Author

التعاملات الإلكترونية الحكومية .. مرة ثانية

|
في مقال سابق في هذه الصحيفة بعنوان: ''على هامش المؤتمر الوطني الثاني للتعاملات الإلكترونية الحكومية'' سردت بعض العقبات التي تواجه تطوير برامج التعاملات الإلكترونية الحكومية. وبعد نشر ذلك المقال عاتبني كثير من زملاء المهنة العاملين في مجال تقنية الاتصالات والمعلومات، بسبب لغة ذلك المقال التي تبدو ثناءً على برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية ''يسر''، الذي أخفق في إنجاز ما خطط له. ومحاولة مني لإيجاد تبريرات لذلك الفشل. في الحقيقة أعقب المؤتمر الوطني الثاني للتعاملات الإلكترونية الحكومية موجة من الانتقادات الشديدة في الصحف المحلية على برنامج ''يسر''، وعلى إخفاقه في إنجاز ما كان قد وعد به قبل خمس سنوات. وفي الأسطر التالية سأورد بعض الملاحظات والتعليقات على منتقدي مقالي السابق، وعلى كثير مما جاء في انتقادات ''يسر''. أولاً: في مقالي السابق لم أشر من قريب أو من بعيد إلى نجاح مشروع التعاملات الإلكترونية الحكومية ونجاح ''يسر'' في إنجاز ما وعد به، وإنما أشرت إلى نجاح المؤتمر. وجل ما جاء في مقالي المذكور كان توضيحا للعقبات التي تواجه تطوير برامج التعاملات الإلكترونية الحكومية في هذا البلد، وسردت في ذلك المقال بعض أهم العقبات، كذلك قدمت في المقال المذكور اقتراحا لمتابعة تنفيذ المشروع من قبل ''يسر'' أعتقد أنه أكثر فاعلية من الطريقة المتبعة الحالية، كما بينت فوائد ذلك المقترح في حال اتباعه. لم أرصد تلك العقبات لتبرير إخفاق ''يسر'' عن تحقيق الخطة التي وضعها قبل خمس سنوات، بل هو سرد لحقائق يجب أن تُقال وتُعلم، ولا يوجد لـ ''يسر'' أي سيطرة على تلك العقبات. ثانياً: جاء في كثير من الانتقادات التي نشرت عن هذا الموضوع مغالطات يجب أن توضح، وأرجو ألا يُفهم من هذا أيضاً أنني أدافع عن ''يسر'' وعن القائمين عليه، فأنا لا تربطني بأي أحد من ''يسر'' معرفة سابقة، وأقول ما أقول إحقاقاً للحق ومن باب ''وإذا حكمتم فاعدلوا''. - من المغالطات التي جاءت في بعض ما نشر عن هذا الموضوع، الحكم بأن مشروع التعاملات الإلكترونية الحكومية فشل، والحكم على أن المشروع ينتهي في نهاية 2010م، وهذا غير صحيح، فمشاريع الحكومة الإلكترونية مشاريع ''ديناميكية'' حية يستمر تطويرها ما استمر تطوير التعاملات الحكومية، ما يعني أن ليس لها نهاية، والصحيح أن ما حصل هو فشل ''يسر'' في تنفيذ خطة مرحلة من مراحل المشروع في الوقت الذي خطط له، ونجاح هذه المرحلة من عدمه ما زال في علم الغيب. نعلم من التجربة أن كثيراً من مشاريع تقنية الاتصالات والمعلومات كثيراً ما تتأخر أو تتقدم عن المخطط له، وذلك لشدة تعقيدها ودخول عوامل مختلفة في تكوينها، فما بالكم بمشروع مثل مشروع التعاملات الإلكترونية الأشد تعقيداً، ولا يملك برنامج ''يسر'' السيطرة على الأطراف المنفذة للمشروع (على الأقل حسب الطريقة التي اتبعها برنامج ''يسر''). - من المغالطات تحميل ''يسر'' المسؤولية الكاملة على ما حصل، وهذه النقطة بالذات شديدة التعقيد، فمن جهة، يصعب تحميل ''يسر'' مسؤولية عمل يقع تنفيذه خارج مسؤوليته. ومن المعلوم أن التعاملات الإلكترونية تُبنى في بيئة اتصالات وتقنية معلومات متكاملة وصحية (بنية تحتية، شبكات، اتصالات، برامج