Author

هل الخروج من الفصل السابع مدخل إلى التنمية؟

|
أعاد الحديث عن الأزمة الراهنة، ولا سيما تعذّر تشكيل الوزارة رغم مرور ستة أشهر على الانتخابات، إلى الأذهان مجدداً وبقوة مسألة تدويل القضية العراقية، خصوصاً أن العراق لا يزال يرزح تحت نير الفصل السابع ويئن من وطأته، فهل يمكنه الخروج من عباءة الأمم المتحدة؟ ومثلما هي العادة انقسمت النخبة السياسية بين معارض ومؤيد، فالبعض يعتبر العودة إلى الأمم المتحدة أو مطالبتها بلعب دور في حل الأزمة العراقية المستعصية، إنما هو تدخل في الشأن الداخلي العراقي، ويلحق ضرراً بليغاً بالمسألة العراقية حاضراً ومستقبلاً، وهذا الرأي أميل إلى كتلة دولة القانون التي تعتقد أن فرصتها أكثر حظاً في توّلي منصب رئيس الوزراء، مع علمها بأن تسلّم منصب رئيس الوزراء غير ممكن دون موافقة دولية وإقليمية. أما الفريق الثاني فيعتبر أن التدويل وتدخّل الأمم المتحدة هو الضمانة لتحقيق الاستحقاق الدستوري، وهو تحصيل حاصل، ولعل هذا الاتجاه هو أقرب إلى القائمة العراقية، خصوصاً أن المقصود بالتدخّل الدولي سيكون بالضرورة غير بعيد عن النفوذ الأمريكي. وبعيداً عن القبول أو الرفض فإن الأمم المتحدة مسؤولة بهذا القدر أو ذاك قبل الاحتلال وبعده، عمّا آلت إليه أوضاع العراق، علماً بأن الوضع العراقي مدّول منذ اجتياح الكويت في الثاني من آب (أغسطس) 1990، وهناك ما يزيد على 73 قراراً دولياً مفروضاً على العراق منذ عقدين من الزمان، حيث يخضع العراق إلى نظام عقوبات دولي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. كما أن توافقاً أولياً بمساعدة أممية وأمريكية أساساً، كان وراء تأسيس مجلس الحكم الانتقالي بعد عام 2003، ولذلك فإن المساعدة الخارجية، بغض النظر عن الموقف منها، تكاد تكون ''مفروضة''، فيما إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي بين الكتل المتصارعة، إذْ ليس من المعقول أن يظلّ العراق بلا حكومة إلى ما لا نهاية، الأمر الذي سينعكس سلباً على دول الجوار وعلى السلم والأمن الدوليين. وخارج نطاق الاصطفافات المسبقة، فإن كثيرا من الالتباس والإبهام يلفّ المسألة العراقية، ولا سيما في جوانبها القانونية الدولية، ولعل كثيرا من القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية أو من خارجها تقع في فهم خاطئ أحياناً، إذا أخذنا الأمر بحسن نية أو بتبرير ساذج أحياناً لدور العامل الدولي سلباً أو إيجاباً في محاولة لتدوير مصالحها، في حين يقتضي الأمر التوقف عند نظام العقوبات الدولي أولاً، وثانياً استمرار وجود القوات الأجنبية في العراق، على الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن سحب القوات المقاتلة التي بلغ عددها 91 ألف جندي أمريكي من العراق، ولعل ذلك يستوجب اعتماد معايير موضوعية في تقييم الأوضاع العراقية، بعيداً عن التأييد أو التنديد. إن عودة إلى قراءة الفصل السابع تعني فيما تعنيه التوقف عند حقيقة الوضع القانوني لعملية التدويل أو التأويل، سواءً انطبق على الواقع العراقي الحالي أو لم ينطبق. وهنا تدخل السياسة كعامل مؤثر في القرار القانوني، خصوصاً دور القوى المتنفذة والمتسيّدة في العلاقات الدولية. لقد تناول الفصل السابع بمواده الـ 13 الأحكام والقضايا والتدابير الواجب اتباعها في الحالات التي تؤثر في تهديد السلم والأمن الدوليين أو الإخلال بهما، ولا سيما بوقوع عدوان من دولة ما على دولة أو دول أخرى (من المادة 39 إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة). #2# وهنا تكمن المفارقة الحقيقية، فالعراق حالياً لا يشكل عنصر تهديد أو عامل عدوان أو خطر على السلم والأمن الدوليين، كما اتّضح أنه لا يمتلك أسلحة دمار شامل، حسبما أقرّت فرق التفتيش الدولية، وهو ما ذهبت إليه تقارير الخبراء الأمريكان أيضاً، ومع ذلك فالعقوبات باقية، والحجة هي الالتزامات التي أخذها العراق على عاتقه فضلاً عن مبدأ التعويضات، على الرغم من أن هذه ليست لها علاقة بمضمون الفصل السابع. وإذا أخذنا بمبدأ التدخل الإنساني أو مبدأ التدخل لأغراض إنسانية، ولا سيما إزاء الأخطار التي يمكن أن يشكّلها العراق على جيرانه، باستمرار الفوضى الأمنية وأعمال الإرهاب والعنف، فالأمر يتطلب حماية العراق والعراقيين أولاً، ولا سيما السكان المدنيين الأبرياء، لا العكس حيث يتم ترويعهم، والأكثر من ذلك استمرار إخضاعهم للفصل