Author

كيف نحل مشكلة جدة؟ (1 من 2)

|
يقول الله - سبحانه وتعالى: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) .. كل طفل وامرأة ورجل استشهد في مدينة جدة سواء في الحادثة الأولى (يوم 8/12/1430هـ) أو الحادثة الأخيرة (يوم 22/2/1432هـ) تمثل خسارة أرواح غالية لا تقدر بثمن، وتمثل مسؤولية مباشرة علينا جميعا، ولكن بدرجات متفاوتة، حسب موقع المسؤولية ودرجة التقصير والإهمال. وإذ نقول نعم لمحاسبة جميع المسؤولين السابقين والحاليين والمستقبليين، فإننا نقول لا لاختزال القضية في عدم توفير ميزانيات ومبالغ مالية، فالقضية لم تكن أبدا في عدم توافر المخصصات والمبالغ المالية، ولكن؟ ما تم صرفه على مدينة جدة خلال العقود السابقة يفوق ما صرف على مدن ومناطق سعودية أخرى، ومنها الرياض، وهذا ما صرحت به وزارة المالية إبان حادثة جدة الأولى، مليارات صرفت على مشاريع في جدة، إما أنها لم تنفذ أو أنها نفذت بشكل ناقص أو غير صحيح أو جزئيا لسبب أو لآخر، ومنها على سبيل المثال مشروع شبكة الصرف الصحي التابعة لوزارة المياه والكهرباء والتي صرف عليها مليارات، لكنها لم تنفذ، أموال ذهبت، لكن ليس لبناء شبكة صرف صحي تخدم مدينة جدة، تمثل هدرا ماليا كبيرا وضياعا لفرص التطوير، ليس فقط في مدينة جدة، لكن في جميع مدن ومناطق المملكة، فإذا كان هناك جدة واحدة فهناك ''جدات'' في المملكة، كلها تحتاج إلى دراسة وتقييم ووضع حلول جذرية لحل مشاكل البنية التحتية فيها، فما المشاكل التي يتم التعامل معها حاليا ويراد لنا أن نعتقد أنها تمثل المشاكل الحقيقية لجدة وغيرها؟ وما المشكلة الحقيقية التي حصلت في جدة والتي يجب التعامل معها؟ وهل نحن على استعداد لقبول هذه المشاكل والاقتناع كدولة ومواطن بأنها تمثل مشاكل حقيقية؟ وما الحل الاستراتيجي والتنفيذي للتعامل مع هذه المشاكل؟ وهل يمكن تنفيذ هذه الحلول؟ وإذا لم يتم تنفيذها، فهل ستتكرر حادثة جدة؟ وماذا سيحصل في مشاريع البنية التحتية في المملكة بشكل عام في المستقبل؟ كنا قد كتبنا قبل حادثة جدة الأولى بعشرة أيام (''الاقتصادية'' 28/11/1430هـ عدد 5880)، وحذرنا من الوضع غير المقبول في مشاريع البنية التحتية وأشرنا إلى وجود''.. مصالح مالية مختلفة..'' لأطراف المشروع المختلفة: الجهة الحكومية - المقاول - الاستشاري، وأنه يجب إعادة طريقة العمل في تخطيط وإدارة المشاريع الحكومية، ولكن للأسف لم يحصل أي تغيير أو تحسن في طريقة عمل وإدارة المشاريع الحكومية، ثم حصلت الفاجعة الأولى في مدينة جدة يوم 8/12/1430هـ، حيث تسببت أمطار (عادية) في كارثة إنسانية نتج منها وفيات وتلف في ممتلكات - اختبار وكشف رباني لمستوى ورداءة مشاريع البنية التحتية من شبكات مياه وصرف صحي وتصريف أمطار واتصالات وكهرباء - ثم قدمنا تحليلا وتحذيرا إضافيا لكيفية التعامل مع المشاريع في المملكة (''الاقتصادية'' 20/12/1430هـ العدد 5901) وأكدنا بأنه