Author

معالي الوزير .. أرجوك افهمني

|
(1) ما عادت السعودة موضوعاً اقتصادياً فحسب؛ بل قضية وطنية كبرى. إذا تأملت في أطرافها فستجد أن كل طرف صادق في دعواه ولديه الرغبة الأكيدة في حلها.. والسؤال الكبير.. أين المشكلة؟ وقبل الحديث عن المشكلة وحلها، دعنا نسمع لكل طرف ودعواه. (2) أنا المواطن طالب الوظيفة أرى أن القطاع الحكومي والخاص يتعاطى معي على أنني مشكلة، وقد صدمت مما هو مطلوب مني مهنياً وعملياً، فهو خلاف ما تعلمته، كما أني لم أحظَ من والدي أو إخواني الكبار بالنصح والإرشاد الأكاديمي والمهني المبكر، فيما تتطلع إلي أسرتي مادياً، تلبيةً لاحتياجاتها المعيشية التي أثقلت كاهلها.. لقد أخذت ملفي الأخضر العلاقي إلى مكاتب العمل، ولمست أن أغلب هؤلاء موظفون بيروقراطيون, سيما في المستويات التنفيذية، فليس لديهم الهمّ الوطني، إضافة إلى ضعف الكفاءة. (3) أنا القطاع الخاص السعودي .. إن ادعاء المواطن طالب الوظيفة صحيح، ولكن ما ذنبي أن أتحمل حل المشكلة التي لم أكن سبباً فيها، ثم ما دخلي في ضعف مخرجات التعليم التلقيني ونقص التدريب التطبيقي وأخلاقيات المهنة من الانضباط في الدوام والالتزام بالمهام والدافعية نحو بناء الذات وطاعة الرؤساء، ثم هناك أمر آخر: لماذا يفترض أننا في عالم مغلق وغير خاضع للمنافسة الدولية؟ إن زيادة التكاليف ستعرض تنافسيتنا للخطر وتهدد دخولنا منظمة التجارة العالمية ''الأسواق المفتوحة''، إن استخدام سوط التأشيرات والإجراءات الرقابية لن يجدي نفعاً. (4) أنا القطاع الحكومي .. إن القطاع الخاص صادق جزئياً في دعواه وباطل في الجملة، فهذا القطاع لا يؤمن بتوطين الوظائف أصلاً. إن ما يدفعهم في الحقيقة هو الجشع المادي عبر الأجور المنخفضة والأسواق الاستهلاكية المحلية الكبرى ذات الإيرادات المرتفعة وانعدام النظام الضريبي الذي يدحض شكواهم عن المنافسة الدولية, لقد قمنا بالزيارات الميدانية واكتشفنا أن المسؤول عن الموارد البشرية غير سعودي أو سعودي ضعيف القدرات والتأهيل من أجل الالتفاف على برنامج السعودة، وهو سبب إفشال خططنا، فلا يمتلكون خطة تنفيذية للتدريب على رأس العمل أو برامج تدريبية لتأهيل السعوديين مدعمة بمعارف أخلاقيات المهنة، فضلاً عن ذلك فإن الرواتب والبدلات زهيدة لا تمكّن السعودي من الاستقرار. (5) أينما استمعت أو قرأت يا معالي الوزير فستجد تلك الحجج والدعاوى تتكرر أمام عينيك صباح مساء، وإن حاولت أن تكون جزءا من فريق فستصبح جزءا من المشكلة، والدور الصحيح هو أن تقوم بإدارة المشكلة ولا تغرق نفسك في التفاصيل؛ فتحاول أن تحل المشكلة ولن تستطيع؛ بل ساعد كل طرف على تحقيق بعض ما يريد على الأجلين القصير والمتوسط، ثم ركز على الحلول الاستراتيجية في الأجل الطويل مع القطاعات الحكومية الأخرى ذات العلاقة ومنها وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والمؤسسة العامة للتعليم التقني والمهني ووزارة التجارة، أو مع القطاع غير الربحي من مؤسسات خيرية وإدارات المسؤولية الاجتماعية وصندوق الموارد البشرية والصندوق الخيري, أو