مساعدة، أنظمة تطبيقية، كفاءات مؤهلة .... إلخ)، كما نعلم أن مشروع التعاملات الإلكترونية الحكومية بدأ منذ أربع سنوات ( بدأت المرحلة التي نتكلم عنها 2006)، ومعظم الجهات الحكومية لا تملك مقومات البنية التحتية لتقنية الاتصالات والمعلومات البسيطة، فما بالنا بالمقومات الرئيسية، مثل التطبيقات التي على أساسها تُبنى التعاملات الإلكترونية؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى، كانت لدى ''يسر'' مقومات النجاح للمشروع منذ البدء، وذلك بوجود الدعم المالي والمعنوي، فقد دعم خادم الحرمين الشريفين المشروع بثلاثة آلاف مليون ريال، كما حظي المشروع باهتمامه – حفظه الله – وهذا كفيل بإنجاح أي مشروع. كما تم تشكيل لجنة للإشراف على المشروع على أعلى مستوى، مكونة من وزير المالية ووزير الاتصالات والمعلومات ومحافظ هيئة المعلومات والاتصالات والمدير العام لبرنامج ''يسر''، وكل هذا كفيل بإنجاح المشروع لو اتبعت ''يسر'' خطة محكمة وملزمة لجميع الجهات المعنية بتطبيق التعاملات الإلكترونية وتابعت تنفيذ الخطة بدقة شديدة. لقد ضيعت ''يسر'' كثيرا من الوقت عند البدء، وذلك في تقرير أي مشاريع تقنية الاتصالات والمعلومات لدى الجهات الحكومية يمكن الصرف عليها من ميزانية المشروع. فعلى سبيل المثال، حصر الصرف من ميزانية المشروع لمشاريع التعاملات الإلكترونية الحكومية واستثناء مشاريع تقنية الاتصالات والمعلومات (بنية تحتية وشبكات واتصالات وامتلاك وتطوير الأنظمة التطبيقية وتأهيل اليد العاملة والأنظمة الأمنية وخلافه) أوجد عقبة كأداء أمام تنفيذ المشروع، فكيف أوجد تعاملات إلكترونية حكومية في مؤسسة لا تملك مقومات التقنية؟ كان أمام ''يسر'' الكثير عمله لإنجاح هذه المرحلة من مشروع التعاملات الإلكترونية الحكومية، خاصة أن هناك أرضية مشتركة لجميع الجهات الحكومية، وكان بالإمكان تنفيذها بنجاح وتحقيق نسبة كبيرة من المشروع. فعلى سبيل المثال، جميع الجهات الحكومية تُطبق الأنظمة الحكومية التطبيقية النمطية (المالية والإدارية ونظام الاتصالات الإدارية ونظام المشتريات ... إلخ) بصورة متطابقة أو متقاربة ، وكان بإمكان ''يسر'' توفير هذه الأنظمة (عتاد وأنظمة وربط) والصرف عليها من ميزانية المشروع، وبهذا يكون برنامج ''يسر'' قد ضمن تنفيذ نسبة كبيرة من المشروع، ويبقى على الجهات تنفيذ النسبة الباقية التي تخص تخصص الجهة (هذه النقطة أشار إليها بعض من كتب عن المشروع وأخص بالذكر سعادة الدكتور سليمان العريني في هذه الصحيفة). في حال لو اتبع برنامج ''يسر'' هذه الطريقة ووفر للجهات الحكومية الأنظمة النمطية (عتاد وأنظمة تطبيقية وربط) لقطع شوطاً كبيراً منذ البدء، ولوفر مبالغ طائلة للدولة وضمن التوافقية والنجاح للمشروع. إن من أكبر العيوب في تطبيق أنظمة الحكومة الإلكترونية محاولة محاكاة أنماط ونماذج دول أخرى، فلكل بلد خصوصيته الخاصة به، وليس شرطاً أن ما نجح في البلد (ص) بالضرورة سينجح في البلد (س). من المآخذ التي أخذها بعض من انتقد ''يسر'' ومشروع التعاملات الإلكترونية الحكومية، عدم المركزية وإعطاء الجهات الحكومية الحرية في العمل المستقل وغير المترابط والمتكامل بين الجهات في تطوير مشاريع التعاملات الإلكترونية الحكومية. وهذه وجهة نظر في محلها، فالعمل المستقل دون