Author

كذبة خضراء

|
في زمن ليس ببعيد وعندما كان الناس يشترون ما يحتاجون إليه وكانت البضائع محدودة، لم تكن هناك حاجة لإقناعهم بشراء منتج دون غيره. لأن الحاجة كانت المحرض للشراء. لكن بضائع هذا الزمان المتنوعة لا تحتمل أن تتكدس لفترة طويلة بانتظار أبناء الحلال من الزبائن. لذلك صار من الضروري جر الزبائن إليها، عبر اختراع وسائل جديدة لما بات يعرف: بالعلاقات العامة والإعلانات. وفي مذكرات أحد رواد تلك الصناعة، إدوارد بيرنيز، إنه في عام 1930 قام بمساعدة إحدى شركات التبغ الأمريكية لترويج منتجها من علب السجائر، لدى نساء أمريكا المدخنات، اللواتي لم يعجبهن لون العلبة الأخضر باعتبار أنه يتنافر مع ألوان ملابسهن. وباعتبار أن تغيير اللون سيكلف الشركة ملايين الدولارات، اقترح بيرنيز أن يتم تغيير الموضة، وهو أمر ستكون تكلفته متواضعة جدا، حيث لم تتجاوز الـ 25 ألف دولار. واستغرقت خطة التسويق الجديدة ستة أشهر. ابتدأت بإقامة حفلة ضخمة للمجتمع المخملي سميت ''الحفل الأخضر''. كما تم تشجيع أحد منتجي الحرير لاعتماد الأخضر ليكون أهم صيحة في عالم موضة ذلك الزمان. الذي دعا إلى مأدبة عشاء، كل أصنافها من الطعام الملون بالأخضر. الحفل اكتظ برجال الصحافة ومحرري مجلات الموضة. وتمت دعوة، أحد علماء النفس كضيف شرف، ليتكلم بإسهاب حول تأثيرات اللون الأخضر الإيجابية في نفسية المرأة والرجل على حد سواء. ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل اشتملت المناسبة على محاضرة لأحد رؤساء كلية الفنون المشهورة في البلاد، تحدث فيها عن أهمية ذلك اللون في أعمال كبار الفنانين. ورافق اندلاع حملات الصحف ''للون الأخضر'' إنشاء مكتب ''لموضة اللون'' يوجه العاملين في هذا المجال إلى أن ''الأخضر'' هو سيد الألوان في الملابس والإكسسوارات وحتى في ديكورات المنازل. وأرسلت آلاف الرسائل إلى مصممي الديكور وقطع الأثاث لتنبيههم لمسألة سيادة اللون الأخضر. كما تم إغراء رئيس حفلة ''اللون الأخضر'' للذهاب إلى باريس ليضمن تعاون مصنعي الموضة الفرنسية والحكومة الفرنسية في حملة الترويج الخضراء التي لقيت دعما فرنسيا لافتا، بسبب القوة الشرائية للمرأة الأمريكية، كون أناقتها تسهم في تحسين أرباح دور الأزياء الراقية وبالتالي تدعم الناتج المحلي لفرنسا. وتوالت الاستعراضات والمآدب الخضراء التي ضمت مسؤولين ومصنعين لتشجيع الموضة الخضراوية الجديدة القادمة من عاصمة الأزياء باريس. وجرت حملة ''التغرير والتلفيق'' كثيرين للانضمام إلى دوامتها المفتعلة من طلاء أظافر أخضر إلى أغلفة أشهر المجلات إلى جوارب خضراء. ولنجاح مسلسل الخداع الأخضر، ورغم اشتراك أو إشراك الكثيرين في أدوار بطولية أو ثانوية كان لزاما أن يبقى الهدف من تلك الفبركة الترويجية في بطن شخصين هما صاحب الشركة والسيد بيرينز، حتى يتمتعا بمذاق الدولارات الخضراء.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها