Author

احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه يواجه عقبات متزايدة

|
إن تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه بالتزامن مع استخدام أنواع الوقود الأحفوري أصبحت واحدة من العناصر الرئيسة في السياسة المناخية لعدد من الدول في العالم، وتأتي على رأسها دول الاتحاد الأوروبي، حيث إن الاتحاد الأوروبي يعمل بنشاط على تشجيع وتطوير التقنيات ذات الصلة باحتجاز وتخزين الكربون. حيث كثيرا ما توصف هذه التقنية في الأدبيات الغربية على أنها التقنية التي تجسر المسافة بين الاقتصاد الذي يعتمد على الوقود الأحفوري ومصادر الطاقة المتجددة. لكن على الرغم من أن مفهوم وأهمية تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه معروفة جيدا، إلا أن أساليب التشجيع وتقديم الحوافز للمشاريع لم يتحقق حتى الآن بصورة وافية، حيث إنه لحد الآن لم يتم تطبيق مشاريع متكاملة من تقنيات احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه على نطاق واسع، كما هو الحال مع جميع التكنولوجيات الجديدة، حيث إن هناك حاجة إلى دعم إضافي للبرهنة على التكنولوجيا على نطاق كامل. ذلك أن تطوير والتثبت من أداء هذه التكنولوجيا الناشئة سيساعد على خفض التكاليف وتحسين الكفاءة وانتشار تطبيقها على نطاق واسع، إضافة إلى ضعف الدعم الحكومي وارتفاع التكاليف تجابه هذه التقنية تحدٍ آخر يتمثل في المعارضة الكبيرة من قبل المجتمع. ولأنصار هذه التقنية لا يعني هذا بالطبع أن جميع الجهود والأبحاث قد ذهبت هدرا، حيث لا يزال هناك الكثير من التطبيقات الصناعية لتقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه. كجزء من حزمة حوافز الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة وتغير المناخ، التزم قادة الدول الأوروبية ببناء نحو 12 مشروعا كبيرا لاحتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2015. الهدف من هذا القرار هو نقل هذه التقنية إلى النطاق التجاري الواسع بحلول عام 2020. لكن هذه الأهداف الطموحة لقادة الاتحاد الأوروبي لمكافحة تغير المناخ تواجه انتكاسة في الوقت الحاضر، حيث إن كثيرا من المؤسسات العلمية والخبراء في هذا المجال والمراقبين ينظرون إلى أهداف الاتحاد الأوروبي لبناء 10 إلى 12 مشروعا لاحتجاز الكربون وتخزينه في أوروبا بحلول عام 2015، وأنه هدف غير واقعي وغير قابل للتطبيق في الموعد المحدد؛ وذلك لأن الاتحاد الأوروبي قد لا تكون له أي محطة مبنية حديثا تعمل بالفحم مزودة بتقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون بحلول عام 2015 في إطار هدف الوصول إلى 12 مشروعا لاحتجاز الكربون وتخزينه بحلول ذلك الوقت، ذلك لصعوبة التمويل ومعارضة المجتمع وعدم وجود التزام حكومي كافٍ على مستوى رفيع، معظم المعنيين يتوقعون اليوم أن يبدأ العمل فقط في بعض المشاريع الصغيرة التي لا يتجاوز عددها الستة في أحسن الأحوال. حيث حذر هؤلاء من أن الموعد النهائي لعام 2015 في خطر؛ لتأخر الاتحاد الأوروبي في التمويل كثيرا. أحد مصادر التمويل في الاتحاد الأوروبي هو عن طريق بيع 300 تصريح لانبعاث الكربون بين عام 2013 و2020 في إطار نظام مقايضة الانبعاثات. هذه التصاريح من المتوقع أن توفر تمويل قدره 4.5 مليار يورو فقط. حيث من المقرر صرف هذه الأموال ليس فقط على مشاريع احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه، بل على مشاريع الطاقات المتجددة أيضا. إضافة إلى كون التمويل غير كافٍ، من المتوقع أيضا أن تتأخر قرارات التمويل من بنك الاستثمار الأوروبي حتى نهاية عام 2012، على الرغم من أن التعهدات السابقة كانت تشير إلى نهاية عام 2011. هذا التأخير سيؤثر على الموعد النهائي لعام 2015. قد ينظر البعض إلى أن التأخير لمدة عام واحد بالنسبة للتمويل ليس بالشيء الكبير، لكن في الواقع سيكون له أثر بالغ، حيث سيؤدي إلى تأجيل هدف الانتقال إلى النطاق التجاري الواسع إلى ما بعد عام 2020، إضافة إلى ذلك هذا التأخير في التمويل هو مجرد غيض من فيض من المشكلات التي تواجه تمويل مشاريع احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه. حتى