Author

المدارس السِّنية ودورها في صناعة النجوم

|
مما لا شك فيه أن رياضة الأطفال تعتبر من أهم الرياضات؛ لأنها الطريق الصحيح للنهوض بالمستوى الكروي في عالمنا العربي الرياضي، حيث إن الطفل وبالفطرة الإلهية شخص قابل للتغيير والتعلم وفهم الأمور بسرعة أكثر من غيره لرغبة كامنة في داخله للتعلم، كما أنه ميال لكل جديد ويمل الأشياء التقليدية ويهرب منها، بل تجده يعمق تركيزه في كل ما هو جديد في حياته؛ لذا كلما وجد الأرضية الخصبة والتعامل الجاد والتجديد والابتكار في أساليب التعليم والبرامج المنهجية للتربية الرياضية بمفهومها الشامل وكرة القدم بمفهومها الخاص، خاصة أن كرة القدم لها سحر خاص ووقع خاص وحلم خاص لدى الأطفال، بل أصبح جنون المستديرة الساحرة يسحر الأطفال قبل الكبار؛ لذلك فإننا نجده دوما وأبدا لوحة قابلة للنقش وإضافة اللمسات عليها، بل هو مادة نستطيع أن نشكلها كما نريد، وبناءً على كثير من الدراسات والبحوث العلمية التي أبانت إمكانية تشكيل الأطفال وتوجيههم وبنائهم وفق الأسس التربوية والأخلاقية وقابليتهم لاستيعاب كل الأمور الفنية في كرة القدم فقد أصبح الطفل أو الناشئ هو القاعدة الأساسية في كل عملية اجتماعية وتربوية وتنموية، من شأنها إعادة بناء المجتمع وتقدمه وازدهار كرة القدم وتطورها ووصولها ومنافساتها في المونديال العالمي؛ ذلك لأن الناشئ هو رجل المستقبل، وعليه مسؤوليات البناء والتطور، ومن هنا احتلت الطفولة مكانة بارزة في عالمنا المعاصر، وأثبتت ذلك كل الدراسات التربوية الحديثة، بل والقديمة على حد السواء. وحيث إن التصنيف العلمي قسَّم المراحل العمرية إلى مرحلتين، هما مرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة؛ لأن هاتين الفترتين هما أهم الفترات لتكوين الشخصية وثراء المعلومات وتطور المستوى الرياضي، وفيه تظهر المواهب والإمكانات والاستعداد النفسي، ومن خلال ذلك يمكن إكسابهم القدرات الفنية والبدنية وتقويم السلوك وتعديل الأخطاء الفنية في المهارات الأساسية والفنية وتفعيل الحس الوطني لديهم. وعلميا أيضا ينحدر التسلسل في النمو واكتمال فترات النمو البدني والنضج الفكري والعقلي عبر مراحل الطفولة والمراهقة؛ لذلك يجب استغلال هذه الفترة لتحقيق كل أهداف النمو التكويني والنمو الوظيفي، ونحددها هنا بالفترة من 6 - 15 سنة، وثمة عوامل كثيرة دفعت الباحثين والمختصين لدراسة الكيفية التي ينمو بها الأطفال والشروط اللازمة لنموهم، والسلوك الصادر عنهم، ومن هذه العوامل ما يلي: 1- الحركة العلمية في ميدان علم النفس، التي بدأت بطابع فلسفي وانتهت بمنهج يعتمد على التجربة والبحث والملاحظة. 2- اهتمام علماء النفس بالدوافع البشرية وأثرها في عملية التعلم. 3- التقدم العلمي في مجال البحث والقياس النفسي وما رافق ذلك من تقدم في مجالات مقاييس الذكاء والاستعدادات والقدرات. 4- توجه التربية الجديدة، وتركيزها على الكائن البشري من حيث إنه كائن متكامل، وبدأ الاهتمام بهذا الكائن الذي يشمل الجوانب الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية. ثم تأتي مرحلة المراهقة والتي قسمها العلماء إلى ثلاث مراحل، هي: 1- مرحلة المراهقة الأولى من (11- 14 عاما)، وتتميز بتغيرات بيولوجية سريعة. 2- مرحلة المراهقة الوسطى من (14- 18 عاما)، وهي مرحلة اكتمال التغيرات البيولوجية. 3- مرحلة المراهقة المتأخرة من (18- 21)، حيث يصبح الشاب راشدا في المظهر والتصرفات واكتمال نموه البدني والفكري. ويتضح من هذا التقسيم أن مرحلة المراهقة تمتد لتشمل أكثر من عشرة أعوام من عمر الفرد، وتعد المراهقة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن أطواره المختلفة التي تتسم بالتجدد المستمر، والترقي في معارج الصعود نحو الكمال الإنساني الرشيد، ومكمن الخطر في هذه المرحلة التي تنتقل بالإنسان من الطفولة إلى الرشد، هي التغيرات في مظاهر النمو المختلفة (الجسمية والفسيولوجية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والخلقية)، ولما يتعرض الإنسان فيها إلى صراعات متعددة داخلية وخارجية، وفي هذه السن بالتحديد تعتبر هذه المرحلة هي الجسر الذي يعبر به الطفل إلى مرحلة الإعداد للرشد فيحدث التغيير النفسي والفسيولوجي؛ لذا أصبح واجبا إن أردنا تطوير كرة القدم أن نعتني بالأطفال في هذه المراحل، والاهتمام بهم يقوّم مساراتهم ويعمّق ويؤصّل فيهم روح الانضباط والكفاح وقوة الإرادة، وبذلك نحقق بذلك الأهداف المرجوة، ومن أهم الخصائص والمظاهر الرئيسة للنمو في هذه المرحلة من العمر تقبل البرعم للتكيف مع الحياة وقبول كل ما هو جديد، خاصة مرحلة المراهقة التي تتميز بسرعة إعداد الشخص المتزن المستقر، ومن واقع العناية بالبراعم والناشئين نحدد المميزات التي يتعامل بها الفرد في هذا العمر: 1- يتعلم وبسرعة المهارات الحركية الضرورية والأساسية. 2- يتعلم الفرد كيف يتفاعل مع مجتمعه الصغير في المدرسة والبيت وأندية كرة القدم، إن كانت أندية محترفة أو هاوية أو خلافها؛ مما يكسبه روح التعاون والجماعية والعمل بروح الفريق. 3- يتعلم المفاهيم والمدركات لممارسة رياضة كرة القدم ومعنى الرياضة بمفهومها الشامل. 4- تكوين الضمير والقيم الأخلاقية والمعايير السلوكية. 5- يحدث التغيير السريع عضويا ونفسيا ويستطيع أن يتخطى المرحلة السلبية (وهي المرحلة التي يشعر فيه الفرد بالارتباك ويميل سلوكه إلى الشذوذ الفكري في بعض الأحيان). 6- يبدأ الطفل من خلال التعاليم والدروس من مدربيه أن يلتزم بقواعد الأدب والذوق الحسي والفكري. 7- يتم التوافق العضلي والعصبي. 8- يمكن التحكم في تربية الطفل والمراهق على إكسابه الثقة في نفسه ومعالجة كل ما يمر به في هذه المرحلة من شعور بالضعف أو ما ينتابه من أحاسيس غريبة أو أي متغيرات أخرى. 9- ببرامج تدريبية مركزة يمكن إبدال صفات الطفل أو المراهق التي تعلمها خلال الفترة قبل الانتظام في التدريبات المنظمة في المدارس السنية، فمثلا: إبدال روح الأنانية إلى روح التعاون وإيثار الزاخرين. وإبدال روح التمرد والتعصب والسخرية إلى روح الطاعة للأوامر داخل وخارج الملعب وروح تقبل الهزيمة وروح احترام الخصم وإبدال روح المنافسة الفردية إالى المنافسة الجماعية. 10- يتم تطوير سلوك البراعم والناشئين في هذه المرحلة بالترتيب من (مرحلة التقليد) إلى مرحلة (تكوين شخصيته)، ثم (مرحلة الاتزان الاجتماعي). 11- يستطيع البرعم أو الناشئ أن يتعلم العادات الصحيحة وأن يمارسها في غذائه ونومه وتدريبه ودراسته، وفي كل أنواع التعامل الاجتماعي في مجتمعه الصغير. ونتيجة حتمية لتنفيذ البرنامج المعلن لرعاية البراعم والناشئين يتضح التالي: يكتسب البرعم أو الناشئ صفات كثيرة تؤهله لأن يصبح إنسانا مفيدا لنفسه ولمجتمعه ولأسرته ولوطنه، وأهم هذه الصفات: 1- يتبع القوانين والأنظمة الموضوعة. 2- يتقبل التوجيهات والنداءات من المدربين والإداريين من دون جدل. 3- يمارس اللعب النظيف. 4- يتقبل الهزيمة والخسارة بروح رياضية سمحة. 5- يعترف بأخطائه ويتعلم الاعتذار. 6- يحس بالآخرين من خلال مشاركات الآخرين في المنافسات. 7- يساعد بقية زملائه الذين هم أقل منه مهارة، وبالتالي تذوب فيه روح السخرية من الآخرين وتتبلور آداب الشخصية الرياضية في نفسه. 8- يتعلم المشاركة في النقاش وتبادل الآراء والاستماع الجيد. ووضح من ما ذكر أننا إذا أردنا أن ننشئ جيلا مسؤولا قادرا على تحمل المهمة الوطنية في لعبة كرة القدم، بل في كل الألعاب الرياضية الأخرى، نجد أنه لا مفر لنا من التعامل بالطرق العلمية من خلال تأسيس المدارس السنية، وحينما نذكر ذلك نؤكد أنه لا طريق آخر إلا عبر إنشاء جيل جديد يتصف بكل الصفات التي وردت في الصفحات السابقة، ومما يؤكد هذا الحديث أننا خلال السنوات الماضية لم نتقدم خطوة للإمام؛ لأن الجيل الذي يرفع رايتنا جيل مظلوم لم يجد الفرصة للتعلم عبر هذه المدارس، فنشأ جيل هش في تكوينه الجسماني والفكري والنفسي، وضاعت أغلب المواهب نتيجة للإهمال وعدم الرعاية، بل إن الممارسة الخاطئة في التعامل مع البراعم والناشئين قد أوجدت خللا فنيا يعاني منه مدربو الأندية والفرق القومية إلى يومنا هذا، وسيعانون منه إلى فترة أخرى إن لم نتدارك الأمر، نتيجة لتعلم هؤلاء اللاعبين أساسيات وأبجديات كرة القدم بطريقة خاطئة وأصبح من الصعب معالجتها؛ لأن البرعم أو الناشئ حينما يتعلم أحد هذه الأساسيات الخاطئة تظل تلازمه بقية عمره، ومن هنا يأتي الدور المهم لمدارس البراعم والناشئين؛ لتصحيح وتثبيت المهارات الأساسية، وهي ليست قاصرة على تدريب المهارات، بل تتعدى ذلك إلى: - تنمية المهارات في الاستجابة (الدافع والرغبة). - تنمية المهارة في التقدير وتحديد الهدف. - تنمية المهارة في تلقي المعلومات واستيعابها. - تنمية مهارة الاستعدادات الخاصة في القدرات البدنية والحركية والنفسية. ومن خلال تواجد هؤلاء البراعم والناشئين في جو المدارس السِّنية ينحصر تواجدهم في بيئة هي أقرب إلى بيئتهم في المدارس الأكاديمية بعكس تواجدهم في الشوارع والأزقة؛ فهم يحتكون بكل طبقات المجتمع؛ مما ينذر بتعلمهم عادات سيئة مثل: - الأنانية - حب الذات - عدم تقبل الهزيمة - العصبية الرياضية - نكران حق الآخرين في الفوز ومن ناحية أخلاقية قد يتعلمون العادات الرذيلة والألفاظ البذيئة وغيرها، أو قد يأتي تأثرهم بشخصية أحد الذين يتعاملون معهم ويكون في ذلك ضياع لهم، وكل ذلك ينعكس على مستقبلهم؛ فكل ما تعلموه في الصغر سيلازمهم في الكبر. وثمة تحديدات كثيرة لمراحل الطفولة، لكن المراحل التي يمكن العناية بها في مجال كرة القدم، هي: 1 ـ مرحلة الطفولة المبكرة: وتمتد من سنتين إلى ست سنوات. 2 ـ مرحلة الطفولة المتوسطة: وتمتد من ست سنوات إلى تسع سنوات. 3 ـ مرحلة الطفولة المتأخرة: وتمتد من تسع سنوات إلى بداية سن المراهقة. فقد اعتمدت الدراسات الميدانية طرقا قادت إلى الموضوعية وإلى إيجاد بعض المقاييس التي وفرت معرفة علمية موضوعية عن الطفولة، كما تناولت دراسات الطفولة بالبحث والتمحيص، الجانب النفسي الذي يتعلق بشخصية الطفل، والجانب الذي يتعلق ببناء المجتمع، من خلال بعض مؤسساته وجماعاته، مثل الأسرة ومجموعة الرفاق ووسائل الإعلام، ولم تقتصر الدراسات على الأسرة فحسب، بل تجاوزت ذلك لتشمل دار الحضانة والمدرسة والبيئة، وأثرها جميعا في الطفل؛ ولهذا فإن دراسة الطفل ليست من اختصاص علم أو فرع من فروع المعرفة، وإنما هي مجال اهتمام جميع العلوم الإنسانية، ومع تطور الأبحاث في علم نفس الطفل، وطرائق تربيته، وأساليبها، أصبحت النظرة إلى الطفل في العصر الحديث، أعم وأشمل وأصبح الطفل خلافا لكل النظريات أو النظرات السابقة - كائنا حيا يولد مزودا ببعض الخصائص العضوية والفسيولوجية، وله حاجاته البيولوجية والنفسية، التي يعد إشباعها ضروريا لبقائه ونموه، وهو يعيش في وسط اجتماعي لا غنى له عنه، عليه أن يتعلم كيف يتوافق معه كي يسد حاجاته النفسية والاجتماعية. وضمن هذه النظرة المتقدمة إلى الطفل، ومفهوم عالمه، فقد احتلت الطفولة أهمية كبيرة لدى المعنيين بشؤون الطفل وتربيته الخاصة، ولدى الجهات الرسمية والشعبية عامة. هذه المرحلة التي تعد من أخطر المراحل وأدقها، في وضع السمات العامة، النفسية والاجتماعية والعقلية، لشخصية الفرد، وتكوين اتجاهاته وقيمه وأساليب سلوكه في الحياة؛ ذلك لأن الطفولة تمثل أهم المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته، حيث يكون الطفل فيها أكثر استعدادا وميلا للتقبل والتعلم والابتكار. وحيث إن كرة القدم أصبحت صناعة ومصدر إمتاع وإبداع ولغة مشتركة تفهمها وتتعامل معها كل شعوب العالم، بل أصبحت مصدر رزق وعاملا من عوامل الشهرة والمال والجاه، بل أصبح لاعبو كرة القدم أشهر من رؤساء الدول. فإن أردنا أن نبني قاعدة صلبة من الأجيال القادمة تمارس رياضة كرة القدم بالاحترافية علينا إيجاد العناصر من القواعد في البراعم، وأن نمتلك مدارس سِنية تكون مهمتها صناعة نجوم للمستقبل في كرة القدم، بل وفي باقي الألعاب الأخرى، التي في أغلب الأحايين تكتشف وتبرز العديد من المواهب الشابة وتظهر قدراتهم وإمكاناتهم الفنية في مجال اللعبة منذ سن مبكرة؛ لذا يجب أن تهتم بهم المدارس السنية والأندية وتطور من هذه القدرات والإمكانات وتهيئ لهم أجواء الابتكار والإبداع للانطلاقة نحو آفاق رحبة في عالم المستديرة الساحرة.. وأن تنقلب تلك النظرة للممارسة كرة القدم كهواية من أجل أغراض الصحة والترفيه وقضاء وقت الفراغ لنظرة اقتصادية احترافية وتوفير عناصر النجاح لها وفق معايير جادة لإنجاح المشروع في كل جوانب متطلباته الإدارية؛ ليصبح مشروع تعليم كرة القدم واحدا من أهم الموارد الوطنية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والرياضية؛ مما يؤمّن عوائد على مستوى الدخل الفردي والدخل للأندية، وحتى المدارس السنية نفسها بجانب زيادة الدخل القومي والترويج للدولة ورفع اسمها في المحافل الدولية الرياضية، والذي ينعكس أيضا في رفع اسمها في المجالات السياسية والاقتصادية. إن الحل الأمثل لنرتقي بكرة القدم العربية وأن نجد لها موطئ قدم في كرة القدم العالمية هو إنشاء هذه المدارس السنية ذات الطابع الحديث الذي يعمل على صقل المواهب بإشراف مشرفين وإداريين وفنيين متخصصين في هذا المجال ووضع البرامج على أسس علمية مدروسة، وعلينا القيام بعملية الإقناع للرأسمالية الوطنية بالمساهمة في إنشاء مثل هذه المدارس لتوفير النواحي المالية التي تتحكم في إنشاء المدارس السنية وتوفر لها الإمكانات المادية التي تحتاج إليها وتوفر بذلك واحدا من أهم عوامل النجاح، التي بدورها تعطي النشء مفهوم الاحترافية الأمثل وفق برامج علمية مدروسة مبنية على الواقعية مراعية للظروف الاجتماعية والأسرية والمادية وغيرها من الظروف التي تحيط بأبنائنا في العالم العربي. وتعتبر الفئات العمرية - الناشئين - من العمر ست سنوات إلى 15 سنة هي الركيزة الأساسية لبناء لاعب كرة القدم؛ لما تحمله هذه الشريحة من عوامل تطور ذهني وبدني واجتماعي، ولكونهم الأساس الذي يمكن بناء أي قاعدة كروية لأي بلد خاصة في ظل توفير المستلزمات الضرورية لتنشئتهم بصورة صحيحة وفعالة ودعوتهم بالتنسيق مع أسرهم للاستفادة من خلق ترابط اجتماعي قوي ورصين لتعلمهم معنى ومفهوم التعامل والعمل بروح الفريق، ومن ثم تعليمهم أسس وفنون كرة القدم، فعلى المدربين تقع مسؤولية كبيرة ومهمة في كيفية استثمار العوامل المساعدة للبناء الصحيح والارتباط الوثيق فيما بين الناشئ وكرة القدم من خلال تحقيق رغبات الطفل في ممارسة كرة القدم؛ لأننا يجب أن نراعي أمورا عدة في هذا الجانب الحيوي من قبل العناصر التالية: المدرب - المدرسة - النادي - الأسرة التي تترابط فيما بينها لتكون وحدة قوية متماسكة تساعد في بناء الناشئ وتعلمه كيف يعشق ويبدع في مجال كرة القدم، وهنالك بعض الأمور التي يجب مراعاتها في الناشئ أو الطفل في هذه الفئات العمرية هي مزاجية الطفل ورغباته في كيفية ممارسة كرة القدم والتعامل مع ذلك بعقلانية وفق الأسس الخاصة بعلم النفس الرياضي، التي تحدد السلوكيات التي يجب أن تتبع في مثل هذه الأحوال، والتفكير بأن لدى الطفل طاقة يريد أن يفرغها في الملعب أو البيت، فيجب مراعاة ذلك من خلال خلق ألعاب مصاحبة للتدريب تكون محببة له، مثل بعض الألعاب الترفيهية التي تمارس في الشارع ويجب مراعاة بعض الخصائص التي تنتاب الطفل في هذا العمر مثل الأنانية من خلال حبه لنفسه وأن يكون مستحوذا على كل الاهتمام ومحاولة دمجه ضمن المجموعة بالتدرج وقابلية الطفل على الاستيعاب والفهم والإدراك قليلة؛ لذا يجب مراعاة ذلك عند التعامل معه وفق قدراته الذهنية، هذه الأمور يجب أن تكون حاضرة دائما في مخيلة وعقلية أي مدرب أو إداري ومشرف على قطاعات الناشئين، وإيجاد الحلول