القطاع الخاص والغرف التجارية، من أجل إصلاحات هيكلية. أي أن تقوم بتفتيت المشكلة وتحدد دور كل طرف وتكون مجلسا أعلى للعمل، يلتقي أربع مرات في السنة لمراجعة مدى التقدم الذي أحرزه كل طرف فيما يخصه من أهداف، مع تبادل المعلومات والخبرات والتجارب الميدانية، وبذا تكون قد نجحت في جعل المشكلة مسؤولية الجميع، وحولت وزارة العمل إلى دور المدير القائد بدلاً من طرف في المواجهة. (6) إن الوطن لن ينتظر تلك الحلول الاستراتيجية وحسب، بل هناك من الحلول العاجلة ما يمكن تنفيذها على الأجلين القصير والمتوسط، سيما أن هنا أكثر من ثمانية ملايين عامل وافد, ومن تلك الحلول ما يلي: 1) لا يمكن البدء في أي حل قبل إيجاد قاعدة البيانات الموحدة ''الملف الوظيفي الشامل'' لكل سعودي مربوط بنظام التأمينات الاجتماعية والصحة والأمن والتعليم والعمل، كي يساعد على التخطيط والتدريب الوظيفي وكشف وإحصاء قوة العمل والوظائف المطلوبة أو الشاغرة. 2) فرض حد أدنى للأجور بمبلغ ثلاثة آلاف ريال سعودي، التي لا يستطيع أي مواطن عامل أن يعيش الكفاف دون هذا الحد. 3) فرض نسب السعودة تصاعدياً بناءً على ربحية الشركات والمؤسسات، وليس قطاعياً كما هو معمول به الآن. 4) إلزام القطاع الخاص بتخصيص نسبة 1.5 في المائة من أرباحه السنوية لميزانية تدريب السعوديين وغير السعوديين لرفع كفاءة العاملين داخل تلك الشركات والمؤسسات، ما يؤثر على جودة المنتجات والخدمات ويؤثر بشكل غير مباشر على كفاءة العاملين العامة في السوق. 5) أن يحتل توطين الوظائف في القطاع الحكومي والقطاع الخيري السعودي الأولوية القصوى، كونه قطاعا غير ربحي، ومنها وظائف التمريض والمحاسبة والسكرتارية والاستقبال والأمن وغيرها. 6) اعتماد دبلوم تطبيقي في الموارد البشرية على ثلاثة مستويات (أ)، (ب)، (ج) عبر جهات مرموقة كالجامعات السعودية أو معاهد التدريب الكبرى، وفق منهج متفق عليه مع مؤسسات أكاديمية ومهنية دولية، ثم تعيين خريجي هذا الدبلوم في إدارات الموارد البشرية في القطاع الخاص، وتحمل صندوق الموارد البشرية (50 %) من الراتب مهما علا، كي يصبح هذا السعودي المحترف وكيلاً للتغيير داخل تلك الشركات، على أن يجمعهم لقاء سنوي بالتعاون مع الجمعية السعودية للموارد البشرية والتدريب لتبادل خبرات التوطين. 7) تصميم وتنفيذ برنامج ''تجسير الفجوة'' بين سوق العمل وخريجي الثانوية العامة والجامعة، تكون مدته ثلاثة أشهر، يتلقّى فيه الخريج معارف ومهارات الموظف العامة من قيم العمل وأخلاقياته وحقوق وواجبات الموظف ونظام العمل والعمال السعودي والاتصال الفعال والنجاح الوظيفي، وما بادر به صندوق الموارد البشرية في هذا الصدد كان رائعاً، ولكن سطحياً حين اهتم بأعداد المتدربين أكثر من اهتمامه بجودة التدريب. 8) خصخصة مكاتب العمل، على أن يربط تقييم وتجديد عقودها بنجاحها في توظيف السعوديين، مع وضع نظام حوافز مجزٍ ومغرٍ، وأنصح باستنساخ تجربة مكاتب العمل في المملكة المتحدة. 