Author

التحدي القادم .. تنمية الإيرادات

|
بعد صدور الأوامر الملكية يوم الجمعة واتضاح حجم الإنفاق الحكومي، الذي يضاف إلى ما سبق من أوامر، وأيضا يضاف إلى اعتمادات الميزانية العامة للدولة، تبادل الناس (من باب المداعبة التي تزدهر الآن في المسرح الافتراضي المفتوح على وسائل التواصل الاجتماع) تبادلوا رسالة تقول: (أنباء عن انتحار وزير المالية السعودي بعد الأوامر الملكية)، وهذه كانت بمثابة التفسير الاجتماعي الأول، وهو تفسير إيجابي وواقعي، فأي وزير مالية مكلف بتدبير النفقات العامة للدولة يهمه أن تكون الموارد متاحة للحكومة في الزمان والمكان المناسبين .. والحمد لله أن (أبا عبد العزيز) بصحته سالما معافى ويستعد للانتحار على جبهة أخرى! الجبهة الوطنية الجديدة التي فعلا تتطلب العمل الجماعي المضني المتواصل هي جبهة تنمية الموارد المالية للدولة. إن هذا المسار حيوي وحساس وضروري للاستقرار والوحدة الوطنية، وعلينا أن نحتاط ونحذر من الاعتماد على الموارد من النفط. وهذا الحذر يجب أن نحوله إلى (القلق الموضوعي)، ويعني هذا عدم التوتر والتحفظ في الإنفاق، لكن في الوقت نفسه، يجب أن نقلق على كل رقم نخسره من الإنفاق الحكومي حينما لا تكون لدينا الآليات التي تضمن استثمار الموارد وحسن تدويرها في الاقتصاد، وأيضا حينما لا نكون (مبدعين) أو غير (فعالين) في جمع الإيرادات العامة للدولة. إذا تأملنا بهدوء حجم البنية الأساسية التي يجري تنفيذها .. ويضاف إليها ما أمر به الملك عبد الله أخيرا، وفكرنا ثم قدرنا حجم الاعتمادات المالية المطلوب للتشغيل والصيانة، هنا قد نصاب بالخوف من تبعات المستقبل، نخاف من عدم الاستفادة من هذه البنية الكبيرة، وقد تتآكل أصولها وتصبح عبئا على الاقتصاد. الآن نصف الميزانية يذهب لبند واحد .. إنه بند الأجور والمكافآت، والنصف الآخر عليه أن يلبي الاحتياجات والمتطلبات الكبيرة للتنمية. كيف نواجه هذه الالتزامات إذا تأثرت أسعار النفط وتراجعت، وربما واجه العالم أزمة مالية كبرى أثرت في الاستثمارات والاحتياطيات للدولة والناس؟ هذا هو القلق الموضوعي.. إنه استحضار لكل عوامل المخاطرة، وكل المتغيرات الوطنية والعالمية، لإدخالها في العمليات الأساسية للقرارات الوطنية، وهذا ما نحتاجه لبناء رؤية وطنية مستقبلية لموارد الدولة، على الأقل في السنوات العشر القادمة، ولا نقول أكثر من ذلك، لأن البيئة السياسية الدولية، ومعها المتغيرات التقنية الكبيرة المتسارعة، والتطبيقات الكبيرة لمعطيات الإعلام الجديد وأثرها على إحداث القفزات في التطلعات الاجتماعية، كل هذه العوامل تقدم تحديات جديدة للتخطيط الشامل بعيد المدى. كل ما نريده هو أن نطمئن على أن المشاريع الكبرى التي تتبناها الدولة سوف يتم إنجازها .. ونطمئن على أن الموارد الموجهة لدعم كل مسارات التنمية أيضا سوف تصل ويكون لها أثرها الإيجابي على الناس، لأننا نتطلع إلى تعزيز الجبهة الداخلية وتكريس مقومات الوحدة الوطنية لتمضي بلادنا عقودا قادمة بسلام ورخاء واستقرار. وزارة المالية كانت لها تجربة كبيرة في تحصيل الإيرادات وتنميتها عبر تطوير آلياتها وإمكاناتها أولا، ثم العمل مع القطاعات الحكومية المختلفة على تحديث إجراءاتها وإعطاء الحوافز لتنمية الإيرادات .. والاتجاه في هذا المسار الآن ومستقبلا أصبح أكثر ضرورة، وكل ما نحتاج إليه هو تكثيف الجهود لجمع إيرادات الرسوم التي سبق إقرارها، ومراجعة رسوم وعقود الإيجارات الحكومية وغيرها لمعرفة مدى عدالتها للدولة والمستثمرين. المهمة دون شك كبيرة وتحمل العديد من التحديات، ومع التطورات الكبيرة للإنفاق الحكومي ربما يكون من الأفضل للدولة والمجتمع ولوزارة المالية أن تتفرغ وزارة المالية بشكل رئيسي لإدارة المالية العامة للدولة وتخرج من مسؤوليات إدارة الاقتصاد، ربما الظروف في المرحلة السابقة تبرر مساهمة الوزارة بشكل كبير في مسؤوليات إدارة الاقتصاد، لكن نحن في مرحلة تتطلب أن تتفرغ الأجهزة الحكومية لمهامها الأساسية، وهذا هو الأفضل، فـ (التركيز) على المهام الأساسية لكل جهاز هو المطلوب .. لقد تضررت الدولة وتعطلت مصالح الناس لسنوات وتراكمت المشاكل بسبب تداخل الصلاحيات وتضاربها والتنازع عليها، الآن التحديات رئيسية وحجم العمل ضخم وتطلعات الناس ومصالح الدولة أكبر من تنازع الصلاحيات والتسابق عليها.
إنشرها