Author

القروض الشخصية .. المشكلة التي لا أحد يراها!

|
مع وصول القروض الشخصية إلى 237 مليار ريال المقدمة من القطاع البنكي, إضافة إلى 35 مليارا من خارج القطاع البنكي .. هذا الرقم يتطلب المراجعة الشاملة، فهذا رقم كبير جدا والأكبر هو حجم الفوائد المترتبة عليه، ونمو هذا الرقم جاء بعد التوسع في القروض الاستهلاكية. هذا التوسع عززه الحصول على الضمانات للمقترضين مثل تحويل الراتب والكفالات الملزمة ورهن الأصول، وأيضا جاء مع ارتفاع هامش الأرباح التي يتقاضاها المقرضون لتغطية المخاطرة، لذا أصبح الملتزمون بالسداد، وهم الأغلبية، يتحملون تكاليف القروض غير المسددة.. والرابح الأكبر هم المقرضون! المراقبون لأوضاع سوق التقسيط يرون أن هذا الوضع المريح جدا للمصارف ولشركات التقسيط هو أحد العوامل التي أدت إلى عدم التوسع في إقراض المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فالعمل في هذا الاتجاه مكلف ومتعب ويتطلب كفاءة إدارية عالية للدراسة والتحليل والتشغيل.. لذا لماذا (وجع الراس) والبديل المريح موجود! بدون شك العائد إيجابي وكبير لقطاع التقسيط بالذات مع توجه الناس لحل مشاكل الحياة الأساسية مثل السكن، فالناس بحاجة إلى سيولة يتم توفيرها عن طريق تحويل السلع إلى سيولة غالبا في السيارات، وهذا الوضع إيجابي للمقرضين ولكنه سلبي على المقترضين, لأنه يراكم الديون, وهناك ما يقارب 60 ألف متعثر حسب بيانات (سمة), وذلك حتى الشهر الماضي, وهذا الوضع قد يرفع المخاطر الاجتماعية والأمنية والاقتصادية. والتركيز على القروض الشخصية أيضا سلبي على الاقتصاد, لأن هذه الأموال الضخمة عائدها على الاقتصاد الكلي محدود جدا وليس لها قيمة مضافة، وهي تساهم في (تدويل/ تدوير الثروة بين الأقوياء)، فماذا يستفيد الاقتصاد مع غياب الضرائب لتمويل القطاع العام بحيث يحولها إلى الخدمات التي تنعكس على حياة الناس؟ طبعا هذا الرقم، أي 272 مليار ريال، هو حجم الإقراض المعروف، ولا يعكس المبلغ الحقيقي، فهناك أموال كبيرة متداولة توفرها شركات ومؤسسات التقسيط التي لا تتيح بياناتها وتقدر بـ (75 – 100 مليار ريال), وكذلك هناك المقرضون الأفراد، أي أننا إزاء سوق ضخمة للديون الشخصية تتطلب التنظيم الذي يضبطها ويراقب المحاذير التي قد تترتب عليها.. والأزمة المالية العالمية كانت بسبب الإفراط في الديون بدون ضوابط! أيضا تتطلب المعالجات الحكومية الاستراتيجية بعيدة المدى التي تستهدف محاصرة المشكلة عبر الآليات والأدوات الاقتصادية والمالية التي تضبط السيولة وتجعلها في خدمة الاقتصاد الحقيقي، وليس في خدمة تنمية ثروات القلة. والمعالجة بعيدة المدى ضرورية حماية للناس من أنفسهم، وحماية للمصالح العليا للدولة والمجتمع، فالناس أمام احتياجاتها الملحة وأمام توسع تطلعاتها.. وحتى استجابة لطمعها ستظل تبحث عن السيولة، وهنا يأتي دور الحكومات لمعالجة المشاكل. نحن لدينا سيولة كبيرة تكفي لتلبية احتياجات الناس الملحة والتعامل معها بدون ضغوط على الدولة أو على الناس، ولكن السيولة مشتتة داخل الأطر الرسمية أو خارجها, فمثلا لدينا عدة صناديق متخصصة لإقراض المشروعات الصغيرة أو التدريب أو لمعالجة الفقر، عدة صناديق ومؤسسات متداخلة الأهداف متضاربة الآليات. هذه لو جمعت في (بنك متخصص في التنمية الاجتماعية) فإن هذا أفضل لتوجيه الجهود لخدمة برامج التنمية الاجتماعية المستدامة عبر توفير القروض الحسنة للمشروعات الاستثمارية للجمعيات الخيرية، ودعم مشروعات الأوقاف، والمشروعات الصغيرة، ودعم العاطلين عن العمل, وغيرها من المشروعات التي تمس الاحتياجات الإنسانية والاجتماعية الأخرى. كذلك السيولة الكبيرة المدورة في قطاع الإسكان التي توفرها الحكومة يمكن تجميعها في (بنك متخصص للإسكان) بحيث يوفر التمويل ويكون ضابطا للسيولة في هذا المجال, لتكون تحت الرقابة وفي خدمة الاقتصاد الكلي, والمهم أن تكون السيولة متاحة للناس بتكلفة وشروط ميسرة، لا ترهقهم نفسياً واجتماعياً ولا تكلفهم مادياً. هذه جزء من الحلول الضرورية لمعالجة نمو القروض الشخصية. ومع وصول الديون على الأفراد والشركات إلى حدود (ألف مليار ريال), بما فيها الديون غير المعروفة رسميا، فإننا إزاء رقم نخشى من تبعاته, خصوصا أن هناك ما يقارب 4.5 مليون مواطن مقترض.. وأغلب المقترضين يقعون في الشريحة العمرية (20 ــ 40) سنة, أي أن هؤلاء يبحثون عن أساسيات الحياة الكريمة, كيف سنتعامل مع تبعات الديون, وما هي الآثار على الأمن الوطني والسلم الاجتماعي والأداء الاقتصادي .. هذا هو السؤال الوطني المهم.
إنشرها