9) تشجيع طالبي العمل السعوديين على تأهيل وتدريب أنفسهم، من خلال موقع إلكتروني، يمنح شهادات معترف بها، على أن يحتوي الموقع على كتب وأفلام ووسائل إيضاح وحقائب تدريبية وأشرطة سمعية واستشارات عن بُعد. 10) إنشاء مراكز قياس الميول المهنية والاتجاهات والتوجيه والنصح والإرشاد الوظيفي لحاجات سوق العمل، ورسم المسارات التدريبية وتقنيات البحث عن الوظيفة وكتابة السيرة الذاتية وإدارة المقابلات الشخصية. 11) تطوير القضاء العمالي، نحو سرعة البت في القضايا، على أن يتولاه قضاة متخصصون تابعون للمجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل. 12) تأسيس شركة متخصصة برأس مال مدفوع من الصناديق السعودية ذات العلاقة، كي تقدم الاستشارات والتدريب في وضع خطط توطين الوظائف والتدريب على رأس العمل والاستقطاب والتعيين ووضع الدراسات الملائمة، للحد من التسرب الوظيفي واستقرار السعوديين في شركات ومؤسسات القطاع الخاص، على أن تقدم خدماتها بأسعار زهيدة. 13) نشر ثقافة النجاح الوظيفي، من خلال تمكين الشباب السعوديين الذين حققوا نجاحات مهنية من إلقاء الندوات والمحاضرات وإجراء المقابلات التلفزيونية والإذاعية، كي تعمم تجربة النجاح، وجعل الشباب السعودي طالب العمل يتفاعل مع نماذج ملموسة تدحض الأوهام التي سيطرت على بعضهم وقادتهم إلى اليأس وسوء الظن بالمستقبل الوظيفي. 14) تأسيس شركة للتدقيق على برامج التوطين والتدريب والتأهيل، أو التعاقد مع شركات التدقيق المحاسبية القائمة مع تزويدها بالخبرات الفنية الكافية بالموارد البشرية، وذلك بغرض التأكد من التزام الشركات والمؤسسات بالمعايير والسياسات والخطط الموضوعة من قبل وزارة العمل والمجلس الأعلى للعمل، ولا بد من الاعتراف بأن الدور الذي تقوم به الجهات ذات العلاقة غير كافٍ وغير محترف، نظراً لضعف الميزانيات أو الكوادر المخصصة لهذا الدور. 15) إطلاق جائزة وطنية كبرى باسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لأفضل مائة شاب سعودي أثبتوا كفاءة عالية في أول سنتين من حياتهم الوظيفية، عبر مسابقة تخصص لهذا الغرض. 16) تخصيص مكافأة شهرية أسوة بطلاب الجامعات، للعاطلين عن العمل، بعد استيفاء وتنفيذ المقترحات السابقة، كي نضمن ألا تؤثر سلبياً على تعميق الاتكالية والعزوف عن العمل. 17) تشجيع التقاعد المبكر، سيما للمعلمات والإداريات أو العمل نصف الوقت وبنصف الراتب، كي تتاح الفرصة لمن يرغب في التفرغ لتربية أبنائه، وإدخال دماء ووظائف جديدة في سوق العمل النسوي. 18) فتح سوق العمل الخليجي أمام السعوديين، ما يحل جزءا من المشكلة، وتحقيق الأمن الاستراتيجي والثقافي لدول مجلس التعاون الخليجي، خاصة بعد ارتفاع معدلات العمالة الأجنبية التي تصل إلى نسبة (85 %) في بعض بلدانه. 19) إلزام القطاع الخاص بالتأمين الطبي والعلاوة السنوية بنسبة (4 %) من الراتب لتمكين السعوديين من الاستقرار. 