Author

دعم الجمعيات الخيرية .. استثمار

|
المؤسسات والجمعيات الخيرية العاملة في مناطق المملكة المختلفة والتي ترعى المرضى والأيتام والفقراء وتتصدى لمجالات عديدة، هذه المؤسسات أصبحت في السنوات الأخيرة الأكثر قربا من الناس والأعرف بمشاكلهم الدقيقة، ولديها خبرة في تلمس الحاجات الملحة وتوقعها وتقدير تكلفتها، إنها بوابة رئيسية للعمل الإنساني والخيري, تدعمها الدولة ويدعمها أهل الخير من المحسنين والمحسنات. الآن لدينا أكثر من 450 جمعية ومؤسسة خيرية، وتشكل نواة كبيرة لحراك المجتمع المدني، ويعود تاريخ بعضها إلى أكثر من أربعة عقود، لذا القائمون عليها من الرجال والنساء أصبح لديهم رصيد كبير في إدارة العمل الخيري، وبعضهم يُحسب في إطار الرواد الذين بذلوا الجهد والمال والوقت، ولا أريد أن أذكر أسماء حتى لا أذهب بالأجر الذي احتسبوه. هؤلاء ثروة لمجتمعنا، وفي الأمس قلت إن لدينا ثروة من رجالات الدولة الذين خدموا بلادهم في القطاع العام الحكومي، واليوم أقول إن لدينا أيضا ثروة مهمة يجب أن نستفيد منها, وهي: هؤلاء الرجال والسيدات الذين خدموا بلادهم في المجال الإنساني والاجتماعي. هذه الثروة من التجربة الإنسانية مع العمل الخيري أرى أنها تشكل فرصة للدولة لكي تصل عبرها إلى الناس ذات الاحتياجات الخاصة، وإلى الفئة الضعيفة من المجتمع التي وضعتها ظروفها في الإطار الحرج إنسانيا واجتماعيا واقتصاديا.. وهنا ندعو بشكل مباشر إلى برنامج حكومي طموح لرفع الدعم المادي للمؤسسات الخيرية التي انطلقت وكبرت وتعددت نشاطاتها وتوسعت الشريحة التي تخدمها.. لكنها (تواجه أزمة) في مواردها، فقد كثرت الجمعيات والمؤسسات الخيرية وتوسعت احتياجات الناس. إذا لم تبادر الدولة إلى دعم هذه المؤسسات فقد تعجز عن مواصلة خدماتها للشريحة المحتاجة، وبالتالي هؤلاء سوف يصبحون مسؤولية الدولة، وهنا ستكون التكلفة كبيرة ماليا على الدولة، ولها آثارها الاجتماعية السلبية علينا جميعا، فالجمعيات والمؤسسات الخيرية تقوم الآن بعبء كبير، وتتحمل الكثير في سبيل الفقراء، والأمراء والأميرات ووجهاء المجتمع ورجال الأعمال يبذلون المال والجهد والوقت وسوف يستمرون دون شك .. ولن يملوا، ولكن الاحتياجات تكبر وتكلفة الحياة تزداد وتطلعات الناس ترتفع، فتكلفة رعاية الأسرة الفقيرة لم تعد الآن كما كانت في عقود مضت! ولكن السؤال.. لإتمام هذا الأمر كيف الآلية للدعم؟ ثمة آلية (هي الخطوة الأولى للنقاش) وهي وضع عدد من الاعتبارات الأساسية منها، أولا، الشريحة التي ترعاها الجمعية أو المؤسسة من حيث درجة احتياجها وعددها، فالمرضى ربما تكون لهم الأولوية, ثم المعوق الفقير, أو اليتيم الفقير .. وهكذا تحدد الفئة الأكثر احتياجا, ثم يأتي, ثانيا, البعد النظامي والمهني, أي الجمعيات الملتزمة بالأنظمة ولديها بيئة إدارية ومالية سليمة وبعيدة عن الملاحظات, ثم يأتي كفاءتها في إدارة مواردها بحيث لا تتجاوز على أكثر تقدير نفقات التشغيل الـ 20 في المائة, ثم يأتي, ثالثا, المجال الذي ترعاه الجمعية والذي ربما لم تصله الخدمات الحكومية بشكل كاف, رابعا, يوجه الدعم بشكل كبير لمشاريع تنمية الإيرادات مثل الأوقاف وغيرها, وهكذا تمضي الآلية في وضع الضوابط التي تقرر الدعم الحكومي. إن هناك الكثير من الجمعيات الخيرية التي يتوقع أن تصل إلى مرحلة (حرجة) في تنمية مواردها المالية, وقد لا تستطيع التوسع أو تتراجع خدماتها أو قد تنهار! .. وهذا ليس في مصلحتنا, فهذه المؤسسات تقدم خدماتها بشكل سريع للناس, في الزمان والمكان المناسبين, أي أنها أحيانا أكثر فاعلية من الجهاز الحكومي المكلف المتضخم. هذا الدعم الحكومي ضروري إذا أخذنا في الاعتبار أن ليس لدينا (نظام ضريبي) فاعل بحيث يُوجد الحافز والدافع للقطاع الخاص لدعم مؤسسات المجتمع المدني, كما أن مفهوم (المسؤولية الاجتماعية) ما زال في مراحله الأولى ولا يتبناه الآن إلا مؤسسات محدودة .. وما يهم القطاع المدني بالذات الجمعيات الخيرية هو ديمومة الموارد واستدامتها, وهذا لن يتحقق بالدعوات أو (الفزعات) الموسمية للتبرع، وقد رأينا قبل عامين عندما ضربت الأزمة المالية كيف تراجعت حصة الشركات والمؤسسات الخاصة في دعم العمل الخيري وقد وضع هذا بعضها أمام ظروف صعبة. علينا أن نهتم بالمؤسسات والجمعيات الخيرية, فهي التي تصل إلى قاع المجتمع .. إلى الفقراء الضعفاء .. والقائمون عليها أصبح لديهم رصيد في الإدارة وتجربة العمل المدني, ودعمها يجب أن ننظر إليه على أنه (استثمار) وليس نفقات, استثمار في الاستقرار الوطني واستثمار لأنه يعطي الفرصة لهذه الجمعيات لأن تنطلق وتتوسع في مشاريعها وخدماتها, وهذه تحقق لنا قيمة مضافة كبيرة في تقديم الخدمات الإنسانية وفي فتح فرص العمل, وما هو مهم هو توسيع دائرة مساهمة الناس في بناء وطنها .. إن العمل فيها يعطي الفرصة للإحساس بالمواطنة النقية.
إنشرها