وجود معايير وضوابط واضحة وملزمة للجميع، وفي ظل وجود كثير من العقبات التي عرضنا بعضا منها في المقال السابق، سيفقد المشروع التناسق والانسجام والتوافق في مخرجاته، مما قد يؤدي إلى فشل المشروع. من العقبات المهمة التي تواجه تطوير مشاريع التعاملات الإلكترونية الحكومية، والتي لم نوفها حقها في المقال السابق، ندرة الكفاءات الوطنية المؤهلة في تقنية الاتصالات والمعلومات، والاعتماد الكلي في تطوير هذه المشاريع على الشركات الاستثمارية الخاصة، التي هدفها الأساسي الربحية، ذلك على حساب تحقيق الأهداف الرئيسة للمشروع. إن إيكال مشاريع تقنية الاتصالات والمعلومات بشكل عام ومشاريع التعاملات الإلكترونية بشكل خاص إلى الشركات الخاصة سلاح ذو حدين. وقد يقول البعض إن من الأسلم تسليم هذه المشاريع للشركات من باب '' أعط الخبز خبازه ولو أكل نصفه''، وهذا صحيح في حال وجود كفاءات مؤهلة في هذه التقنية لدى الجهات الحكومية – يفضل أن تكون وطنية – وخاصة في مراكز مديري تقنية الاتصالات والمعلومات CIO، وفي المراكز المهمة الأخرى، وذلك لإعداد المواصفات وكراسات طلب العروض RFP، وبعد ذلك القيام بتحليل العروض واختيار العرض الأنسب ثم متابعة التنفيذ والتسلم. إن تسليم مشاريع تقنية الاتصالات والمعلومات للشركات الخاصة (تعهيد أو تعاقد) حل قد يكون مناسبا في حال وجود كفاءات مؤهلة في المراكز المهمة في إدارة الاتصالات والمعلومات، وفي حال وجود كفاءات قانونية في الجهات الحكومية. وأيضاً من المآخذ التي أخذها البعض على ''يسر''، عدم الشفافية في تقديم المعلومات حول مشروع التعاملات الإلكترونية الحكومية واللجوء إلى الضبابية والتعميمات، وهذا صحيح، فنحن نعيش في نهاية عام 2010م موعد الانتهاء من تنفيذ 150 خدمة حكومية إلكترونياً تكون بمستوى عال من الجودة والتكامل والأمنية والحصول على تلك الخدمات من أي مكان وفي أي وقت، والآن وقد أذن عام 2010م بالرحيل، وقد أسدل الستار على فعاليات المؤتمر الوطني الثاني للتعاملات الإلكترونية دون أن يعلن برنامج ''يسر'' عن تحقيق الهدف المرسوم والمخطط له لهذه المرحلة، أو يعلن عن الإخفاق في تحقيق الهدف وتوضيح الأسباب والمعوقات وأين يقف المشروع ، لهذا يجب على ''يسر'' عدم لوم من ينتقد المشروع ووصمه بالفشل. من المؤكد أن هناك تقدما في المشروع، وأن هناك نجاحات تمت هنا أو هناك، وأن هناك خدمات إلكترونية حكومية تقدم للمواطنين، لكن إخفاق ''يسر'' في الإعلان عنها لعامة الناس والاكتفاء بعرضها في المؤتمرات، لم يمكن المواطنين والمقيمين من الاستفادة من تلك الخدمات. وبهذا الخصوص، أتذكر أنه في أحد مؤتمرات الحكومة الإلكترونية وأثناء عرض إحدى الدول – لا يحضرني اسمها - لبرنامجها للحكومة الإلكترونية كان من ضمن برنامجها بتعريف مواطنيها بالخدمات المتاحة، تسيير قافلة من السيارات التي تحمل ملصقات ووفودا تجوب القرى والأماكن النائية للتعريف بالخدمات والدعاية للحكومة الإلكترونية، وذلك إضافة إلى الدعاية من خلال وسائل الإعلام المعروفة. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل قامت ''يسر'' بالدعاية للخدمات الإلكترونية الحكومية المتوافرة؟ والجواب، لا أذكر أن ''يسر'' أعلنت عن أي من الخدمات الإلكترونية الحكومية في أي وسيلة من وسائل الإعلام.
إنشرها