Author

الكشافة .. هل تكون مؤسسة وطنية للتطوع؟

|
منذ أن تسلم الأمير فيصل بن عبد الله وزارة التربية كان له اهتمام خاص وواضح بـ (الكشافة)، وهذا الجهد بدأ يتطور، حيث نقل مؤخراً أن سموه يتطلع إلى تحويل الكشافة إلى مؤسسة وطنية، وإذا كان هذا التوجه فإننا نرجو أن يخرجها من وزارة التربية، ويجعلها (مؤسسة وطنية مستقلة) تتبع مباشرة الملك، فما أكثر المشاريع التي تحت الوزارات وهي تختفي وتقارب الموت، فالوزارات لها أولوياتها ولها اهتمامات قياداتها واعتباراتها السياسية، لذا يموت في الأدراج العديد من المشاريع الحيوية للدولة والمجتمع! إذا أثمرت رؤية الأمير فيصل عن ولادة مؤسسة وطنية للكشافة، فنرجو أن تكون الحاضن الوطني للعمل التطوعي الذي يستقطب الشباب ليحولهم إلى المسارات التي تربيهم وطنياً، عبر البرامج والمشاريع المتخصصة التي تستهدف استثمار حماسهم ومبادرتهم وتطلعهم لتأكيد الذات .. وهذا له العديد من الإيجابيات. أول هذه الإيجابيات هو (البعد الإنساني)، فهذه الشريحة من حقها على الدولة والمجتمع أن يتم إعدادها بالمهارات الضرورية لمواجهة الحياة وتقلباتها، فعبر التاريخ لم نعرف أن مجتمعا إنسانياً دامت له الظروف المثالية للحياة، فنحن في هذه الحياة نتقلب من حال إلى حال، وهذا المسار للحياة يجب أن تستعد له الطبيعة البشرية لتكون قادرة على التكيف مع الظروف التي تواجهها، والإعداد لهذه الحالة النفسية والفكرية يتم في مرحلة التنشئة الاجتماعية، حيث الإنسان خامة طرية قابلة للتشكيل والتوجيه. يضاف إلى أهمية البعد الإنساني، المكسب الاجتماعي الاقتصادي، ونقصد بذلك أن المجتمع النامي يحتاج إلى الجهود الواسعة التي تتجه إلى خدمات التنمية الاجتماعية المستدامة العديدة الموجهة إلى الشرائح العاجزة أو المريضة أو الفقيرة في مجالات الرعاية أو التوعية، وهذه المجالات يخدمها بشكل كبير (عمل التطوع) لأنها تحتاج إلى العناية الرحيمة، أي التي (تنبع من القلب)، أي حافزها الأكبر معنوي/ روحي .. وليس ماديا والشباب تستجيب مشاعرهم قبل عقولهم للعمل والإنتاج، لذا هم بمثابة (قوى عاملة) منتجة بتكاليف بسيطة، وهذا جزء من الشق الاجتماعي الاقتصادي. وتحويل الشباب إلى مؤسسة وطنية ترعاهم خارج التعليم العام هو مسار ضروري، لأنه يحقق بناء الثقة بالنفس، وبناء المهارات عبر الممارسة والمشاركة والمحاولة والخطأ وهو ما يفتقده التعليم العام. إن انتهاء اليوم الدراسي مبكراً يجعل الشباب في رحلة فراغ اجتماعي كبيرة، فرعاية الشباب أهملت الجانب (الاجتماعي والثقافي) في الأندية، بل أغلب الأندية تضع عند اسمها في لوحاتها وأوراقها، (نادي رياضي) وتهمل البقية، وحتى وزارة الشؤون الإسلامية أهملت المساجد ولم تستثمر طفرة الإنفاق على المساجد الكبيرة من المتبرعين لتحول المساجد إلى مراكز للأحياء، ووزارة المعارف ومن ثم التربية لسنوات طويلة أهملت الكشافة حتى كدنا ننساها، وكانت ذريعة الاعتمادات المالية حينئذ هي العذر الذي نسمعه لإهمال الكشافة! إننا في حاجة ماسة إلى مشاريع وطنية موجهة إلى الشباب تقلل ساعات الفراغ الطويلة .. نريد مشاريع تجعل الشباب بالذات (بين سن 12 و18) عند الساعة الثامنة مساءً لا يفكرون إلا في (النوم!) نريد أن تتعب أجسادهم بالأنشطة المفيدة التي تبعدهم عن السهر، وعن المطاعم السريعة، وعن غرف الدردشة في الإنترنت. مع الأسف إن جزءا كبيرا من الشباب الصغار الآن يقضون الساعات الطويلة في مقاهي الإنترنت المظلمة والمغلقة الأبواب والتي تعج بالدخان .. ماذا يفعلون من العصر إلى الساعة العاشرة مساءً؟ في أي عالم يسبحون، مع من يتواصلون؟ إذا كنا لا نعرف الإجابة .. فهذه مصيبة أخرى جديدة تفاجئنا اليوم! أرجو أن نكون مدركين خطورة استهداف الشباب .. فهؤلاء الآن إما أن تستهدفهم مشاريع سياسية خارجية هدفها استخدامهم لضرب مجتمعهم وإحداث الإخلال بالأمن لأجل تفكيك بنية المجتمع حتى تسهل إعادة تشكيله .. أو أنهم مستهدفون من قبل عصابات الإجرام والمخدرات والإرهاب خصوصاً في الدول الغنية كدول الخليج.. لماذا نترك الشباب بدون مشاريع وطنية جادة تحتويهم لتحولهم إلى طاقة بناء لمجتمعاتهم؟ أرجو أن يتحقق مشروع وزير التربية والتعليم لإيجاد مؤسسة وطنية للكشافة. نرجو من الأمير فيصل أن يجعل هذا مشروعه الذي ينجزه للوطن، فنحن نحتاج إلى مؤسسة وطنية تجمع جهود التطوع وتصدر التراخيص له وتقدر المكافآت والمميزات، وربما يحول لها الشباب العاطلون عن العمل ويكون دعمهم عبرها أفضل من إعطائهم الرواتب وهم في البيوت. إن مثل هذه المؤسسة نحتاجها لبناء الشباب ولتربيتهم، وللمساندة والدعم في حالات المناسبات الوطنية ونحتاج إليها في حالات الأزمات والكوارث (لا سمح الله).
إنشرها