التي تسحقها عجلات الحياة الحديثة السريعة المتجلية في مظاهر مادية شديدة الفخامة من ناحية وشديدة الخواء بالنسبة إلى بطل الرواية. الرواية التي صدرت عن دار "بيسان" للنشر والتوزيع والإعلام في بيروت جاءت في 156 صفحة متوسطة القطع. تبدأ الرواية بحنين رومانسي إلى عالم هرب أو هربنا منه لنعود فنتذكره بحرقة. انه عالم يتخذ شكل مدينة الطائف السعودية التي غادرها البطل إلى مدينة الرياض وفي نفسه البحث عن نور حب طفولته. ويتخذ الحنين الرومانسي شكل الحنين إلى الجدة الراحلة. انه حنين البطل الذي لم يعد يعرف موطنه الفعلي ويتراءى له أن الوطن هو حيث تكون الحبيبة. إنها قصة الحب المستحيل في عالم تتحكم فيه تقاليد قاسية لا يمكن أن يسأل حراسها وممارسوها فالعين "لا ترتفع فوق الحاجب". إنها أيضا قصة السعي وراء النجاح المادي دون التساؤل عن الثمن. المتهافتون كثر وبينهم رجال دين أو رجال اتخذوا من الدين ستارا. يكتب عبد العزيز الصقعبي بشعرية مؤثرة حزينة ترفد عملية القص ولا تحل ضيفا مرهقا عليها. يبدأ البطل بمخاطبة جدته التي تحولت لموتها إلى حارسة فردوس مفقود. يقول لها "اشتقت إليك كثيرا جدتي. أنت الوحيدة التي تعرف أن حفيدك عبدالرحمن لا يخطي ولكن أحلامه كبيرة وتافهة ربما في الوقت ذاته وساذجة لدرجة انه لا يقدر أن يبوح بها. تعرفين إنني غادرت الطائف لأذهب إلى الرياض بحثا عن وهم. هل أنا عبد الرحمن الطائفي أم الشرقي أم القصيمي.. هل أنا فعلا من أهل الرياض أم احد أبناء الشروق في مدينة تنازعتها نجد والحجاز". وفي حنين إلى عالم الطفولة وعالم الحب الأول الذي رافقه يقول متذكرا "أطفال كنا نلعب.. البيوت الطينية الصغيرة والوحل والبازان وهو المصدر المائي لأغلب بيوت تلك المنطقة.. كنا نفرح عندما يصطف الرجال يرقصون المجرور.. والعزاوي.. والسامري.. والصهبة.. والخطوة... إيه يا طائف الورد أعود إليك لأكمل حكاية البحث عن زمن مفقود. شريط متصل لا ينقطع أبدا هي أيامي الأولى. أتذكر. كانت الابنة الصغرى لصاحب العمارة التي يقع بيتنا خلفها. كنا نلعب معا في أزقة الحي. كان الصبية ينعتونني بالبنية. أراها توليني اهتماما خاصا فأنسى كل ما قيل". يمنعه أبوه العسكري الصارم من اللعب مع البنات فيكتب لها ورقة لتلتقيه لكنها لم تكن قد تعلمت القراءة بعد فاكتفت بوضع زجاجة عطر رخيص فوق الرسالة دون ان تعرف ما فيها. ومن يومها وهو لا يتعطر إلا بذلك العطر على رغم انتقاد الأصدقاء. ورحلت نور مع أهلها وهو لا يدري إلى أين ولم يجرؤ على أن يسأل أحدا من الأهل عنها باستثناء الجدة التي طلب منها أن تعطيه (كشتبانا) كان بإصبعها ليقدمه هدية لنور إذا عادت. "ماتت جدتي وبقيت احلم بلقاء نور". ومرت الأيام والسنوات طويلة موحشة. قصد الرياض لعله يلتقيها بل كان يعزي النفس بتنشق هواء المدينة التي افترض أنها فيها. إلا أن نور لم تكن هناك بل كانت في المدينة المنورة وهو لا يدري. تزوجت نور من ابن عمها الذي ما لبث أن طلقها وعبد الرحمن لا يدري. لم يدر وهو الذي استوطن الرياض إلا حين عرف أن أباه تزوج للمرة الثالثة. اكتشف أن العروس هي نور نفسها. ويصف لنا عبدالعزيز الصقعبي صعوبة بل شبه استحالة أن تكون شابا في عالم كذلك العالم و أن تسعى إلى التعرف إلى فتاة تتزوجها. فتاة مثقفة تتكلم معها لغة مشتركة. الناس تخطب لك والناس تزوجك وعليك أن تكتفي عن الفتاة أي فتاة بمعلومات من طرف ثالث وان تبني حياتك على ذلك. انه لأمر صعب عليه. وفي أثناء ذلك يعرفنا البطل إلى أشخاص عديدين منهم مثلا حمد الذي عرفه فاشلا في الدراسة المتوسطة وغير نافع وقد تحول الآن إلى شيخ يتكلم في أمور الدين كمن له سلطان في الأرض. انه ثري فاحش الثراء أما البطل المثقف عبدالرحمن فمجرد أستاذ لمادة التاريخ في مدرسة متوسطة لكنه مشبع بالفكر والثقافة وبالشعر والقصص ورفاق خياله هم أسماء عديدة من مفكري وكتاب هذا العصر. وسعى أصدقاؤه وأقرباؤه ومنهم أمه وأبوه وإخوته الناجحون في عالم الأعمال إلى تزويجه لكن كانت هناك دائما عقبات تحول دون ذلك وبعضها من صنعه. ويعرض عليه بعض معارفه الدخول في شركة تجارية تعد بالغنى وبعروس حسناء هي نسيبة الممول واتفقوا على جعل شركتهم تحمل اسم (الكشتبان). لكنه لم يقدم بسرعة فطارت الشركة وتحول الكشتبان من رمز شبه عذري إلى مشروع تجاري لم يعد لعبدالرحمن به علاقة. وتتعدد الإخفاقات وهو لا يريد زواجا تقليديا دون حد أدنى من المعرفة بالعروس. وفي حديث بين عبدالرحمن وصديقه العزيز سليمان نقرأ "إذن ليبق الأستاذ عبد الرحمن أستاذ التاريخ بمدرسة هارون الرشيد المتوسطة بالرياض.. قلت ذلك لسليمان وأنا اشعر بغصة في طريق عودتنا إلى الرياض". وسأله سليمان "هل تستطيع أن تصبح مثل حمد". فرد عليه "مطلقا". فقال صديقه "إذا لماذا الحزن والغضب". فأجاب عبد الرحمن "إنني حزين على ضياع (الكشتبان)".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون