Author

ماذا نتعلم من معرض الكتاب؟

|
مضى معرض الكتاب بما له وما عليه .. والحمد لله أن له من الإيجابيات الكثير، لقد كان حدثا سنويا ننتظره، ووزارة الثقافة والإعلام تبذل جهودا كبيرة لإنجاحه، والناشرون حول العالم العربي ينتظرونه، ومعهم حق، فهم يعترفون بأن مبيعات أسبوع في المعرض تعادل مبيعات ثمانية أشهر (هذا بتحفظ). من إيجابيات المعرض تطور المساحة المتاحة للناشرين لعرض إصداراتهم، وأغلبهم يشيرون إلى أن معظم الكتب التي تقدم لوزارة الثقافة والإعلام يتم فسحها، وقليلة هي الكتب التي تمنع، وهذا معلوم ومدرك، فمع تدفق المعلومات الكبير، لم تعد هناك حدود أمام صناعة النشر. ولكن من واجب الوزارة أيضا أن تحمي المجتمع والذوق العام من المحتوى الساقط الذي بدأ يتطور مع تحول الفكر والثقافة إلى سلعة استهلاكية هدفها الربح أولا وأخيرا. أيضا من إيجابيات المعرض بروز وجهات نظر مخالفة لبعض معروضاته أو نشاطاته.. وفي تصوري أن هذا الاختلاف في وجهات النظر أمر إيجابي، ويعني أننا بدأنا نكون (مجتمعا طبيعيا)، نختلف في الآراء والأفكار، قد تعلو الأصوات وتشذ العبارة، ولكن في آخر النهار كل يذهب إلى بيته سالما مرتاح الضمير، إنه اختلاف في إطار الوحدة و: لأجل الوحدة، ومؤشر على (التدافع السلمي) بين الناس.. وفي إطار التفكير الإيجابي علينا أن نرى أن هذا التدافع ضروري لكي نتحول إلى تحقيق متطلبات المجتمع المستقر والحكم الصالح. المؤسف أن هناك من حاول اختطاف اللحظة، وسعى ليصور (الخلاف) على أنه (معركة)، وهذا بدون شك انتهاز غير موفق وتأزيم للمشاكل، وهو وسيلة الباحثين عن النجومية التي توفرها مثل هذه الظروف. هؤلاء النجوم الجدد في ساحة الإعلام يجب أيضا أن نرى أن بزوغهم أمر طبيعي في عالم الثقافة الجماهيرية، فهم بشر ومن طبيعة البشر أن يبحثوا عن تحقيق الذات بالطريقة التي تتفق مع إمكاناتهم, ومدى تطلعاتهم للحياة, وحسب تعليمهم وتربيتهم، كما أن هؤلاء النجوم أصبحوا ضرورة لوسائل الإعلام الشعبية، فهي التي تصنع النجوم، ولكن هؤلاء بالنهاية: يعلون كالنجوم ويسقطون كالشهب! لقد قلت إن هذا الاختطاف مؤسف، لأنه قد يأخذنا إلى المدى الخطير، أي إلى زيادة مساحة الاستقطاب الفكري والاجتماعي، فكلما زاد الاستقطاب تحول إلى مسار يفضي إلى الخصومة والاضطراب الاجتماعي والسياسي، وردة الفعل أيام المعرض أعادتنا مع الأسف إلى هذا الاستقطاب، وإلى الفرز الفكري والاجتماعي، وعلت أصوات (القلة) من متطرفي الجانبين، كل يقصي الآخر وينفيه، فهما وجهان لعملة التطرف الواحدة، كل طرف يذكي البغضاء ويتسابق للتشهير والاستعداء.. أي فكر وأي ثقافة وأي وعي لدى هؤلاء، والحمد لله أن أغلبية الناس أصبحت تتفرج على هؤلاء كما تتفرج على البرنامج طيب الذكر (الاتجاه المعاكس).. نتفرج على مسرحية خلاف مسلية، ثم نضحك ضحكا كالبكاء! للزملاء في وزارة الثقافة والإعلام.. نقول شكرا لجهودكم، وعليكم أن تتشددوا مع الناشرين الذين لا يحترمون ضوابط المعرض وأخلاقياته، خصوصا أن أغلب الناشرين تحولوا إلى تجار، ما يهمهم المحتوى الذي يبيع، وربما نعذرهم جزئيا إذا عرفنا صعوبات النشر وتحدياته في العالم العربي. أيضا نرجو من الزملاء القائمين على الأنشطة الثقافية أن يخرجوها من قائمة الأسماء (النجوم) الذين تسيدوا المشهد الثقافي والإعلامي في السنوات الأخيرة.. هؤلاء أصبحوا أصحاب مواقف ولهم خطابهم الخاص وهذا من حقهم، لذا افسحوا المجال للتنوع في مختلف المجالات حتى لا يكون الحدث الثقافي تحت رحمة القلة.. إنه للأغلبية التي تستفيد وتستمتع بالمعرض كحدث ثقافي وأيضا: اجتماعي. إنه أسبوع القراءة السنوي، فحافظوا عليه لهذا الغرض النبيل لتكريس عادة القراءة بالذات للجيل الجديد.
إنشرها