Author

الهيئات الشرعية .. قبل فوات الأوان

|
مما لا شك فيه أن المصارف الإسلامية مدينة بوجودها لبعض العلماء الأوائل، الغيورين على هذا الدين وعلى هذه الأمة، الذين وضعوا النماذج النظرية الأولى للصيرفة الإسلامية الخالية من الربا، ولولا جهود هؤلاء في النصف الأول من القرن الـ 20 لما وجدت المصارف الإسلامية. وقد واجهت هذه المصارف عند ظهورها حملات شرسة وانتقادات عنيفة من جهات عديدة، ولم تكن هذه المؤسسات قادرة على مواجهة هذه الحملات لولا وجود الهيئات الشرعية، وبالتالي فقد مثلت الهيئات الشرعية طوق النجاة للمصارف الإسلامية. ولكن الأمور في الوقت الحاضر تغيرت، وأصبحت الهيئات الشرعية هي التي تحتاج إلى طوق نجاة، بعد أن تخلصت إدارات المصارف من الاتهامات والانتقادات، واحتمت وتحصنت بوجود الهيئات والمراقبين الشرعيين. بل إن بعض إدارات المصارف قد انضمت إلى فريق المنتقدين لهذه الهيئات الشرعية. وأخذنا نسمع عبارات من كبار ملاك المصارف الإسلامية تدعو الهيئات الشرعية إلى التشدد، وقد اشتهرت عبارة رجل الأعمال صالح كامل رئيس مجموعة البركة المصرفية بقوله للهيئات الشرعية ''شددوا علينا يسر الله لكم''. غير أن حملة الاتهامات والانتقادات والتشكيك قد تفاقمت في الآونة الأخيرة بعد انتشار ظاهرة تعدد عضوية بعض أفراد الهيئات الشرعية في عشرات الهيئات على مستوى العالم. وأخذ البعض ينظر إلى ظاهرة تعدد عضوية هذه الهيئات، كمدخل للتشكيك وفقدان المصداقية العلمية والفتاوى الجاهزة، وأصبح عدد المؤسسات المالية الإسلامية التي ينتمي إليها عضو الهيئة الشرعية محلا للريبة والدهشة، فالجميع يتساءل: كيف يمكن لشخص واحد أن يكون عضوا في 104 مؤسسات مالية؟ كيف يمكن لشخص آخر أن يكون عضوا في 89 مؤسسة أو 47 مؤسسة؟ كيف يجدون الوقت لمراجعة التقارير والأعمال التي تقوم بها هذه المؤسسات، ومتى يمكنهم ذلك... إلخ. وفي الحقيقة فإن حال كثير من أعضاء الهيئات الشرعية أصبح مثيرا للشفقة، فهم واقعون بين مطرقة تقريع وانتقادات المتخصصين والباحثين الأكاديميين والشرعيين المخالفين لهم في الرأي، وسندان فقدان المصداقية وتراجع ثقة الجمهور، بين ضغوط مجالس الإدارة ومصالح المالكين، وتجاهل وتغافل السلطات المصرفية عن حماية حقوق هذه الهيئات. ومع ذلك فإن الكثير من أعضاء الهيئات الشرعية راضون عن إنجازاتهم، غير مبالين بالانتقادات والاتهامات، ولا يبذلون أي جهد لتبرئة ساحتهم ومحاولة إقناع الآخرين بسلامة موقفهم. غير أن هذا التجاهل للانتقادات ليس حلا. ولا يعني أن واقع هذه الهيئات واقع صحي. فمما لا شك فيه أن هذه الهيئات تعيش أزمة عنيفة، وأنها لا تبذل أي جهد في سبيل علاج هذه الأزمة، وهذا أمر خطير قد يودي بها وبالمؤسسات التي تحتمي بها. فهذا الواقع لا يمكن أن يستمر طويلا، وقد تعالت الأصوات لحل هذه الهيئات، بل إن البعض قد حصر العلاج والحل لهذه المشكلة في حل الهيئات الشرعية فقط. وكأن حل هذه الهيئات الشرعية هو الذي سيخلص المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية من جميع الشبهات والمخالفات الشرعية التي يمكن أن تقوم بها. وفي رأيي أنه يمكن الإصلاح من خلال إيجاد تشريعات خاصة بالرقابة الشرعية، تنظم هذه المهنة، وتمثل حصانة وحماية لها من تغول أصحاب رؤوس الأموال، وكذلك من خلال إيجاد نقابة خاصة للمراقبين الشرعيين، تحمي هذه المهنة وتضع أصولها وشروطها ومواصفاتها بشكل كامل. فما لم يسارع المخلصون من المتخصصين الشرعيين إلى إيجاد حلول سريعة لهذه الأزمة، فإنه سرعان ما ستتدخل البنوك المركزية وتعمل على حل هذه الهيئات الشرعية، وتقوم بتعيين هيئات شرعية داخل البنوك المركزية تكون لها مهمة الرقابة والإشراف والتوجيه والمتابعة والتفتيش، وعندها ستجد الهيئات الشرعية الحالية نفسها في المعارضة تنتقد الهيئات الجديدة وتوجه لها الاتهامات دون أن يلتفت أحد إليها. جامعة المدينة العالمية ــــ ماليزيا
إنشرها