السابع الذي ينتقص من سيادتهم، لكن الولايات المتحدة والجهات العراقية النافذة لا تعتبر تدهور الوضع الأمني واستفحال الإرهاب يؤثر في حال السلم والأمن الدوليين، فضلاً عن ذلك، فالجهات ذاتها تقول إن الوضع في تحسّن، ولذلك فقد تم الانسحاب الأمريكي حسب الاتفاقية العراقية ـــ الأمريكية الموقّعة بين الرئيس بوش ورئيس الوزراء المالكي في أواخر عام 2008، كما أن إجراء الانتخابات هو في حد ذاته مؤشرٌ على التقدّم في الوضع السياسي. أما بقاء الفصل السابع حسب بعض التفسيرات فإنه يتعلق بالديون والتعويضات، التي لا تريد الكويت وغيرها التنازل عنها والتي تقدر بـ 41 مليار دولار (11 مليارا ديون و30 مليارا تعويضات) علماً بأن العراق ورث من النظام السابق ما يقارب 130 مليار دولار ديوناً، لكنه استطاع إطفاءها أو إلغاء أغلبيتها الساحقة بعد عام 2003. ولأن العراق ما يزال في قبضة الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع، فيمكن لهذه الأخيرة أن تقرر القيام بتدخل مباشر أو غير مباشر، وتمارس ضغوطاً مختلفة، إذا بقي الوضع العراقي عائماً ودون تشكيل حكومة، خصوصاً إذا تم التوافق في إطار قرار دولي جديد يصدر عن مجلس الأمن وبموجب الفصل السابع، وفيما إذا انحازت الولايات المتحدة لهذا الخيار، عندها يمكن التذرّع بأن بقاء الوضع الحالي معوّماً يشكل قلقاً وربما تهديداً على السلم والأمن الدوليين، ولذلك يجب على مجلس الأمن اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون انفلات الوضع بما يؤثر في دول الجوار وفي السلام والأمن الإقليمي والدولي. لكن سؤالاً ملحاً وقانونياً يظهر إلى الواجهة وهو أن المواد الخاصة بالفصل السابع تتحدث عن نزاع دولي مسلح يهدد السلم والأمن الدوليين، وهو ما ذهبت إليه المادة 39 حين تقول: ''يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو عمل من أعمال العدوان، وما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه''. ولم تقل هذه المادة شيئاً بخصوص النزاع الداخلي، وهو الوضع الأقرب إلى الحال العراقي. وأوكلت المادة 40 لمجلس الأمن اتخاذ التدابير قبل أن يتفاقم الوضع. أما المادة 41 فقد أعطت المجلس اتخاذ التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، مثل وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات والعلاقات الدبلوماسية وغيرها. وذهبت المادة 42 إلى إعطاء الحق لمجلس الأمن باستخدام القوة جوياً وبحرياً وبرياً لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما. ولعل هذه المواد لا تنطبق على الحالة العراقية الراهنة، الأمر الذي يغدو المشهد فيه سريالياً، فالعراق يخضع للفصل السابع الذي لا ينطبق عليه قانونياً باستثناء التعويضات والديون، وهذه الأخيرة يمكن معالجتها خارج الفصل السابع وعلى قاعدة قانونية تقول ''تبدّل الأحوال بتبدّل الأزمان'' و''التغييرات الجوهرية في الظروف''، تلك التي تجيز للعراق التذرّع بأن هذه الديون والتعويضات هو غير مسؤول عنها، بسبب تبدّل ظروف وأحكام الالتزام بها بعد زوال الحكم السابق، وهو ما حصل بالنسبة لمعاهدة بريست لستوفيسك في روسيا التي وقعتها الحكومة البلشفية بعد ثورة أكتوبر، ولكن بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى قامت بإلغائها بسبب تبدّل الظروف، ولأنها معاهدة غير متكافئة، وكذلك إلغاء الاتفاقيات العراقية ـــ الأمريكية، والعراقية ـــ البريطانية بعد ثورة 14 تموز (يوليو) عام 1958، وهي اتفاقيات غير متكافئة ومجحفة وقّعها الحكم الملكي السابق في عام 1954، وقام العراق الجمهوري بإلغائها للأسباب ذاتها. إن خروج العراق من أحكام الفصل السابع يتطلب اتخاذ قرار جديد من مجلس الأمن، ولا بدّ لهذا القرار أن يحظى بدعم واشنطن والقوى المتنفذة في مجلس الأمن، خصوصاً فيما له علاقة بالفصل السابع وتبعاته. ومثل هذا الأمر في تقديري لن يتم بسهولة رغم كل الرطانة السياسية التي نسمعها، لأن واشنطن لم تحقق أهدافها من الحرب على العراق حتى الآن، والمسألة تحتاج إلى وضع العراق لسنوات قادمة قد تطول تحت الوصاية الفعلية المباشرة أو غير المباشرة، والتحكم في النفط وأسعاره وضمان استثماره وحماية خطوط نقله، مع ضمان أمن إسرائيل، وخاصة في إطار مخطط التسوية المطروحة، إذْ لا يمكن الحديث عن التنمية المستدامة بمعناها الإنساني الشامل دون التخلص من شرنقة الفصل السابع.
إنشرها