Author

«الداخلية» ومحاربة الجشع

|
قبل نحو أسبوعين نشرت جريدة ''الرياض'' إعلان تشهير بمخالفة تجارية ارتكبها أحد كبار تجار مواد البناء لمغالاته في أسعار الحديد. ذلك الإعلان صدر بناء على قرار النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية القاضي بفرض غرامة مالية مقدارها 50 ألف ريال على التاجر المخالف، إغلاق فرع شركته التي تم فيها ضبط المخالفة، ونشر قرار التشهير على حسابه على نصف صفحة في إحدى الصحف المحلية. وسبق ذلك الإعلان نشر إعلان مماثل تشهيرا بتاجر كبير آخر تورط في المخالفة نفسها. ولم تكتف وزارة الداخلية بنشر تلك الإعلانات، بل وجهت تحذيرا للجميع بأنها ستستمر في معاقبة وردع كل من يتلاعب بالأسعار ويفتعل الأزمات لرفع الأسعار واستغلال المواطنين. تلك الخطوة من الوزارة تستند إلى القرار الحازم الذي صدر عن الحكومة قبل عام تقريبا بالتصدي للمتلاعبين في سلعة الحديد من تجار وموزعين، وملاحقة الانتهازيين الذين لجأوا إلى ممارسات مقيتة لا يعاقب عليها القانون فحسب، بل إن الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ قد توعد أصحابها بعذاب أليم. فقد أسفرت الحملات المباغتة التي اضطلعت بها فرق التفتيش من أجهزة الأمن ووزارة التجارة لمستودعات الحديد في مناطق عدة من المملكة عن إدانة عدد من المتلاعبين بإخفاء مخزونهم لرفع الأسعار، كما كشفت عن تورط بعض ''الأسماء الكبيرة'' التي لم تربأ بنفسها عن المشاركة في حماقات ضارة باقتصاد الوطن. وعلى الرغم من التأخير في نشر تلك الإعلانات، إذ انقضت ستة أشهر بين تاريخ صدور قرار النائب الثاني بالعقوبة في 4/9/1431هـ وبين تاريخ الإعلان، إلا أن نشرها في هذه الأيام يصادف توقيتا جيداً. ذلك أن كثيرا من المواطنين بدأ يتوجس خيفة مما قد تتفتق عنه أذهان بعض التجار في توظيف التقارير التي صدرت أخيرا عن مؤسسات دولية بخصوص زيادات مرتقبة على مستوى العالم في أسعار السلع, ولا سيما المواد الغذائية. وما يعزز تلك المخاوف لدى المواطنين حجم المخصصات المالية التي اعتمدتها الحكومة في الآونة الأخيرة لدعم قطاعات تنموية مهمة وعلى رأسها الإسكان، القروض العقارية، وقروض المشروعات الصغيرة، إلى جانب دعم الرواتب، وإعانات البطالة وغيرها. إذ قُدر ذلك الدعم السخي في مجموعه بأكثر من 100 مليار ريال، وهو مبلغ جدير بأن يجذب انتباه المتعاملين في السوق, وفي مقدمتهم أولئك الذين مردوا على الجشع. ومن ثم كان لا بد من تذكيرهم بما قد ينتظرهم من عقوبات صارمة، وهو ما كشفت عنه صراحة إعلانات وزارة الداخلية الأخيرة. كما لا بد من الإشادة بالتحذير الذي وجهه المفتي العام لأولئك التجار في خطبة يوم الجمعة الموافق 22/3/1432هـ. إن ما نشاهده من تحول كبير في أخلاقيات السوق في السنوات القليلة الماضية أمر يدعو للأسف. إذ إنه إلى الأمس القريب كان اسم ''تاجر'' ينبئ عن خصال حميدة كالأمانة والمروءة وتقوى الله، ومن ثم كان التاجر يتبوأ مكانة رفيعة في المجتمع لا تقل عن مكانة العلماء مهما كان حجم تجارته، فالمقياس هو حسن الخلق وشرف الكلمة. بينما اليوم أصبح اسم ''تاجر''، لا سيما إذا أضيفت إليه صفة ''كبير''، من الأسماء المخجلة للبعض بسبب الأذى الذي تتعرض له السوق بين الحين والآخر على أيدي حفنة ممن يشتغلون في مهنة التجارة. لقد تكررت أزمة الحديد، ومن قبلها الأسمنت، أما أزمات المواد الغذائية والأعلاف وغيرها فقد باتت أمورا مألوفة يعانيها المواطن وتتناولها الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى كأحد أبوابها الثابتة. وليت أزمات السوق اقتصرت على تلك المرتبطة بما يحصل في الأسواق العالمية، بل لجأ بعض من التجار إلى اختلاق أزمات خاصة بنا لا مبرر لها سوى الجشع. وهنا أعود لتكرار ما سبق أن طرحته قبل عام تقريبا في ''الاقتصادية'' (12/4/1431هـ) بدعوة الجهات المختصة لإجراء دراسة دقيقة تبحث عن الأسباب الخفية لأزمات السوق المتكررة وتسليط الضوء على سلوكيات وتحركات كبار المتلاعبين فيها بما في ذلك مصادر التمويل المتاحة بين أيديهم.
إنشرها