سوف ''.. يتكرر فشل هذه المشاريع طالما أننا لم نشخّص المشكلة بشكل صحيح ودقيق، ومن ثم نعالج الخلل والمشكلة بشكل مباشر''، كما حذرنا من التعامل مع المشكلة بأنها نقص الدعم المالي وأننا ''نستغرب لمن ينادي الآن بضخ وتخصيص أموال إضافية من ميزانية الدولة للإنفاق على مشاريع إضافية في مدينة جدة لإصلاح البنية التحتية، وكأن السبب في فشل المشاريع السابقة يتمثل في تقصير الدولة - وفقها الله - في بذل المال أو محدودية الموارد المالية المخصصة للمشاريع...''. رغم هذه التحليلات والاستقراء الذي قدمناه قبل أكثر من سنة، ويبدو أننا لم نتعلم الدروس ولم نتعظ أو أننا، وخصوصا أصحاب المصالح الخاصة، لا نريد أن تتغير طريقة العمل الحالية، ما زلنا نسمع من يطالب بضخ أموال ودعم مالي وتخصيص ميزانيات إضافية، نعلم بناءً على ما حصل في السابق القريب والبعيد بأنها ليست الحل لمشكلة جدة؛ وذلك لسبب بسيط جدا، فلم تكن مشكلة جدة وغير جدة وجود نقص في تمويل المشاريع أو تخصيص ميزانيات، فلماذا هذا التركيز والمناداة الصاخبة لضخ أموال لمشاريع مقترحة، كلها دون أي دراسة علمية أو رؤية واضحة أو خطة استراتيجية شاملة، بل إنها ليست إلا مبادرات ورغبات شخصية تمثل استمرارا للمبادرات الشخصية السابقة، ويكفي النظر في ما نتج من مشاريع البنية التحتية السابقة في جدة! من الواضح أن هناك محاولة من البعض لترسيخ فكرة أن مشكلة جدة نشأت نتيجة نقص المبالغ المالية والميزانيات لمشاريع البنية التحتية في جدة، فهل هذه تمثل المشكلة الحقيقية وراء ما حصل في جدة؟ حتى نقتنع بأنها تمثل مشكلة، ينبغي أولا أن نحصل على كشف مالي يمثل تفصيلا لجميع المبالغ المخصصة والمصروفة لمشاريع جدة في جميع مشاريع البنية التحتية، ومنها الصرف الصحي وتصريف السيول، ثم تأكيدات بأن هذه المبالغ تم فعليا صرفها على مشاريع حقيقية ولم تذهب إلى أصحاب المصالح الخاصة، تأكيدات تتوافق مع الواقع وليس ادعاءات ورقية غير مستندة على وقائع وحقائق ميدانية، ودون تنفيذ هذه الاختبارات والتحقق تصبح فرضية نقص الأموال كسبب رئيس لمشكلة جدة غير مقبولة، بل وإنها مرفوضة تماما وتمثل مجالا جديدا لهدر أموال إضافية وضياع فرص إضافية قد لا تتكرر، دون وجود نتائج حقيقية تنفع البلاد والعباد؟ إذاً ما المشكلة الحقيقية التي تواجه مدينة جدة ومدن ومناطق المملكة؟ وما هو الحل الاستراتيجي للتعامل مع هذه المشكلة؟ هذا ما سوف نتحدث عنه في الجزء الثاني من هذه المقالة، وسوف نوضح كيف حال جدة والمملكة عام (2020) في حال إهمال التعامل مع المشكلة الحقيقية للمشاريع والخدمات الحكومية بأنواعها من مشاريع بنية تحتية (شبكات مياه وتصريف صحي وتصريف سيول وكهرباء واتصالات) ومشاريع لتطوير التعليم والصحة والحكومة الإلكترونية والاستثمارات الأجنبية والسعودة والفقر والمدن الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل. وللحديث بقية...
إنشرها