Author

90 % من تجارة التجزئة خارج السيطرة!

|
تُعد المملكة خصوصاً ودول الخليج عموماً جنةً للتسوق، نظراً لأن التسوق يعد متعة عائلية، خصوصاً ما شاهدناه في الفترة الأخيرة من ازدياد المجمعات التجارية وكثرة انتشارها في المدن، ويزداد الإقبال على محال تجارة التجزئة وولوج أسواقها المنتشرة في شوارعها ومراكز تسوقها الواقعة في مدنها الكبيرة مثل الرياض وجدة والدمام وغيرها، حيث يتزايد معدل الإنفاق في قطاع تجارة التجزئة عاماً بعد عام. سوق تجارة التجزئة في المجتمعات الاستهلاكية ذات الكثافة السكانية مثل ما هو لدينا في المملكة تعد سوقاً كبيرة نظراً لاستقطابها الجزء الأكبر من المصروفات اليومية للناس، وسوق التجزئة في المملكة تحديداً تعد من أهم الأسواق في المنطقة بسبب معدلات النمو العالية في هذه السوق التي وصل حجمها في عام 2007م إلى 90 مليار ريال متجاوزة التوقعات التي سبقت ذلك، التي لم تمنح السوق في ذلك العام أكثر من 70 مليار ريال، مما قاد إلى التفاؤل لدى المهتمين بهذه السوق بأن يصل حجمها في عام 2012م إلى أكثر من 130 مليار ريال. وسوق تجارة التجزئة بوجه عام كما يشير المختصون في هذا المجال لا تحتاج معظم فرص العمل المتاحة فيها إلى شهادات علمية أو خبرات فنية أو مؤهلات عالية، لذلك تعد هذه السوق وفقاً لهذه النظرة أكبر حاضن للفرص الوظيفية في سوق العمل وخصوصاً في المملكة، حيث تكشف الدراسات أن فرص العمل في سوق التجزئة في المملكة خلال السنوات الخمس المقبلة ستتجاوز 60 ألف فرصة عمل وظيفية إن لم تزد على ذلك، ولا سيما حينما ندرك أن عدد العاملين في هذه السوق يتجاوز مليوناً و400 عامل، نسبة السعوديين منهم لا تتجاوز 13 في المائة. وسوق تجارة التجزئة في مجال التسويق تنقسم من حيث إنفاق المستهلك للحصول على السلع فيها إلى أربعة أقسام، الأول منها سوق المواد الاستهلاكية المنزلية من مواد غذائية ونحوها، الثاني منها سوق المطاعم وأماكن الترفيه، الثالث سوق الملابس والأحذية والأجهزة الإلكترونية والرابع سوق الأدوات المدرسية والمكتبية، وقد تضاف لذلك سوق خامسة وهو أدوات البناء والتشغيل والصيانة من أدوات وقطع غيار للكهرباء والسباكة. وإلى وقت قريب وبالتحديد في المدن الكبرى والرئيسة في المملكة ظل يتنازع النوع الأول من سوق تجارة التجزئة وهو سوق بيع المواد الاستهلاكية المنزلية من مواد غذائية ونحوها، الذي يبلغ معدل نموه السنوي 5.6 في المائة نمطان من الأسواق، الأول هو الأسواق التقليدية المتمثلة في البقالات المنتشرة على امتداد الطرق والشوارع الرئيسية، والثاني هو الأسواق المركزية الحديثة (الهايبرماركت والسوبر ماركت والميني ماركت)، حيث كانت معظم الأسر والأفراد في الماضي يشترون أغراضهم وحاجياتهم من البقالات فيما كانت حصة الأسواق المركزية محدودة جداً، إلاّ أننا نرى الآن تحولاً كبيراً من الشراء التقليدي إلى الشراء من الأسواق المركزية، حيث تشير الإحصاءات المنشورة إلى أن نسبة المستهلكين الذين يشترون من الأسواق المركزية تبلغ 35 في المائة، ومن المتوقع أن ترتفع لتصل تلك النسبة إلى 60 في المائة خلال السنوات القليلة المقبلة، بينما لا تستقطع البقالات سوى نسبة قليلة لا تتجاوز 6 في المائة فقط من حجم سوق التجزئة، والسبب في ذلك يعود بشكل رئيسي إلى زيادة عدد منافذ البيع للأسواق المركزية عما كانت عليه في السابق، وإلى توافر أجواء التسوق المريحة من مواقف سيارات كافية وفراغ تسوق متعدد العناصر في بيئة مكيفة وآمنة وربما أسعار أقل من مراكز الجملة، في حين ظلت مبيعات البقالات الصغيرة محدودة وتنمو ببطء رغم عددها الكبير وانتشارها الممتد داخل الأحياء. وبعد إقرار وزير العمل بفشل برامج السعودة خلال الـ 15 عاما الماضية مما فتح الباب على مصراعيه للعمالة الوافدة لاحتكار الأعمال الصغيرة والمتوسطة، التي تدر على هذه العمالة عشرات المليارات من الريالات سنويا وسط فشل ذريع لبرامج السعودة التي عصفت بها الظروف المحبطة من كل جانب، فإن سوق تجارة التجزئه تعد فرصة كبيرة للاستيعاب الوظيفي لكثير من الشباب السعودي ممن لا يحملون مؤهلاً علمياً أو تدريبياً للانضمام لسوق العمل، وهو في الواقع ما نشاهده حياً في الواقع لدى كثير من أسواق تجارة التجزئة الكبيرة والضخمة في مدن المملكة الرئيسية، وهي كذلك مما سيهيئ الظروف للتقليل من إعداد البقالات ومحال التجزئة الممتدة على الطرق والشوارع الرئيسية لتصل إلى الحد الأدنى من الاحتياج إليها، وبالتالي تحقق التخلص من العمالة الوافدة غير المؤهلة الموجودة في تلك السوق، التي تمثل هاجساً اجتماعياً وأمنياً مقلقاً للمملكة، وهو أيضاً مما سيحد من النزف اليومي للموارد المالية الوطنية التي تحولها تلك العمالة، مما لا يتواءم والعائد الإيجابي منها على المجتمع ـــ إن وجد ـــ وبالتالي إعادة ضخ تلك الموارد المالية في الاقتصاد المحلي، وبذلك التوجه نسهم في دعم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لمجتمع السعودية من خلال المشاركة في الحد من آثار البطالة بإيجاد الفرص الوظيفية للشباب، الذي يمثل أكثر من ثلثي سكان البلاد. وإذا كانت النية التوسع في الإقراض للمنشآت الصغيرة والمتوسطة فلا بد من التهيئة والإعداد المسبق لهذه الشريحة من الشباب في مجال التدريب على وظائف تجارة التجزئة ليتعلم كيف يخطط وينظم أعمال منشأة تعمل في مجال تجارة التجزئة، ويدير ويشرف على نشاطات العاملين في مجال بيع البضائع والمنتجات لأغراض الاستهلاك الشخصي أو الاستخدامات المنزلية، إضافة إلى القيام بعمل تحليل بيانات السوق الخاصة بالتغييرات الحالية والمتوقعة مستقبلا في الطلب والعرض على السلع والبضائع، وكيف يقرر سياسات الشراء والبيع والإعلان والائتمان الخاصة بالمنشأة ويبتكر الطرق والوسائل التي تؤدي إلى زيادة حجم المبيعات والقيام بمقابلة المروجين التجاريين، وزيارة المعارض التجارية وعقد صفقات بالنيابة عن المنشأة. وبهذا نضمن النجاح لتجربة توطين وسعودة أعمال تجارة التجزئه ونضمن استمرارها وفي الوقت نفسه نصل إلى التخلص من أبرز العناصر التي تقف وراء الازدحام المروري وعرقلة السير على الطرق والشوارع الرئيسية وكذلك قيام ملاك العقارات على الطرق والشوارع الرئيسية بتحويل الحيز المكاني الذي تشغله محال التجزئة المنتشرة شريطياً بصورة مبالغ فيها إلى فراغات سكنية ربما حلت جزءاً ولو يسيراً من قضية الإسكان، وهو ما سيفضي بصورة غير مباشرة إلى التوفير في استهلاك الطاقة التي تهدر حالياً، ويقلل من حجم التالف وما تنتهي صلاحيته من المواد الاستهلاكية المبعثرة على الآلاف من منافذ البيع المنفردة ويخفف على الجهات الرقابية جهود المتابعة والرقابة لصلاحية المواد والأسعار. عضو لجنة المقاولين الغرفة التجارية الصناعية في الرياض
إنشرها