اللازمة لهذا الأمر والتفكير دائما في الابتكار العملي الذي يخدم الإطار العام للعملية برمتها. الطفل أو الناشئ أو المراهق هو المشروع المستقبلي لأي لعبة كانت بما فيها كرة القدم؛ لذا فإن الإعداد السليم الذي يبدأ من الأعمار (6 سنوات إلى 15) هو المدخل الصحيح إلى بناء أساسي وقوي ومتين للمستقبل؛ مما يؤمّن ازدهار نواحٍ متعددة لأي مجال كان، وتقديم الصورة الطيبة التي نتوخاها من عملنا الطويل الأمد الذي لا يمكن أن يكون إلا بالتفكير في المستقبل؛ لأن ضمان أي نجاح لأي مشروع يجب أن يكون التخطيط فيه بصورة منهجية وصحيحة تخدم المسار الذي يبدأ به من خلال العمل الجاد والتخطيط لهذه الفئة من الأعمار، التي يتطلب الحذر وتوخي الدقة في اختيار كل مفردات هذه التخطيط وأن تشتمل على الدراسة الميدانية لواقع الأطفال في هذه الأعمار؛ لأن المتغيرات التي تحدث للناشئ في هذه الأعمار تكون في أغلب الأحايين غير إرادية أو خارجة عن إرادته وربما يحدث التغيير بناءً على التأثر بالأجواء المحيطة به، إن كانت في مجال الدراسة أو في مكان الإقامة أو الأشخاص الذين يحومون حوله والأقارب وحتى الجيران، وهذه التغيرات ربما تكون مفروضة عليه بحكم هؤلاء الأشخاص؛ مما يتطلب دراسة ميدانية للبيئة التي يعيش فيها هذا الناشئ والتعامل مع كل ذلك بصورة لا تؤثر فيه سلبا، وهذا الجهد الذي يبذل جهدا ضروريا، خاصة في مجال كرة القدم الذي أصبح فيه الناشئة والشباب هم العمود الأساسي للنجاحات التي تحصدها الأندية الكبيرة والمنتخبات الوطنية في هذه اللعبة وكيفية الأخذ بيد هؤلاء الناشئين إلى الطريق الصحيح في عالم كرة القدم. إن كنا نريد أن نضع في بالنا تجويد هذا العمل، علينا أن نضع الأسس الصحيحة كقاعدة أساسية لمن يعمل مع هذه الأعمار بأن الناشئ هو ذلك الطفل، ولا يمكن معاملته معاملة الكبار، وهنا يجب أن نذهب إلى الطريق الذي يقودنا إلى الأساس السليم الأول لتدريبهم ونؤمن بأن تدريب الفئات العمرية بإعطائهم ما يناسب أعمارهم وقدرتهم على أداء التمرين ومراعاة النضج الذي يتمتعون به فكريا وجسديا، أي أننا لا يمكن بأي حال من الأحوال حرق المراحل في تدريبهم، بل يجب أن نعطي التمرين أو الوحدة التدريب بما يتناسب مع قدراتهم وقابليتهم؛ لأن من شروط النجاح في هذا المجال هو إعطاء التمرين الصحيح للعمر الصحيح، وهذا الخطأ الذي يقع فيه معظم المدربين غير المختصين في تدريب المراحل العمرية فيطبقون ما يدربون به اللاعبين الكبار، بل هنالك بعض الناشئة يحبون ذلك ويبدؤون في تقليد تدريبات الكبار، وهذا خطأ ستكون عواقبه وخيمة في مستقبل الناشئ وعلى الزملاء المدربين عدم الانصياع لرغبات مثل هؤلاء الناشئين، وأن يلتزموا بالتدريبات التي تخص هذه الأعمار؛ حتى لا يبدو التمرين مشوها وغير مناسب لهم لكي يكون التطور في كل حصة تدريبية واضح الملامح، وهذا الأمر يمكن أن نفكر في قدرتنا على تحمل المسؤولية، وهي مسؤولية أمام الله والوطن وتحتاج إلى ضمير حي؛ حتى يتم إنجاز العمل بصورة صحيحة. وحتى نرى ماذا يفعل الناس من حولنا فقد افتتح نجم كرة القدم الإنجليزي الدولي ديفيد بيكهام مدرسته الخاصة لكرة القدم