Author

لن تقوم الدولة الفلسطينية إذا استمر صك الاعتراف في أيدي خصومها

|
ما أبأس أن يلهث صاحب الحق وراء المغتصب لتحقيق حلم شعب ذاق الكثير من الظلم, وما أبشع أن يكون هذا المغتصب مستمرا في ممارسة ألاعيب الظلام كافة, من توطين سفهاء أجانب إلى ترويض السكان العرب على قبوله, إلى طمس الشعور الوطني لدى العرب، وهو ما يشكو منه الفلسطينيون الذين توغلوا في العمر. كل ذلك لأن الفلسطينيين يصرون على الانضباط السياسي وعدم اتخاذ قرارات صادمة, مع أن الحقائق السياسية تتكون عادة بالصدمة, ومعظم الدول التي تكونت حديثا لم تنتظر اعترافا عالميا مدويا, فإسرائيل التي شاءت الأقدار أن تكون المتحكم في مصير الدولة الفلسطينية, أعلنت عن نفسها كدولة ولم يعترف بها أحد إلا ستالين ثم تبعته الولايات المتحدة ''ترومان'' وبعد عام كامل اعترفت بها بريطانيا, والرسالة واحدة .. ما الذي تنتظره الدولة الفلسطينية؟ يتواكب ذلك مع مبادرة رائعة من البرازيل والأرجنتين, وكنت أضع هاتين الدولتين على قمة القائمة في مجال مختلف هو كرة القدم, لكن شجاعتهما السياسية جعلتهما تعلنان الاعتراف بالدولة الفلسطينية, والبرازيل التي تزحف حثيثا لتصبح دولة كبرى, انتفضت من عالم الدول المدينة إلى الدول ذات الاقتصاد المتميز وأصبحت عضوا في مجموعة بريك BRIC وهي حروف ترمز للبرازيل (B) ثم روسيا (R) ثم الهند (INDIA) ثم الصين (CHINA). وكان هدف الدولتين تقديم المثل لدول العالم ليعترف بالدولة الوليدة التي طال انتظارها في المجموعة الدولية, لكن أحدا لم يستجب أو يمتثل والسبب هو أن الولايات المتحدة أعلنت موقفها المتفق والمتناسق تماما مع إسرائيل؛ وهو عدم إقامة هذه الدولة إلا بالمفاوضات, علما بأن أول من يعرف عدم جدوى المفاوضات هو إسرائيل والولايات المتحدة. ونتساءل: لماذا تصر إسرائيل والولايات المتحدة على المفاوضات؟ ولعلك أيها القارئ الكريم تلاحظ أنني قدمت إسرائيل على الولايات المتحدة, والسبب أن كل ما يتعلق بالشرق الأوسط أو العالم العربي ـــ كما لا تحب أن تسميه أمريكا وإسرائيل ـــ يعطى لإسرائيل القرار والمبادرة فيه. سبب الإصرار على المفاوضات هو النموذج الذي حدث بين مصر وإسرائيل, الذي نجحت إسرائيل في تحقيق كل ما تريده من مرحلة ''السلام'' بحجة أنها منحت الأرض، وعليه يجب أن تحصل على كل شيء آخر. ـــ هي تريد من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. ـــ وتريد منهم تسليم الحدود للأمن الإسرائيلي (أي أن تقبل الدولة الجديدة التطويق الكامل على غرار احتلال التلال المطلة على بيوت الفلسطينيين على امتداد الطرق كما هو قائم حاليا). ـــ وتريد منهم الكف عن المطالبة بعودة اللاجئين والاكتفاء بحلول العم سام الذي يقترح منح بعضهم بعض التعويضات. ـــ وتريد منهم الإذعان النهائي وقبول الوضع الذي تحدده للقدس. وعلى أقل التقديرات تريد إسرائيل تنازلات فلسطينية ملزمة يجري تسجيلها إلى الأبد في معاهدات لتصبح سيفا سياسيا على رقاب الأجيال المقبلة. كل هذه مكاسب يصعب على عقلية اليهودي التنازل عنها, وكما هو معروف ومن وحي التجربة المصرية, فإن الإسرائيليين يبدون صبرا شديدا ومناورة مستمرة أثناء المفاوضات, فهم يتمتعون بخبرة