الآن حصلت ستة من مشاريع احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه في أوروبا على تمويل من قبل الاتحاد الأوروبي بلغ مجموعها 1.0 مليار يورو فقط من حزمة حوافز الانتعاش الاقتصادي الأوروبية. في حين أن التكلفة الصافية للمشروع الواحد هي ما بين 1.0 و1.5 مليار يورو؛ لذلك فإن الإعانات تعد أقل من تكلفة متطلبات الشروع بالعمل. تجدر الإشارة هنا إلى أن قرارات الاستثمار النهائية للمشاريع الستة لم تتخذ بعد، ليس من المرجح اتخاذها حتى تتأكد الشركات مما إذا كانوا أيضا مؤهلين للجولة المقبلة من تمويل الاتحاد الأوروبي أم لا. حيث من المتوقع أن يتقدم المستفيدون الستة بطلب الحصول على منح جديدة من الاتحاد الأوروبي، مع وجود بعض الاستثناءات. لكن معايير المرحلة التالية من التمويل ستكون أصعب بكثير من مرحلة الاستفادة من حوافز الانتعاش الاقتصادي. هذا وسيتم تقييم المشاريع على أساس معيار واحد فقط، وهو الكلفة لكل وحدة من غاز ثاني أوكسيد الكربون المخزون، أو بمعنى آخر فقط المشاريع الأقل تكلفة ستتلقى تمويلا. ما هو أكثر من ذلك، إن هذه المشاريع سوف تحصل فقط على التمويل بعد تخزين أول دفعة من غاز ثاني أوكسيد الكربون، لكن حتى المشاريع التي ستحصل على التمويل الجديد تجابه هي الأخرى الكثير من عدم اليقين، حيث يمكنهم فقط الحصول على نصف التكاليف في أحسن الأحوال، لكن ماذا عن النصف الآخر؟ ثمة مشكلة أخرى، مختلفة تماما تواجهها مشاريع احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه متمثلة في المعارضة الشعبية، سواء لمشاريع الاحتجاز أو لبناء محطات طاقة تعمل بالفحم. على سبيل المثال أجبرت المعارضة الشعبية هولندا عن التخلي عن خطة لتخزين غاز ثاني أوكسيد تحت أحد الأحياء السكنية قرب روتردام. يوجد أيضا قلق حقيقي على البيئة من عملية التخزين، حيث حذر عدد من العلماء من المخاطر التي تهدد المياه الجوفية وحذروا أيضا من المبالغة في تقدير طاقات التخزين. في هذا الجانب بيّنت دراسة قامت بها مفوضية الاتحاد الأوروبي وجود نقص محتمل في طاقات التخزين في بلدان أوروبا الوسطى مثل ألمانيا وبولندا والتشيك. وهذا يعني أنه سيتعين نقل غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى أماكن أخرى للتخزين. من ناحية أخرى، تسرب غاز ثاني أوكسيد الكربون المحتمل من أحد مواقع التخزين في كندا لا تزال قيد التحقيق، وهناك تقارير أشارت إلى موت الحيوانات والطحالب ضمن محيط هذا الموقع. إن التقارير من هذا النوع في وقت ما زالت فيه هذه التقنية في مراحلها الريادية، من المرجح جدا أن تثير العديد من المشكلات أمام تخزين غاز ثاني أوكسيد الكربون تحت الأحياء السكنية وأكثر مما تثيره أمام تخزينه في البحار والمحيطات. إن نظام المفوضية الأوربية لمقايضة الانبعاثات قد اعتمد في الأساس من ضمن السياسات الخاصة بدعم مشاريع تجميع وتخزين الكربون، لكن المشكلة ضمن هذا النظام هو أن سعر الانبعاثات منخفض للغاية. حيث تتوقع المفوضية أن سعر انبعاث الكربون لن يتجاوز 17 يورو للطن في عام 2020، في حين يشير المعنيون إلى أن سعر الانبعاثات المطلوبة لذلك هو في حدود 100 يورو للطن. هذا النطاق من السعر لن يتحقق حتى في حالة تشديد أهداف خفض الانبعاثات، ولا في حالة وضع حد أدنى لسعر الانبعاثات، في هذا الجانب تشير أحدث السيناريوهات للطاقة في الاتحاد الأوروبي إلى أن المفوضية تتوقع أن يصل سعر الكربون إلى نحو 18 يورو للطن بحلول عام 2030، على افتراض تنفيذ كامل لحزمة سياسات المناخ والطاقة. تجدر الإشارة هنا إلى أن أوروبا ليست وحدها المتأخرة في هذا الجانب، إذ ليس هناك حتى الآن في أي مكان في العالم مشروع يتم بناؤه على النطاق التجاري. مشروع احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه يستغرق نحو أربع سنوات من أجل بنائه، بعد الحصول على الموافقات والتمويل اللازمين التي من المرجح أن تستغرق عدة سنوات أيضا. عليه، لن يكون أي مشروع في العالم جاهز على نطاق تجاري لاحتجاز الكربون وتخزينه في الوقت المحدد. تنويه: المقال يعبر عن رأي الكاتب الشخصي وليس بالضرورة يمثل رأي الجهة التي يعمل فيها.
إنشرها