الحرب القادمة.. حرب المواهب

الحرب القادمة.. حرب المواهب

تعتبر خاصيتا الندرة والنضوب من أهم خصائص الموارد الاقتصادية, لذلك يطلق مصطلح الندرة الاقتصادية على أي شي موجود بكميات اقل من الكافي لسد الحاجات والرغبات ,بينما يعرف النضوب على انه استنفاذ الموارد ألاقتصادية . إن التقسيم الأكثر شمولية للموارد الاقتصادية والذي يكثر استخدامه في مجال المال والأعمال هو التالي : موارد بشرية وموارد طبيعية ورأس المال . ونظرا لما تتمتع القوي العاملة اليوم بقدرة كبيرة على الانتقال بين الشركات والبلدان بشكل لم يسبق له مثيل وتتزايد حدة هذه الظاهرة يوماً بعد يوم مع تصاعد موجة العولمة ,ففي الماضي كانت الدول تتصارع عسكرياً حول النفط باعتباره أهم مورد اقتصادي ,أما اليوم فإن الصراع قد بداء يدور حول اجتذاب المواهب العاملة في سبيل التفوق الاقتصادي , وبعد أن كانت الشركات تتصارع في حروب الأسعار والتسويق ,بدأ صراعها يدور حول المواهب والذكاء البشري والإبداع الإداري والذي يكمن فيه سر تفوق الشركات الجاذبة للمواهب حيث بات واضحاً أن امتلاك هذه الشركات للذكاء والإبداع وقدرتها علي استنزاف المواهب من منافسيها يعتبر ميزة تنافسية جديدة يصعب التغلب عليها لاتصافها(الموارد البشرية) بصفتي الندرة والنضوب . وبالرغم من تأكيد كل المديرين التنفيذيين (CEO) علي أهمية الموظفين الموهوبين ،إلا أن ما يثير الدهشة هو أن أغلب المديرين يتصرفون بشكل يبعد و(يطفش) المواهب من شركاتهم إلى شركات منافسيهم . فهم لا يأبهون لأسباب تسرب أفضل موظفيهم إلي شركات منافسيهم . بل إن كثيراً منهم قد يعمل علي إقصاء المواهب ، ليس إلى خارج شركته فقط ، بل إلى خارج بلده أيضاً, فقد كشفت نتائج استطلاع آراء المديرين عن أن 80% منهم لا يهتمون بإدارة المواهب في شركاتهم . وجاءت بقية نتائج الاستطلاع كما يلي : مديرون للمواهب وهم المديرون الذين يحافظون علي الموظفين الموهيين في شركاتهم وبلغوا 20% فقط من إجمالي المديرين . مهدرون للمواهب وهم الذين يقصون المواهب في شركاتهم وبلغوا 30%, مديرون لا يكترثون بالمواهب وهم المديرون الذين لا يهتمون بإدارة المواهب وإنما يهتمون باعتبارات أخري مثل إدارة التكاليف وغيرها .وهؤلاء بلغوا 50% وهم يتبنون المبادئ الخاطئة التالية: أولها أن البحث عن المواهب ليس من مسؤوليات الإدارة العليا بل يدخل فى نطاق عمل إدارة الموارد البشرية وحدها . وثاني هذا الاعتبارات , يتمثل في اعتقاد المديرين ان البحث عن الموظفين الموهيين يجب أن يقتصر علي الموظفين العاملين بالفعل داخل الشركة . وأخيرا ,أن الموظف الموهوب يجب أن يخضع لنفس المعايير التي يخضع لها الموظف غير الموهوب من ناحية الراتب والأداء وأنه لا يجب اتخاذ تميزه ذريعة لتمييزه عن بقية الموظفين العاديين إلي موظفين موهوبين . وبالإضافة إلى ما سبق, يتضح لنا أن هناك تحولان أساسيان أديا إلى نشوب حرب المواهب بين الشركات والدول وهما : أولًا :التحول من عصر الصناعات إلى عصر المعلومات قديماً انقسمت الدول إلى دول مصنعة ومنتجة ودول مستوردة ومستهلكة ثم تحولت القدرات الصناعية إلى معلومات وخبرات يمكن نقلها نسخها . فقد أصبح بمقدور أي شركة نقل التكنولوجيا المستخدمة لدي المنافسين . وبذلك انقسمت الدول والشركات إلى دول تمتلك المعلومات ودول تفتقر إليها . ومن يمتلك المعلومات يمكنه أن يصنع ويتفوق . وهكذا تحولت الدول والشركات من التسابق علي امتلاك ناصية الصناعات إلى التسابق علي اجتذاب الخبرات والمواهب والمهارات . ثانياً :التحول من الشركة إلى الوظيفة بتصاعد موجة الخصخصة ودور القطاع الخاص بدأت العلاقة بين الموظف والمؤسسة في التحول .فقد ذهب الأمان الوظيفي إلى غير رجعة وأصبح الموظف يدرك أن وجوده في المؤسسة يعتمد علي مواهبه وقدراته والقيمة التي يضيفها وليس علي قانون العمل كما كان الأمر في الماضي .وهكذا ارتبط الموظف بوظيفته لا بشركته . فقد أصبحت الوظيفة هي مصدر رزق الموظف وليست الشركة فالموظف يحرص علي إتقان مهارات وظيفته ليمارسها في أية مؤسسة إذا استدعي الأمر أن يغادر المؤسسة التي يعمل بها.وأصبح من الممكن أن ينتقل الموظف بين الشركات المتنافسة بنفس الوظيفة . وظهر مفهوم " المستقبل العملي((career path)) و وأصبح ارتباط المستقبل العملي للموظف أهم من ارتباطه بالشركة . وفي هذا السياق فقد ضربت شركة بريتش بتروليوم أروع الامثلة في تنمية واجتذاب المواهب بطريقة فريدة .فقد دشن "جون براون " رئيس مجلس الإدارة برنامجاً لإدارة الموارد البشرية يقوم على المراحل الثلاث التالية: مرحلة اجتذاب الموظفين الموهوبين : وفيها يتخصص ما يقرب من 300 موظف باختيار الخامات الطيبة للمرشحين للوظائف من عناصر طلبة الجامعات الدارسين في أقسام هندسة البترول .حيث يقومون بتحديد العناصر الموهوبة من طلبة الهندسة من قاعات الجامعات . ثم يعقدون معهم لقاءات شخصية داخل الجامعة ليعرفوهم عن قرب . فإذا تأكد لهم ملامتهم للعمل عرضوا عليهم التعاقد ، علي الفور ،قبل أن ينضموا لسوق القوي العاملة أي قبل أن يكتشفهم المنافسون. مرحلة نشر مواهب الموظفين بالشركة : وفيها يحدد مدير كل قسم الموظفين الموهوبين لديه ويمنح كلا منهم مكافأة عبارة عن هاتف محمول ،تدفع له الشركة فاتورة استخدامه ، طوال فترة عمله بها . الغرض من منح الموظف هذا الهاتف هو ربط لمدة 24ساعة بالشركة ، بحيث يتمكن زملاؤه من الاتصال به واستشارته عند اللزوم ولم يسبق أن فكر أحد هؤلاء الموهوبين في رفض هذه الهدية لان الموظف الموهوب يحب متابعة كل ما يحدث في الشركة . مرحلة ربط مواهب الموظفين بالشركة : بعد فترة يتم ربط الموظف الموهوب بالشركة بقوة أكثر ،بان يمنح أسهماً يسدد قيمتها من المكافآت التي تضاف إلي راتبه. الغرض من هذه الأسهم هو ربط الموظف الموهوب بالشركة وتحصينه ضد إغراءات المنافسين وعروضهم . ( صورة مع التحية لشركاتنا الوطنية العزيزة) *برنامج ماجستير إدارة الأعمال في جامعة القصيم
إنشرها

أضف تعليق