بالقرب من قبة الألفية في لندن وعلى مقربة من المكان الذي ولد فيه. وأخذ يشارك في تدريبات المهارات مع تلاميذ مدرسته، وقد اعتبر يوم افتتاح هذه المدرسة يوما مميزا في حياته، ومن أكثر اللحظات التي يعتز بها؛ لأنه كان يطمح منذ سنوات عدة في منح الأطفال الفرص نفسها التي أتيحت له من خلال تدريبهم على كرة القدم وتوفير البيئة المناسبة التي تتيح لهم التعلم والمتعة. ويوجد في هذه الأكاديمية ملعبان بالحجم الطبيعي، إضافة إلى قاعات للدراسة والمحاضرات ومنشآت وأجهزة أخرى للتدريب وغرف للملابس ومطاعم، مع العلم أن المدرسة تستقبل الأولاد والبنات الذين تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة والخامسة عشرة، وستستقبل سنويا نحو ما يقارب 15 ألف طفل، منهم عشرة آلاف مجانا. ويشرف عن التدريب في الأكاديمية إريك هاريسون، الذي عمل مدربا لفريق الشباب في نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي لمدة 18 عاما، وكان له دور بارز في تطوير مهارات الكثير من لاعبي الفريق وهو صديق عزيز وأسهم معي هو وايان راش في وضع أساسيات مدرسة أمل السودان.. ومثال آخر هو (لاماسيا) وهي مدرسة لكرة القدم خصصت لشبان النادي والذين كان عليهم ترك عائلاتهم من أجل اللعب في فريق برشلونة وفي مئوية النادي عام 1999، احتفلت (لاماسيا) بـ 20 عاما من تخريج أبرز اللاعبين والنتائج كانت مبهرة للغاية ولاعبين أمثال أمور، جوارديولا، سيرجي، ديلابينيا، بويول، تشافي، ريينا، فالديس، جابري وميسي وغيرهم الكثير والكثير ممن انتقلوا لأندية إسبانية وأوروبية مختلفة. وقد أصبح اسم (لاماسيا) يشير مباشرة لفريق شباب البارسا لاماسيا ليست مكانا للاعبين الإسبان فقط، بل تفتح المدرسة أبوابها لجميع الشباب في العالم ومن مختلف الأماكن، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أين نحن .... ونجومنا .. ورجال الأعمال لدينا ... وقادة الرياضة في بلادنا العربية، وهنا لا نقول تبرعوا أو افتتحوا مدارس على حسابكم الخاص مثل بيكهام، لكن نقول استثمروا والاستثمار في الرياضة وفي هذا القطاع سيكون له مستقبل كبير. وهنالك رسالة مهمة لأبنائنا الذين يحبون كرة القدم ويعشقونها يسعون إلى النجومية والتألق والإبداع في مجال كرة القدم عليهم الانخراط في المدارس العمرية أو السنية أي كانت تسميتها في عالمنا العربي؛ لأنها الطريق الصحيح نحو تعلم المهارات بالطريقة الصحيحة والتي لا تعيق الناشئ وتسبب له نقصا في المهارة الأساسية في مستقبل أيامه؛ ولأنها الطريق نحو النجومية عبر بوابة العلم والمعرفة والسلوكيات القويمة ولأنها الطريق الأقصر نحو التأهيل المؤسس، ولأنها الطريقة المثلى لمساعدة منتخباتنا الوطنية للوصول للعالمية، بل هي الأمل الذي يحدونا في الوصول إلى المونديال والمنافسة فيه، بل أبعد من ذلك الفوز بجائزته الكبرى، ألا وهي كأس العالم.. هذا ليس بمستحيل ولكنه صعب يحتاج إلى الجهد والتضحية وارتقاء سلالم المجد والعزة والشهرة والمال، وفوق كل ذلك نريد لكرتنا العربية أن ترتقي إلى مصاف العالمية وأن تحقق الإنجازات التي تسعد أطفالنا وترفع رؤوس وهامات كبارنا.
إنشرها