منوعات

مهرجان نقابة الفنانين المسرحي في اللاذقية.. عروض مسرحية متميزة تثري العمق الفني والثقافي

مهرجان نقابة الفنانين المسرحي في اللاذقية.. عروض مسرحية متميزة تثري العمق الفني والثقافي

خلقت العروض المسرحية العربية والمحلية المتميزة التي استضافها مهرجان نقابة الفنانين المسرحي الذي اختتم دورته الثالثة مؤخرا في اللاذقية حالة مسرحية لافتة دفعت بالحراك الفني في المحافظة قدما وهو ما أعطى للتظاهرة ثقلا ثقافيا واضحا في هذه الدورة. وأبرز هذه العروض جاء من خلال عمل مسرحي قدمته مجموعة شمس للفنون من الجماهيرية الليبية وحمل عنوان موت رجل تافه والعمل من إخراج وليد العبد وتمثيل كل من أحمد العيساوي و وفيق الفيتوري و وسيم برويص . يتناول العمل فكرة بحث الإنسان المستمر عن مستقر له تتحقق فيه آماله الكبيرة والصغيرة حيث يجدي الأمر نفعا تارة ويخفق في كثير من الحالات الأخرى وذلك من خلال دراما وجدانية مؤثرة تلقي الضؤ على مجموعة الإحباطات والانكسارات العميقة في النفس البشرية عموما ولاسيما عندما تغيب الحظوظ والفرص الحياتية عن مصائر وأقدار بعض المبدعين من أصحاب القدرات المتميزة والطاقات الخلاقة. تتبلور القصة المسرحية في هذا العرض عبر مجموعة من المونولوجات الداخلية التي تبوح بها الشخصية الرئيسية في العمل متمثلة بأحد عمال النظافة والذي مضى على عمله في أحد المسارح زمنا طويلا حيث يلقي باعترافاته القاسية كاشفا عن أحلامه الضائعة بين العروض المتوالية دون أن يحظى بدور له في أحد هذه الأعمال ما دفعه في آخر المطاف لاعتلاء الخشبة ليقدم أحد العروض وفق رؤيته الخاصة مؤكدا قدرته على لعب أدوار أكثر أهمية من دور عامل النظافة على خشبة الحياة. وفي هذا الإطار أوضح المخرج وليد العبد أن العمل مأخوذ أساسا عن نص الجرافات لا تعرف الحزن للكاتب العراقي قاسم مطرود والذي قدم مادة تحمل في حيثياتها خصوصية عراقية تم تطويرها على يد مؤلف العمل الحالي لتحمل بعدا أكثر شمولية وعمقا وبالتالي إيصالها إلى أوسع شريحة من المتلقين. كذلك قدمت فرقة كور الزهور تجمع سلمية الفني عملا مسرحيا بعنوان كوميديا الأيام السبعة من تأليف علي الزيدي وإخراج مولود داوود وتمثيل الفنانين ماجد الماغوط و نبيل جاكيش و راتب جعفر . يتناول العمل الواقع العراقي في الفترة الممتدة من أوائل التسعينيات إلى ما قبل سقوط بغداد في العام 2003 حيث الوضع الإنساني المتدهور والمعاناة الحياتية اليومية من خلال سردية مسرحية تدور أحداثها داخل منزل عائلة فقيرة يقتحمه أحد الطهاة ليسيطر عليه تدريجيا فيقوم بتجويع سكان البيت وإخضاعهم لسلطته في مقاربة درامية تحرر العمل خلال سير الأحداث من ظرفه الخاص إلى واقعه الإنساني العام. تقوم القصة في عمقها الفكري على إجراء مقاربة موضوعية لشخصية الطاهي الرئيسية لتحاكي الأيادي الخفية التي تعمد في كل مجتمع إلى حياكة شتى أشكال المؤامرات السياسية والثقافية والاجتماعية في اختزال لمجموعة من الدلالات و الإشارات الدقيقة التي تخرج بالقصة من إطارها الضيق إلى مساحة مفتوحة تلقي الضوء على مرارة الحياة أمام شعب ووطن يحتله المستعمر ليعيث فيه خرابا وتشويها على مختلف الصعد. وقد أشار مخرج العمل داوود إلى أن العمل اعتمد الكوميديا السوداء التي تغلف السيناريو المسرحي بالسخرية اللاذعة والحس النقدي القائم على المبالغة والتضخيم الكاريكاتوري في أداء الممثلين لبلورة الروح الداخلية لشخوص العمل في إطار ما يعرف تقنيا بفن الغروتسك كواحدة من الفنيات المستخدمة على الخشبة لتكريس المهزلة الإنسانية والاستلاب الروحي المؤلم. وحول الرؤية الاخراجية للعرض قال المخرج.. لقد سعيت إلى الانطلاق في إخراج هذا العمل من شرطيته الواقعية بالدرجة الاولى مبتعدا قدر الممكن عن الالتزام بالأساليب التي تنص عليها المدارس المسرحية من خلال ايجاد غرائبية في الحلول الاخراجية لتشكيل لوحة وصورة مغايرة لما يظهر عليه الممثل عادة في المسرح باعتباره حامل العرض الأساسي الذي يقوم بإبلاغ رؤية المخرج ووجهة نظره. وفي الإطار ذاته قدمت فرقة حكايا المسرحية من محافظة السويداء عملا مسرحيا بعنوان شيطان بذاكرة ملاك وهو من تأليف جواد الشوفي وإخراج رفعت الهادي وتمثيل كل من رندة الشماس وفراس حاتم . ويسلط العمل الضوء على الجانب الشرير في الداخل الإنساني والذي تفوق في شره على الشيطان ذاته فصارت أفعال الإنسان المعاصر وممارساته أشد خطورة و أذية من أفعال الشياطين ملقية بظلالها المرعبة على الروح الإنسانية وهي تشتد سوادا وظلما وافتراء وذلك من خلال مجموعة من اللوحات المسرحية التي تبدو ظاهريا منفصلة عن بعضها البعض إلا أنها تكمل بعضها من حيث المضمون. وأوضح مخرج العمل قائلا.. يقدم المسرح صورة بانورامية للواقع المعاش تلامس الوعي العام وتحاوره بصورة شفافة ونقية ومن هنا جاءت فكرة العمل التي اعتمدت الشيطان كبطل لها نظرا لما يمثله من فعل سلبي مؤذ في الموروث الذهني لكل فرد منا رغم أننا نرى في العمل صيغة مغايرة تبرئ الشيطان من افعال البشر التي طالت في فعلها التدميري مختلف حقول الحياة. وأشار حسين عباس مدير المهرجان إلى أن جمهور اللاذقية سجل على مدى سنوات حضورا نوعيا لمختلف العروض المسرحية وإن غلبت عليه في معظم الأحيان الشرائح الشابة من الطلبة وخريجي الجامعات إلى جانب النخب المثقفة مؤكدا أن مهرجان نقابة الفنانين هو انتصار جديد للمسرح يحسب إلى جانب المهرجانات العديدة في اللاذقية وسورية والتي تؤكد استمرارية هذا الفن وخلوده .
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من منوعات