ليبيا: المدن الشرقية تفلت من قبضة القذافي
ترددت أصداء زخات من نيران الأسلحة الآلية في شوارع طبرق الليبية أمس في جو احتفالي في المدينة، في حين أسقط المحتجون المناهضون للحكومة نصبا تذكاريا للكتاب الأخضر الذي ألفه الزعيم الليبي معمر القذافي.
وجابت شاحنات حاملة المتظاهرين شوارع المدينة الساحلية الواقعة في شرق ليبيا مارة وسط المنازل الخرسانية المنخفضة وأعمدة الدخان البعيدة.
وقال الجنود الليبيون في المدينة لمراسل "رويترز" في طبرق: "إنهم لا يؤيدون القذافي وإن المنطقة الشرقية خرجت عن سيطرته".
وقال اللواء سليمان محمود العبيدي: "إن الزعيم الليبي لم يعد موضع ثقة"، مضيفا أنه قرر تحويل ولائه بعد أن سمع أن السلطات أعطت أوامر بإطلاق النار على المدنيين في مدينة بنغازي شرقي البلاد.
وقال: إنه يقصف بطائرات حربية ويستخدم القوة المفرطة ضد العزل. وأضاف أنه متأكد من أنه سيسقط خلال الأيام القليلة المقبلة.
وقال سكان إن طبرق التي شهدت معارك كبرى بين القوات الألمانية وقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية أصبحت الآن في أيدي المواطنين، وأنها على هذا الحال منذ ثلاثة أيام.
وقالوا: إن الدخان المتصاعد فوق المدينة ناتج من مستودع للذخيرة قصفته قوات موالية لأحد أبناء القذافي.
وحرق بعضهم نسخا من الكتاب الذي نشر أول مرة عام 1975 والذي وضع فيه القذافي فلسفته السياسية التي شكلت الدعامة الأساسية لسنواته الطويلة في السلطة.
وشعر المحتجون بالسرور لأنهم وجدوا صحافيين أجانب ينظمون جولات في أنحاء المدينة على متن شاحنات الجيش وهرعوا للحديث ولالتقاط الصور معهم، وسأل أحد العاملين في فندق مراسل "رويترز": "لماذا تأخرتم كل هذا الوقت؟" وكانت الرسالة التي يريد المحتجون والجنود الذين كانوا يحتفلون توصيلها واضحة، وهي أن القذافي لم يعد له وجود هنا وأن شرق ليبيا تم تحريره.
وكتب على جدران شعارات مثل "يسقط يسقط القذافي". ووقف رجال يرتدون الزي العسكري في الطريق الرئيس لتوجيه حركة المرور. وقالوا: "إن ولاءهم لم يعد للزعيم الذي ظل يحكم البلاد طوال 41 عاما".
وتجمع المحتجون قرب مسجد في وسط المدينة، حيث كان هناك المزيد من الشعارات المكتوبة على الجدران مثل و"انتهت اللعبة يا قذافي" و"طبرق حرة اليوم".
وفي مكان مجاور يوجد ما تبقى من مركز للشرطة تم إحراقه وقال سكان إن النيران أضرمت فيه يوم 18 شباط (فبراير) وهو اليوم نفسه الذي قالوا إن الشرطة قتلت فيه أربعة من الشبان.
إلى ذلك، تحطمت طائرة حربية ليبية غرب بنغازي أمس بعد قيام قائدها ومعاونه بالقفز منها بالمظلات، رافضين أوامر عسكرية لقصف المدينة، حسبما أفادت صحيفة "قورينا" الليبية على موقعها على الإنترنت. ونقلت الصحيفة عن مصدر عسكري في غرفة عمليات قاعدة بنينا الجوية، أن الطائرة الحربية من نوع "سوخوي 22" روسية الصنع تحطمت غرب مدينة أجدابيا الواقعة على بعد 160 كيلو مترا جنوب غرب بنغازي.
