Author

ما الفرق بين حالتي البشير والقذافي أمام الجنائية الدولية؟

|
المحكمة الجنائية الدولية لها صورة سلبية في العالم العربي بعد أزمتها مع البشير، ولكن المؤكد أن صورة المحكمة قد تتحسن بعد قرار مجلس الأمن رقم 1970 الذي أحال ملف ليبيا إلى المحكمة في إطار عدد من العقوبات الهادفة ولو من الناحية النظرية إلى الضغط على القذافي حتى لا يستمر في أعمال الإبادة ضد الشعب الليبي. وحتى نفهم مدلول هذه الإحالة من الناحية القانونية ودلالتها السياسية والفرق بين البشير والقذافي، فإن الملاحظات التالية قد تفيد في تحليل هذا الموقف اقتناعاً منا بأن المعلومة هي المقدمة الطبيعية لإبداء الرأي. أولاً: أنه ثبت حتى الآن أن العالم العربي ينظر بشك وريبة إلى المحكمة الجنائية خاصة بعد تجربة البشير. ومصدر الريبة أن مجلس الأمن يستطيع أن يحيل من تقرر الدول الكبرى ليس حباً في العدالة الجنائية ــــ إلى المحكمة، ولذلك ألحت واشنطن على أن تدرج ثلاثة مواد في نظام روما رغم أنها أعلنت الحرب على المحكمة حتى خلال مرحلة إنشائها، وهى المواد 13 و16 و98. وبموجب المادة 13 لمجلس الأمن أن يحيل إلى المحكمة بقرار يصدر وفق الفصل السابع. أما المادة 16 فتعطي مجلس الأمن الحق في وقف إجراءات المحاكمة وجوبا، وكلاهما سلطتان تستطيع الولايات المتحدة بهما أن تضغط على الدول لتحقيق مصالحها. في حالة القذافي، قرر مجلس الأمن إحالة الملف الليبي إلى المحكمة دون أن تجري تحقيقات أولية واعتمدت على ما نشرته وكالات الأنباء وهى بالفعل جرائم تدخل في اختصاص المحكمة، ولكني أرى أن الهدف من القرار هو مجرد الضغط السياسي. فقد كان القذافي مسالماً بالنسبة لواشنطن بعد تسويات لوكربي رغم أن تلك التسويات كانت من مال الشعب الليبي، كما أن هذه التسويات لم تلق إجماعاً لدى الشعب الأمريكي. لقد أجمع العالم العربي على مساندة البشير في أزمته مع المحاكمة الجنائية الدولية لأنه يدرك أن البشير يعاقب بسبب تمسكه بوحدة السودان، وكان يتعين على المحكمة أن تحاكم المتمردين في دارفور الذين خرجوا على الدولة السودانية. الفارق بين البشير والقذافي قد لا يبدو للعامة واضحاً،على أساس أن كليهما نسبت إليه إبادة جزء من شعبه، ولكن الفارق يتضح في إطار السياق الذي وقعت فيه الجرائم. فالبشير كان يحارب متمردين أرادوا الانشقاق في دارفور بمعونة خارجية إسرائيلية معلنة ومحاولات لغزو الخرطوم، ومن ثم فإن الجرائم ارتكبت في إطار عمليات مشروعة لهدف مشروع. أما القذافي فقد استخدم القوة المسلحة ضد شعب أعزل يعترض على طريقة حكمه ثم طور اعتراضه على نظامه وعلى وجوده وأصبح شعار الرحيل هو الأساس. من ناحية أخرى، فإن القذافي قد أثار المشاكل مع كل الدول العربية تقريباً، ولذلك الموقف العام من إحالته إلى الجنائية الدولية يختلف عن موقف البشير الذي ليس له عداوات في العالم العربي، بل إن الكثيرين يتعاطفون معه لسببين أولهما أن المحكمة الجنائية سلاح في يد واشنطن والعرب، والآخر أن البشير يؤيد المقاومة الفلسطينية. وفى الختام لا أظن أن إحالة القذافي إلى المحاكمة تهدف حقاً وكليا إلى مساعدة الشعب الليبي، وإن كانت تعد فعلاً مساعدة، ولكنها محاولات لاستنقاذ صورة المحكمة في العالم العربي.
إنشرها