20) إلزام الشركات والمؤسسات التي تحقق أرباحا كبيرة جداً كشركات المقاولات الكبرى التي أغلب موظفيها من البلد الأصلي للمقاول بأن تبتعث وتدرب سعوديين على برامج دولية مرموقة في التخصصات ذات العلاقة بالهندسة العمرانية والكهربائية وإدارة المشاريع بنسبة (3 %) من أرباحها، ينص عليها في العقود الحكومية، سيما أننا نعيش ومقبلون على إنفاق حكومي كبير. 21) منح القروض للمشروعات الصغيرة لطالبي العمل، لمن يملك مهارات تجارية وحرفية مبكرة، ولكن عبر الشراكة مع بنك الادخار والتسليف أو القنوات الأخرى بصيغة المشاركة المتناقصة، لضمان سداد أصل القرض خلال أربع سنوات مثلاً، يكون عندها السعودي قد اكتسب خبرةً إداريةً تحت إشراف البنك أو الشركة التي ينشئها لهذا الغرض. 22) شراء مشروعات صغيرة ناجحة وقائمة قد يملكها غير سعوديين من الباطن، ثم تسليمها تدريجياً لطالب العمل، على أن تكون مرهونةً لفترة زمنية محددة لسداد أصل الدين أو جزء منه. ( 7 ) إن الحلول الاستراتيجية التي من الممكن أن يناقشها المجلس الأعلى للعمل هي: 1) نؤمن جميعاً بأن القطاع الحكومي لن يستوعب إلا نسبة قليلة من الخريجين، ولذا فمن حق المستفيد النهائي من مخرجات التعليم وهو القطاع الخاص أن يشارك بفعالية في وضع السياسة العامة للتربية والتعليم، وأن يحدد السعودي الذي يريد على مدى عشرين سنة مقبلة، فيما تقوم وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والمؤسسة العامة للتعليم التقني والمهني بعكس تلك النصائح في المناهج ونوع التخصصات المرغوبة والمعارف والمهارات والاتجاهات السلوكية للطلاب. 2) إن الجهود التي تقوم بها المؤسسة العامة للتعليم التقني والمهني جهود وطنية جادة، إن كانت على مستوى البنى التحتية أو الأفكار العصرية التي تجاري متطلبات سوق العمل في حين تعوق تلك الجهود؛ الثقافة الإدارية السائدة في المجتمع ولا يمكن حلها إلا بخصخصة الإدارة والتشغيل، عبر شركاء أجانب مثل جمهورية ألمانيا الاتحادية، وبالتوازي معه أن يرفع الكادر الوظيفي كي لا تتسرب الكفاءات خارج المؤسسة. 3) إن الإنفاق الحكومي أو القروض من الصناديق السعودية هو المحرك الأساس في الاقتصاد السعودي، ولذا فإن العطاءات الكبرى سوف تحال ليس على الشركات والمؤسسات الكفؤة فحسب بل على من تكون آثاره التوزيعية أكبر للمجتمع في خلق الوظائف أو عقود الباطن لمقاولين سعوديين، وسوف أتحدث لاحقاً بالتفصيل في مقال باسم ''الطبقة الوسطى''. 4) مراجعة منظومة القيم الدينية كي تصبح ذا عمق إيماني وفعل حضاري يدفع باتجاه عمارة الأرض والإنتاج والبناء. 5) تخطيط أنشطة العمل التطوعي والبرامج الصيفية للمرحلة الثانوية، لتهيئة الطالب مبكراً للالتحاق بسوق العمل، عبر إكسابه مهارات صناعة الحياة والنجاح الوظيفي. معالي الوزير .. إن الحل يكمن في تفتيت المشكلة وتكوين المجلس الأعلى للعمل من أجل حلول طويلة الأجل وقيادة المشكلة، لا أن تكون طرفاً فيها، إما على المدى القصير أو المتوسط، فهناك حلول عملية وخطوات صغيرة، ولكنها مؤثرة، يمكن تنفيذها فوراً تحت إشرافك الشخصي وعشرين مديراً تنفيذياً من خيرة شبابنا السعوديين من مناطق المملكة المختلفة، سيستقطبون من القطاع الخاص والحكومي ومن داخل الوزارة وخارجها وفق مشروع لأربع سنوات. أيها السعوديون .. ألف مبروك لقد قضينا على البطالة.
إنشرها