تاريخية في الحصول على أكثر مما يستحقون عن طريق تأليب الآخرين على خصومهم والظهور بمظهر الذي يعطي ويتنازل, لكنه في التقدير النهائي يحقق ما يريد, وتشهد الاتفاقية مع مصر على ثغرات شديدة لمصلحة إسرائيل ــــ كما هو معروف. في عام 1947 صدر قرار التقسيم ووقف سياسي مصري لم يحظ في التاريخ المصري إلا بالشتائم والاستنكار وهو إسماعيل صدقي باشا ليقول للعرب'' اقبلوا قرار التقسيم فالغزوة شرسة والغرب بأكمله وراء اليهود لتعويضهم عما أعلنوا أنهم عانوه مع هتلر'', وكان المعروض وقتئذ أكبر بكثير من الدولة الفلسطينية المتاحة حاليا. لكن أحدا لم يستجب وقالوا إنه الجبن والعمالة لأن أحد وزرائه وهو قطاوي باشا كان يهوديا, وقد طافت بذهني هذه الذكريات بعدما برز لنا وجه الحقيقة. وأصبح الرافض للآخر هو اليهودي بعدما كان رفض 1947 من العربي لليهودي الذي اختطف الأرض واغتصبها. والفارق الرئيس بين 1947 و2010 أن الحالة الأولى كانت فيها الأمم المتحدة شابة لم تتجاوز عامين فكان الالتزام الدولي بالشرعية الدولية والقرار الدولي ظاهرا, أما الآن فإن المنظمة الدولية, كما ثبت من أحوال ومناسبات كثيرة لا تتجاوز إدارة في وزارة الخارجية الأمريكية, وهذا هو السبب في الركود الكامل في هذا الملف, إذ لا يوجد من يستطيع أن يتحدث عن إرادة دولية أو من يستطيع أن يتحدى رغبة الولايات المتحدة التابعة مرارا لإسرائيل. أي أن اعتراف البرازيل والأرجنتين جاء من وحي قراءة مستقلة للقوانين الدولية واستلهام الموقف الذي قامت في إطاره إسرائيل, والمؤسف أن العرب لم يعترفوا بهذه الدولة حتى تتبعهم دول أخرى على غرار البرازيل والأرجنتين, وهذا يعني ببساطة أن هناك خيارا أمام الدولة الفلسطينية في أن تعلن عن نفسها من جانب واحد, وبالمناسبة فإن الستينيات والسبعينيات شهدت ميلاد دول عدة من خلال هذا المنهج UDI, أي إعلان الاستقلال من جانب واحد Unilateral Declaration of Independence. كما أن إسرائيل فعلت ذلك عام 1948 وباعتبارها الطرف الآخر فإن العدالة والتوازن يحتمان على الفلسطينيين اتباع الأسلوب نفسه, ثم تتوالى الاعترافات الدولية دون اضطرار للاختناق تحت وطأة ضغوط اليهود التفاوضية. وللإنصاف فقد أعلنت الدولة الفلسطينية استعدادها لإعلان الاستقلال من جانب واحد, أما الخوف من الضغوط فهو لا يجدي ولن يفيد أبدا, فالمنهج البراجماتي يحتم على أولي الأمر في الجانب الفلسطيني أن يمسكوا دائما بزمام المبادرة. ونحن نعلم أنهم الطرف الأضعف, وأن أوراق إسرائيل كثيرة ووسائل ضغطهم متعددة ويكفي منها الضغوط التي تفرض على الفلسطينيين تحت الاحتلال, ويكفي استمرار نزعة الاغتصاب والاختطاف المتمثلة في الاستيطان, لكن يجب أن يعرف الفلسطينيون أن لهم الكثير من المؤيدين, وأن حلفاءهم في أرجاء المعمورة على استعداد للتجاوب لحظة بدء المبادرة من جانب أصحابها, ولن يخاف من الولايات المتحدة إلا القليل من فاقدي الإرادة السياسية, ونظرا لأن الوقت والتوقيت عامل مهم جدا فإننا نرى أن هذا التوقيت مناسب, بل إن هناك أصواتا داخل أمريكا ستحبذ ذلك, وعلينا أن نختتم بالتحية للصحافية العريقة هيلين التي طلبت من اليهود مغادرة فلسطين فانطلقوا وراءها بالأبواق والصياح.
إنشرها