في الوقت ذاته، باشر رعاة الماشية الليبيون في المناطق الرعوية الواقعة على الطريق شرقي بنغازي أعمالهم أمس مع عدم وجود مؤشر يذكر على الاحتجاجات التي شهدتها البلاد والتي توعد العقيد معمر القذافي بالقضاء عليها، وقاد الرعاة قطعان الماعز على جانب الطريق.
وفي بلدات صغيرة مثل العزيات على الطريق بين طبرق وبنغازي إلى الجنوب من الجبل الأخضر جلس رجال وتجاذبوا أطراف الحديث في المقاهي. وكانت هناك مشاهد مماثلة في أماكن أخرى.
ولم يكن هناك وجود للشرطة أو الجيش ولا يشعر السكان بالكثير من التوتر، وقال عامل لم يذكر اسمه في محطة للخدمات في الخروبة وهي بلدة صغيرة بين طبرق وبنغازي على أطراف الصحراء الليبية "لا يوجد أثر هنا. حدث كل هذا في المدن مثل بنغازي وطبرق".
وداخل المحطة كان هناك رجال يحتسون الشاي وبدت الأوضاع عادية في البلدة. وتوقفت حافلات صغيرة محملة بعمال مصريين وسوريين عائدة من بنغازي للاستراحة في المحطة، وقالوا إنهم لم يفروا من الأحداث، بل إنهم سيعودون لبلادهم في الوقت الراهن لأن كل الأعمال توقفت.
وقال سوري عمره 40 عاما "الوضع طيب في بنغازي... ليس هناك خطر الآن". وقال مصري في أواخر العشرينات من العمر: "نتمنى أن نعود. اعتدنا على الحياة هنا.. هذا البلد أحسن لنا.. ولا يمكن أن ننساه".
وشهدت المنطقة الشرقية انتفاضة ضد القذافي عام 1996 وهو العام نفسه الذي شهد مذبحة في سجن أبو سليم في طرابلس والتي قتل خلالها نحو ألف سجين الكثير منهم كانوا من بنغازي.
ولجأ القذافي إلى المقاتلات للقضاء على التمرد على حكمه في الجبل الأخضر عام 1996.
من جهتها، أعلنت ليبيا مقتل 300 شخص في الانتفاضة الدموية غير المسبوقة ضد نظام الزعيم معمر القذافي الذي توعد الثلاثاء بسحق الحركة الاحتجاجية، داعيا أنصاره إلى الانخراط في معركة "تطهير ليبيا شبرا شبرا".
وأحصي العدد الأكبر من الضحايا في بنغازي (104 مدنيين وعشرة عسكريين)، ثاني كبرى مدن البلاد على بعد ألف كلم شرق طرابلس ومعقل الانتفاضة، ومدينة البيضاء (18 مدنيا و63 عسكريا) ودرنة (29 مدنيا و36 عسكريا)، بحسب الأرقام التي نشرتها وزارة الداخلية.
وأمس، أعلن وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني في روما، أن إقليم برقة، أي المناطق الشرقية من ليبيا والتي تضم خصوصا بنغازي والبيضاء ودرنة، لم يعد خاضعا لسيطرة حكومة معمر القذافي.
وقال فراتيني خلال اجتماع نظمته جمعية سانت ايجيديو "لم يعد إقليم برقة خاضعا لسيطرة الحكومة الليبية وتشهد أنحاء البلاد كافة مواجهات وأعمال عنف".
ومساء الثلاثاء، وقبيل ساعات من نشر هذه الحصيلة، توعد "زعيم الثورة" في خطاب طغت عليه اللهجة الحربية، بإعادة فرض النظام بالقوة، مهددا بحمام دم كما كان فعل نجله سيف الإسلام مساء الإثنين.
وطالب معمر القذافي في خطاب متلفز دام أكثر من ساعة بـ "تسليم الأسلحة وإطلاق سراح الأسرى والقبض على المشاغبين وإعادة الحياة الطبيعية في الموانئ والمطارات".